عبدالله الحجي
الحِمام يقطِّع اﻷواصر الاجتماعية، ويبيد كل الروابط بين الأنام، إلا رابطة واحدة فقط، ألا وهي رابطة التقوى، فالإنسان مدني بطبعه، اجتماعي بفطرته، لا يستطيع العيش في دنياه بمعزل عن غيره، فتربطه بينهم علاقات ووشائج، إلا أن هذه العلاقات والوشائج تتقطع أوصالها، وتتلاشى روابطها بعدما تنزع روح المرء، فلا تبقى آصرة على تماسكها وترابطها إلا آصرة التقوى، حيث تكون الجنة مجتمعهم.
وتتهالك أواصر القربى بين ذوي القرابات، فلا ينفع المرء يوم القيامة نسبه، ولا يرفع من شأنه حسبه، مصداقا لقوله تعالى:(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون: ١٠١) ، بل الأكثر من ذلك عبرة وموعظة لمن آتاه الله بقية من عقل، يتدبر بها في أمر آخرته: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) (المعارج: ١١ - ١5)؛ ولكن هيهات هيهات، فكل بنفسه مشغول، يرجو النجاة، وحسن القبول.
وفي هذا من العبرة والعظة ما يقف تجاهها أولي الفكر والأبصار، إذ يفد كل امرء إلى ربه وحيدا فريدا كما خُلق أول مرة، فإن كانت لديه علاقة تربطه، أو نسب يصله في هذه الفانية، فإن كل ذلك لا وزن له أمام المحكمة الإلهية، قال تعالى في محكم التنزيل: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) (الأنعام: ٩٤).
كلُّ الروابطِ يومَ الحشرِ هالكةٌ *** إلا التقيَّ بحبلِ المثلِ مربوطُ
فاصحبْ تقيًا تنلْ خيرًا تفوزُ به *** فالفوزُ صاحِ بتقوى اللهِ مَشروطُ