عندما لا تمثل الدراما الواقع .. تكون السقطة

خلفان العاصمي

تعد محاكاة الواقع بكل تفاصيله، وبما فيه من الخير والشر والقبيح والحسن، إحدى أهم عوامل نجاح أي عمل درامي اجتماعي يقدم سواء عبر شاشة التلفزيون، أو على خشبة المسرح، ويأتي شهر رمضان كموسم حافل بالأعمال الدرامية التلفزيونية، والتي تتسابق القنوات الفضائية على إنتاجها باعتبار أن نسبة المشاهدة تكون هي الأعلى خلال شهر رمضان، فنجد الكثير من الأعمال التي يتم الانتهاء من إنتاجها بشكل كامل وتكون جاهزة للبث قبل شهر رمضان بفترة طويلة إلا أن المنتجين لها لا يغامرون ببثها خارج وقت الذروة الرمضانية كما يروه، وكذلك العكس فهناك أعمال قد يتبقى من عملية إنتاجها الشيء القليل قبل شهر رمضان إلا أنه يتم تأجيل بثها لعام كامل بغية الوصول للنسبة العالية من المشاهدة مع اعتبارات أخرى ذات علاقة بتسويقها للقنوات ذات قوة المشاهدة والقادرة على شراء حقوق البث الأولى والحصرية. وبالتأكيد هذه القنوات والتي تعمل بطريقة تجارية وذات قدرة على جذب المعلنين حيث إنهم يتعاملون مع هذه العملية بفكر تجاري بحت بعد أن أصبح معهم الإنتاج الدرامي صناعة لمنتج يعامل بكل مقاييس التصنيع من حيث الجودة والقدرة على التسويق والمنافسة.

وعندما نتحدث عن دراما رمضان فمباشرة يحضر الحديث عن الدراما العمانية التي ما زالت تائهة وغير مستقرة لا من حيث المضمون ولا القوة الإنتاجية ولا القدرة التسويقية، وكأن هناك لعنة حلت بها، فبرغم الامتعاض الجماهيري المتكرر في كل موسم من مواسم الإنتاج وبرغم كمية الكلام الذي يكتب والذي يقال بغية الارتقاء بها وتطويرها وبرغم الدعم اللامحدود لها من أعلى المستويات في البلد حين وجه جلالة السلطان المعظم قبل فترة ليست بالقصيرة بتطوير الدراما وتم تشكيل لجنة عليا لذلك انبثقت منها لجان وفرق فرعية قدمت دراسات ومقترحات ومرئيات، ولكن على أرض الواقع بقي الحال كما هو عليه.

ويرى المتابعون للدراما المحلية بأنّ هناك أكثر من سبب وراء هذا الإخفاق في تحقيق الطموح الجماهيري، وأقصد هنا طموح المشاهد، وليس القائمين على العمل من المسؤولين المعنيين عن الإنتاج، أو المنتجين المنفذين من أصحاب شركات الإنتاج، ولعل أبرز هذه الأسباب كما يراها البعض هو عدم وجود النص القوي الذي يستطيع أن يعبر عن واقع الحياة العامة كما هي بخيرها وشرها حيث نسمع عن الكثير من الضوابط والمحرمات التي يجب عدم تناولها في الأعمال الدرامية وخاصة التليفزيونية، بينما ومثل ما ذكرت في بداية المقال بأن من شروط نجاح أي عمل درامي وخاصة الأعمال الاجتماعية، محاكاته للواقع كما هو عليه ونقله الصورة كما هي فكيف أعالج قضية التدخين ولا يوجد مشهد واحد به شخص يُدخن سيجارة أو شيشة بينما مقاهي الشيشة (تارسة البلد) ويرتادها الشباب ومن الجنسين، وكيف اتطرق لبعض القضايا الأسرية الناتجة عن رب أسرة يقضي ليله بأكمله في الحانات ومراتع الرقص والخمور دون أن أصور بعض المشاهد التي توضح حالته تلك لكي أقنع المشاهد، لأن كل الحلول البديلة من إيماءات وإشارات وتلميحات غير مباشرة ستكون نقطة صعف للعمل ومن ثم سيبدو مهزوزا يؤدي لفشله وبالتالي لن يتقبل المشاهد أي مبرر يمكن أن يسوقه المسؤول عن إنتاج العمل.

ومن الأسباب التي يراها البعض، الشح في الصرف على الأعمال الدرامية، فنجدها ذات إنتاج ضعيف وغير مقنع سواء من خلال أماكن التصوير، أو الإكسسوارات المرتبطة بها أو من خلال هيئة الممثلين غير المقنعة أحيانا، وعدم تجسيد البيئات الخاصة بالمشاهد بكل احترافية وجعلها تبدو هزيلة وفقيرة لأشياء كثيرة، وبالرغم من الميزانيات المرصودة لهذه الأعمال والتي تم رفعها في ظل وجود الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إلا أن هناك خللا ما في الكلفة المادية للإنتاج، ولعل بعض شركات الإنتاج التي تقوم بدور المنتج المنفذ ومعظمها -شركات تجميع-لا تملك إمكانيات الإنتاج الجيد، بل ساهمت في تدني مستوى العمل الدرامي من خلال شحها في الصرف ورغبتها في الخروج بأكبر فائدة مالية من العمل دون مراعاة لما بعد ذلك، ولنا فيما تشهده صفحات بعض الجرائد من تصريحات لممثلين وفنيين انتقصوا في أجورهم لخير دليل. وثمة سبب آخر هو القديم المتجدد، ويختص باللهجة، فالكثير يتحدث عن عدم وجود لهجة واحدة تربط عناصر العمل ولو على مستوى الأسرة الواحدة حيث إن كل فرد من أفراد الأسرة يتكلم بلهجة المحافظة القادم منها، والبعض يستخدم لهجة هجينة هي خليط مجمع من لهجات خليجية، وبرغم حزم المسؤولين في الهيئة على أهمية التحدث بلهجة واحدة ومما أذكره أنه قد تم تخصيص مراقب للهجات من ضمن فريق العمل في أعمال سابقة ولكن يبقى إحساس الممثل بما يقدم وبالأسلوب المقنع وبالقدرة على تقمص الدور وتكييف اللهجة التي تخدم العمل هو الأساس.

تعليق عبر الفيس بوك