البلسم الشافي (الجزء الثالث) )5(

أ/ حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني

(5)

أيها الإخوة والأخوات الأفاضل، توقفنا في لقائنا الماضي عند ذكر النقطة الثامنة من النقاط المتعلقة بالحقائق والقواعد التي لا بد من مراعاتها عند التفسير العلمي حسبما جاء في كتاب (الدخيل في التفسير)؛ والذي نشرته جامعة المدينة العالمية. ودعونا نواصل ذكر ما جاء بعد ذلك: (تاسعًا: لا يجوز لنا أن نعدل عن حقيقة اللفظ القرآني، وإن اتجه إلى معنى مجازي إلا إذا كانت هناك قرائن، وعلامات توجب ذلك.

عاشرًا: يجب مراعاة الأساليب البلاغية في القرآن ودلالاتها.

حادي عشر: عدم قصر اللفظ على معنى واحد ورد بقية المعاني الصحيحة الأخرى من غير مرجح.

أخيرًا: يجب الجمع بين كل آيات القرآن التي تتحدث في الموضوع الواحد، ولا نستطيع الجزم بأن ما يقال عنه حقيقة علمية ستظل إلى الأبد هكذا، فكثير مما يكتشفه العلماء، ويقولون: إنه حقائق علمية، وتبقى فترة طويلة يأتي ما ينقُضَها، ويزلزل أركانها فيما بعد.

وعليه فينبغي أن نعلم أن الحقائق البشرية غير قاطعة أما الحقائق الإلهية القرآنية فهي قاطعة ونهائية).

وقوله: (وعليه فينبغي أن نعلم أن الحقائق البشرية غير قاطعة) بهذه الصيغة التعميمية يحتاج أن ينظر فيه ويدرس ويتناول من عدة جوانب؛ وعسى الله أن ييسر لنا ذلك في مناسبات قادمة أخرى.

والآن نتابع استعراض ما ورد في كتاب (الدخيل في التفسير): (وأما عن آراء العلماء في التفسير العلمي، فماذا قال العلماء، أو ما رأي أكثرهم؟

نقول: لقد اختلف العلماء في التفسير العلمي منذ القرون الأولى، ويرجع في تاريخ المسلمين إلى العصر العباسي، ومن أبرز وأنشط من روّج لهذا الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله-، ثم نمى هذا الاتجاه على مر الأيام بالفخر الرازي، والقاضي أبي بكر بن العربي، وابن أبي الفضل المرسي، وجلال الدين السيوطي، ولكن هذا الاتجاه لقي معارضة قوية من آخرين.

وعلى هذا، فإننا نقول: إن هذه النزعة التفسيرية، كما وجدنا لها أنصارا ومؤيدين؛ فقد وجدنا لها -أيضا- منكرين ومعارضين؛ فمن أبرز الزعماء لكل فريق؟ أبو حامد الغزالي، كان من أبرز الذين أيدوا هذا بصورة لم يُسْبَق إليها، وفي كتابيه (إحياء علوم الدين) و (جواهر القرآن) ذكر الكثير؛ وخصص في (الإحياء) الباب الرابع من أبواب آداب تلاوة القرآن في فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقل. وذهب إلى القول: بأن القرآن فيه إشارة إلى مجامع العلوم التي لا نهاية لها، حتى قال: لكل آية ستون ألف فهم، وما بقي في فهمها أكثر.

وقال آخرون: القرآن يحوي سبعا وسبعين ألف علم ومائتي علم؛ إذ كل كلمة فيها علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف؛ لأن كل كلمة لها ظاهر وباطن، وحد ومطلع، وأما في كتابه (جواهر القرآن) المتأخر عن (الإحياء) فجعل فيه الفصل الرابع والخامس عن كل العلوم الدينية والدنيوية، كالطب، والنجوم، والهيئة، والتشريح، وغير ذلك، وقال: تفكر في القرآن والتمس غرائبه؛ ليتصادف فيه مجامع علم الأولين، والآخرين.

غير الإمام الغزالي نرى الإمام الرازي؛ فرفع الراية عالية، ولم يترك آية تتحدث عن السموات والأرض، والبحار والأنهار، والجبال، وكل آيات الآفاق والأنفس إلا أعمل فيها عقله، وفسرها بما وصل إليه العلم في عصره، وجاء الإمام الزركشي في (البرهان) والسيوطي في (الإتقان) وتأثروا بالغزالي، ونقلوا عباراته: أن القرآن يحتوي على سبعة وسبعين ألف علم، والكلمة لها ظاهر وباطن، وحد ومطلع ... إلى آخره؛ ثم نقل الإمام السيوطي عن أبي الفضل المرسي، وعن القاضي أبي بكر ابن العربي كثيرًا من ذلك) بتصرف.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)

تعليق عبر الفيس بوك