"الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر".. مخطوط نادر يفيض بتجليّات التصوّف

إدريس بابا باحامد

من المخطوطات القيمة التي تضمها خزائن مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي مخطوط "الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر" للشيخ: أبي عفيف الدين عبد الكريم ابن براهيم بن عبد الكريم بن خليفة بن أحمد بن محمود الجيلاني البغدادي الربيعي.

يقع هذا المخطوط في خزانة حرف الألف بالتحديد ويحمل رقم (85) حسب الترتيب العام لمخطوطات المكتبة، تولى نسخ هذا المخطوط الشيخ : علي عبد الله خلفان بن مسعود بن نوران [السماري]، بتاريخ؛ يوم: الثلاثاء 15، 16 شعبان 1115هـ.

خُطَّ المخطوط بخط مشرقي واضح جيد ومفهوم، بلونين اثنين الأسود والأحمر إلا أن الأسود كان هو الغالب كعادة النساخ حيث يجعل اللون الأحمر لبعض التنسيقات، والزخرفات التي تزيد للكتاب روعة وجمالا، وقد ضمّ هذا السفر بين جنباته 600 صفحة تحمل كل صفحة منه ما يقارب 15 سطرا، دون أن يكون يكون به رص بين السطور أو ما شابه ذلك مما من شأنه أن يجعل المخطط غير مفهوم أو غير منسق بالأحرى، ذلك أنّ مقاس الصفحات 21 سم طولا على 14 سم عرضًا. جعل الأمر أشد وضوحًا.

مما يلا حظ على هذا المخطوط أنّه رَثٌّ وقديم جدًا على العموم من خلال ما تحكيه لنا أوراقه وحالته، يحتاج لترميم عاجل للحفاظ على ما فيه من درر وكنوز، كما أنّ الصفحات من 461 - إلى آخر المخطوط فيها تآكل واضح على الحواف مما جعل أحدهم يرمم المخطوط بطريقة تقليدية لم تتحمل أحوال الزمان، فصار ذلك الترميم أصلا متآكلا. كما نرى في المخطوط بعض التنسيقات الرائعة الجميلة كما هو واضح وبيّن في أول المخطوط، وبالتحديد في صفحة التقديم التي تحوي بيان المؤلف والكتاب. كما توجد بالمخطوط هوامش واضحة على بعض الصفحات مثل:(58)(130)(158)(273)(311)(319)(338)(427)(459)(460).

كما نلاحظ وبكل وضوح وجود عبارة في المجلد الأول من الكتاب مفادها: تجليد هذا الكتاب قرش فضة كي خلفان بن عثمان بن خميس في يوم 27 رمضان 1341هـ إلا أن هذا المكتوب مخربش عليه ولكنه واضح بعد التأمل والتأكد، ويوجد إلى جنبه ورقة فيها بيانات الكتاب، بخط المرحوم السيد محمد بن أحمد البوسعيدي.

بداية المخطوط:

يبتدئ المخطوط بقول الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، الحمد لمن قام بحق حمده اسم الله فتجلى في كل كمال استحقه واقتضاه، وحصر بنقطة خال() جلاله حروف الجمال واستوفاه، سمع حمد نفسه مما أثنى عليه المعبودفهو الحامد المحمود ، حقيقة الوجود المطلق، عين هوية المسمى بالخلق والحق، مَحْتِدُ العالم الظاهر على صورة آدم، معنى لفظ الكائنات، روح صور المخترعات، الموجود بكماله من غير حلول في كل ذرّة، اللائح جمال وجهه من كل غرة، ذي الجلال المستوجب جايز الكمال المستوعب ذات حقيقة الجواهر والأعراض....× (الصفحة 2 من المخطوط).

نهاية المخطوط:

ينتهي المخطوط:بقلم الفقير الحقير المقرِّ بالذنب والتقصير الراجي عفو ربه المنان علي بن عبد الله بن خلفان بن مسعود بن راشد بن نوران السخاوي غفر الله له ولوالديه ولمعلميه ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، تاريخ ذلك: نهار الثلاثاء وخامس عشر أو سادس عشر شهر شعبان سنة 1115هـ من الهجرة على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام، ونعم النصير، تمّ الكتاب المسمى: بالإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، وتصنيف الولي الواصل الموصل، الكامل المكمل المقرب المكاشف..المحبوب السجاني الصمداني الرباني الشيخ: عبد الكريم ابن إبراهيم ابن عبد الكريم ابن خليفة بن أحمد بن محمود الكيلاني شهرية البغدادي أصلا الربيعي نسبا، الصوفي طريقة وأدبا، قدَّس الله سرَّه ونوَّر ضريحه وأعاد علينا وعلى المسلمين بركاته وبركات أسلافه آمين، كتبته كما وجدته آخر الكتاب، والله أعلم بصحّة ذلك فيظنُّ فيه، عرض على نسخة أخرى×( ص 599/ 600 من المخطوط).

مقتطف من المخطوط:

يتبيّن لنا من عنوان المخطوط موضوعه، فهو في التصوّف وما يتعلّق به من علوم، وقد وضعه مؤلفه في نيف وستين بابًا، كما أشار في مقدمته، فقد تكلّم عن وحدانية الله تعالى، وعن ربوبيته تعالى، وعن معاني الأسماء، والصفات وما إلى ذلك من مباحث متعلقة بعلم الكلام وعلم العقيدة، ثم تحدث عن العلم، البصر والجمال، والحلال والكمال، وفي الآنية، كما تحدث عن الأزل، وتحدث عن العدم، ولم يغفل جانب الوحي حيث تكلم عن صلصلة الجرس وتكلم عن القران، وأم الكتاب، وتكلم عن الزبور والإنجيلوالتوراة، والفرقان، وبين بعض معاني الآيات كالطور وكتاب مسطور، وتحدث أيضًا عن الرفرف الأعلى، والسرير والتاج، وتحدث عن العرش والكرسي، وعن اللوح المحفوظ، وجبرائيل عليه السلام، وتحدث عن القلب، والعقل، والوهم، والهمة، والفكر، والخيال، كما لم يغفل وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر بابا مهما في النفس وذكر أنّ الإنسان الكامل هو محمد صلى الله عليه وسلم، ليتحدث بعد ذلك عن أشراط الساعة، ثمّ السماوات السبع وتحدث عن سرِّ سائر الأديان، وبهذا ختم أبواب كتابه الرائع الذي يجعل قارئه يشغف به ويحب مطالعته من حين لآخر لما يحويه من فوائد وعلوم قلّ ما نجدها في كتاب جامع مثله، لذا سأختار لك أيّها القارئ الكريم بعض مما جاء في الباب الثالث والعشرين وهو ما يتعلق بالجمال، فما أروع الجمال، ولكن أي جمال! هذا ما سنراه من خلال سردنا لبعض من فصول هذا الباب، إلا أن الكتاب بكامله وفي نظري من الكتب المهمة التي ينبغي العناية بها.

تعليق عبر الفيس بوك