عبدالله الحجي
هادم اللذات يبتر حبل عمل المرء إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. وهذه حقيقة أصَّلها الرسول الكريم - عليه من ربي صلواته وسلامه - إذ يقول في إحدى جواهر عِقد أحاديثه:" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، فالحياة فرصة مؤاتية، ونعمة عظيمة لمن أمدَّ الله تعالى له في عمره؛ كي يتزود منها بالزاد الذي يبلِّغه إلى أخراه، إلى جنة عرضها السموات والأرض، وليجعلها قنطرة عبور يصل من خلالها إلى مبتغاه من النعيم في الآخرة.
فالعاقل الكيِّس الفطن يحسن لحظات حياته، حيث يجعلها في طاعة الله، وفي التزود بشتى صنوف القربات وألوان الطاعات؛ لأنّه يعلم علم اليقين أنّ الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء لما قد عَمِل.
إلا أنّ رحمة الله بعباده واسعة حتى بعد نقلتهم، فمن أراد مواصلة الأجر، وتدفق الحسنات إلى صحيفة أعماله، ولو بعد موته، فقد أرشده النبي الرحيم المبعوث رحمة للعالمين إلى وصفة يمكنه من خلالها استدرار الحسنات حتى بعد الرحيل، وقد استحال إلى رفات.
فإما أن يتصدَّق بصدقة جارية، يجري إليه أجرها ما بقي نفعها، حيث تتنوع ألوان الصدقات الجارية، فمن بناء المساجد، وشق الأفلاج، وإجراء الأنهار، وتوريث المصاحف، والإسهام في بناء يعود نفعه للعباد، كالإسهام في مؤسسة خيرية، أو مدرسة للقرآن الكريم.
وإما أن يجهد في نشر العلم، بأن ينشط في التأليف في دنياه؛ ليستفيد الآخرون من علم ذلك الكتاب، وقد أجاد القائل حين قال:
يعيشُ الخطُّ في القِرطاسِ دهرًا *** وكاتبُه رميمٌ في الترابِ
أو يسعى لتوسيع رقعة كتب أهل العلم، وتوزيعها بين الأنام؛ ليُفيد منها القارئ والمستمع، والمجال في ذلك رحب، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين: ٢٦).
وإما أن يحسن تربية أبنائه وبناته حتى يكونوا صالحين؛ ليستجيب الله تعالى لهم دعاءهم حين يدعون لأبيهم بالرحمة والمغفرة، وهو بين أطباق الثرى، وهذه رسالة عاجلة إلى الآباء والأمهات؛ كي يحسنوا التربية الإيمانية لأبنائهم، التي تعود إليهم ثمارها في الأولى قبل العقبى.
يا جامعَ المالِ في الدنيا لوارِثه *** هل أنتَ بالمالِ قبلَ الموتِ منتفعُ؟
قدِّمْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ في مَهَلٍ *** فإنَّ حظكَ بعدَ الموتِ مُنقطعُ