عبدالله الحجي
الموت للتقي أشد مما قبله، وأهون مما بعده، وأما للشقي فهو أشد مما قبله، وأهون مما بعده، فنزع الروح من كل عضو من أعضاء الجسم وقعه أليم شديد، فإن كان بتر عضو بنزع الروح منه أثره عظيم، فكيف بنزع الروح من كل أعضاء البدن.
فالمؤمن ما يلاقيه أثناء سكرات الموت أشد مما كان عليه في دنياه من راحة ونعيم؛ ولكن أثر وقع موته، أهون عليه مما يلاقيه من النعيم السرمدي، والراحة غير المتناهية في جنة عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين، فما يصارعه أثناء سكرات الموت لا يعد شيئا مقابل ما ينتظره من نعيم وافر، وسرور باهر، حيث مصاحبة النبيين، ولقاء الحور العين، حيث الجنة التي وصفها ربه جل في علاه بقوله: "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (الزخرف: 71).
وأما الشقي -والعياذ بالله من الشقاوة- فأثر وقع موته أشد مما كان عليه في دنياه، حيث التنعم بنِعَمِ الله، والتلذذ بشتى الأطايب من المآكل والمشارب؛ فسكرة موتته تُعدُّ لا شيء تجاه ما يلاقيه بعد رحيله من العذاب الأليم، والشقاء الخالد الأبدي، فقد انتقضى زمن التَّنعُّم، وجاء دور الجزاء، وهكذا هي الدنيا لا نعيم باقٍ فيها، فهو إلى زوال مهما طال أمده.
فلينظر العاقل إلى هذه العبرة بعين العقل، وليرجع البصر كرتين، فما زال في فسحة من دنياه، فهي فرصة سانحة للمراجعة، وتقليب ملفات الحياة قبل أن يطرق باب قلبه طارق رب المنون، فينزعه من بين أهله وذويه، ولات ساعة مندم، وهيهات هيهات (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ، فيأتي النداء الإلهي المغلَّف بالردع والزجر (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون: 99- 100).