مبتعثون ومغتربون: نفتقد الروحانيّات والعادات العمانية.. ومشاهد تحلّق الأهل حول مائدة رمضان ذكرى تعتصر القلوب

وافدون: لا فروق جوهريّة بين الصيام في السلطنة وبلداننا..فقط نحنّ إلى خبز أمهاتنا وتجمّع العائلة

القاسمي: الحس في رمضان يصير أكثر رهافة.. والشوق للأوطان يتحوّل إلى إحساس بالوجع

الحبسي: الجاليات العمانيّة في الغرب تجتمع على الموائد الرمضانية والفروقات تكمن في اختلاف المحيط والمجتمع

خالد الوردي: التقرّب إلى الله تعالى بالعبادات الدواء الوحيد لتخفيف الشعور بوطأة الألم والحنين للأوطان

أجمع عدد من المغتربين داخل السلطنة، وخارجها من الطلبة العمانيين المبتعثين للدراسة في أوربا أو العمل إنّ الصيام خارج نطاق الدول الإسلامية يعد صعبًا ومختلفا عند مقارنته بالصيام في البلاد العربية أو الإسلامية، وأضافوا أنّ أهم ملامح هذا الاختلاف تتمثل في افتقادهم للروحانيّات التي يتميّز بها هذا الشهر الفضيل بجانب العادات والتقاليد التي تعارفت عليها المجتمعات العربية والإسلامية، إضافة إلى كون الآخرين في كثير من الدول غير الإسلامية يكونون غير صائمين، مما يفاقم الإحساس بالحنين إلى الروح الجماعيّة التي تنتظم المجتمع المسلم في شهر رمضان، لافتين إلى أنّ الصوم عبادة تتجلى قيمها الروحيّة حول مفهوم الجماعة فالّناس في الشهر الفضيل مجتمعة على الصوم نهارًا وأداء صلاة التراويح والتهجّد ليلا في مشاهد جماعية جميلة كانها بنيان مرصوص.

وأشار عدد من المغتربين داخل للسلطنة إلى أنّ صيام الشهر الكريم في بلدانهم لا يختلف كثيراً عن الصيام في السلطنة، لا سيما أنّ العادات والتقاليد وخاصة الصيام في بلاد العرب والمسلمين لا يختلف كثيرًا، وأنّ جل ما يفتقدونه هو تجمّع العائلة والأسرة.

الرؤية - محمد قنات - عهود المقبالية

وقال فيصل إبراهيم قاسم الشمالي - أردني الجنسيّة- أستاذ بالكليّة التقنية بعبري: شهر رمضان والصيام في السلطنة لا يختلف كثيراً عن الصيام في بلدي خاصة وأن اليوم في السلطنة يمضي سريعاً نسبة لزحمة العمل إلى جانب المشاغل الأسرية الأخرى، وتابع أنّ اليوم أمضي منه حوالي خمس ساعات بالكلية إلى جانب مقتطع من الوقت للتسوق وقراءة القرآن ومساعدة زوجتي في تحضير الإفطار، حيث لا يوجد فرق بين الصيام في الأردن والسلطنة ولكن الأردن بها بعض العادات التي ربما تكون مؤذية للمصلين في صلاة التراويح من استخدام الأعيرة النارية (الألعاب) وهنا في السلطنة يوجد هدوء تام وخشوع في الصلاة.

وزاد أن العادات والتقاليد بين البلدين متقاربة ومتشابهة وأن الأمر ينطبق على معظم الدول العربية لأنها تستمد هذه العادات والتقاليد من الإسلام. واسترجع فيصل ذاكرته أيام الصيام في الأردن وقال كنت أخرج بعد تناول وجبة الإفطار لأتناول الشاي أو القهوة أو الحلويات خارج البيت مع الجيران.

وعن أكثر شيء أحبه في رمضان بسلطنة عمان قال الهدوء والسكينة ونعمة الأمن والأمان و راحة البال والشيء الوحيد الذي افتقده في رمضان وجود والدتي الحبيبة وأولادي واخواني وأخواتي والأصدقاء.

ومن جانبه قال محمود عبابنة من الأردن أيًضا: أقضي نصف نهار رمضان الأول بالعمل حيث أعددت برنامجًا بجانب زوجتي نطبقه معا للعبادة، خاصة وأن الشهر يعتبر شهر عبادة وتقرب الى الله سبحانه وتعالى، كما أنّ الصيام بالسلطنة يتيح للإنسان استغلال وقته بالطاعات أفضل من بلده حيث يهدر هناك في المجاملات وغيرها من الأشياء التي تهدر الوقت.

وعن العادات والتقاليد ما بين الأردن وسلطنة عمان قال إنّها متقاربة مع وجود اختلاف بسيط في طريقة تناول الطعام ففي الأردن تقدم الوجبة الرئيسية مباشرة مع الآذان ثمّ الحلوى والعصير والشاي وهذا كله قبل صلاة التراويح أمّا في السلطنة فيكتفون بوجبة خفيفة عند المغرب والوجبة الرئيسيّة بعد التراويح وختم حديثه قائلا إنّ أكثر شيء افتقدته هو الحياة الاجتماعيّة والإفطار مع الأهل والأقارب. ‎

فيما قال محمد حمد الوردي طالب بماليزيا: إن أكثر ما افتقده سواء في الشهر الفضيل أم غيره من الشهور هو الوطن والأهل والأقارب، وأن هذا الفقد يكون بصورة كبيرة خلال شهر رمضان حيث يزداد الإنسان شوقاً للرجوع إلى الوطن حتى يستمتع بالشهر الفضيل وهو وسط أهله وأحبابه، وأضاف: بحكم أنّي أعيش في دولة إسلاميّة وهي ماليزيا فشهر رمضان فيها له طابعه الخاص أيضًا، فأغلب الشعب الماليزي يصوم وتتواجد أيضًا بعض المشاعر الروحانية برمضان في ماليزيا. فالفرق ليس بالكبير بين السلطنة وماليزيا، ولكن قد تختلف العادات والتقاليد بين السلطنة وماليزيا، وقد تلتقي هذه العادات في بعض الخطوط، فلكل بلد طابعه الخاص في رمضان. فالأكل والعادات الرمضانية تختلف بين البلدين، إلا أنّ هذا الاختلاف يدفع بالإنسان للتعرّف على العادات الرمضانية في ماليزيا وأضاف الوردي أن أكثر ما يفتقده في الصيام خارج السلطنة هو تجمّع الأهل في رمضان على الفطور والزيارات الرمضانية بين الأهل والأقارب.

وعن الصيام في ماليزيا وكيف يمضي الوقت أوضح أنه عادة يقضي أغلب الأوقات مع زملاء الدراسة والبحوث والمشاريع الدراسية وذلك في فترة النهار حتى يمضي الوقت بشكل أسرع حتى موعد الفطور. وقبيل موعد الفطور يستغل الوقت في قرآة القران الكريم وتحضير الفطور مع الزملاء في السكن.

وابتدر عبدالله القاسمي الحديث بقوله: "تتداخل مع شهر رمضان ذكريات زمن جميل، ومعها يتضاعف الإحساس بالحنين والشوق إلى الأسرة ومحيطها الدافئ، إنّه واقع لا يغادر حال المغتربين أبداً، خاصة الشباب المقيمين في الدولة بعيداً عن أسرهم، ممن اعتادوا ممارسة طقوس وعادات جميلة تربوا عليها، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتجليات وروحانيات الشهر الفضيل.
وأضاف أن المغتربين عامة ممن يعيشون خارج أسوار الوطن، تعتصر قلوبهم ذكريات مع الأهل حول مائدة الإفطار، ويشتد بهم الشوق لدرجة أن رمضان يتحول في بعض الأحيان إلى إحساس بالوجع، كذلك يحاول المغتربون أن يحافظوا على عاداتهم وحتى أطباقهم التي تعودوا عليها في بلادهم، والقيام بكل الشعائر الدينية من صلاة تراويح وقراءة قرآن وتعبد، وبعضهم يحاول التغلب على الإحساس بالغربة في شهر رمضان، من خلال خلق جو رمضاني شبيه بذلك الذي اعتاده منذ زمن. فضلاً عن إحياء الشهر الكريم بالعبادة والتواجد في حلقات الدروس الدينية.

وتابع أن البعض يرى أنّ أكثر ما يؤلم في رمضان أن يكون الشخص وحيداً على مائدة الإفطار، أو أن يتناول وجبة الإفطار في أحد المطاعم، وهو يفكر في الأهل، وفي تفاصيل الماضي، وبرغم تواجد بعض الأصدقاء وخروجهم معاً إلا أنّ رمضان يعني تجمع الأهل والالتقاء على مائدة واحدة وهوأحاسيس يصعب تعويضه
واوضح ان شهر الخير والبركة يكون صعباً على المغترب، ولا يخفف وطأة الشعور بالألم والحنين، سوى التقرب إلى الله تعالى بالعبادة والصلاة، فترتاح النفس وتطمئن في أيام مباركة.

ومن جانبه قال محمد بن علي الحبسي إنّ شهر رمضان له طابع خاص يختلف عن باقي الشهور لما فيه من روحانيّات مقدّسة وهو ما يترتب عليه وجود طقوس وعادات وتقاليد خاصة به فمن المؤكد أنّ هذه الطقوس تختلف من مكان لآخر. وأضاف قضاء شهر رمضان خارج سلطنة عمان يختلف كثيرًا عن قضائه في السلطنة فعلى سبيل المثال في خارج السلطنة تجد أنّ الجالية العمانية تجتمع في رمضان على الإفطار أو السحور حيث يشتمل هذا التجمّع على كثير من الأطياف مثل العائلات والمبتعثين وغيرهم ولا يكون في نطاق الأسرة فقط ولا يوجد فرق جوهري عن الصيام في السلطنة وخارجها وإنما الفروقات البسيطة تكون بسبب اختلاف المحيط والمجتمع المحيط وفي المقابل هناك اختلاف جوهري في العادات والتقاليد على سبيل المثال في عمان جرت العادة عند الغالبية أن يكون التجمع في أيّام إجازة نهاية الأسبوع ويكون محدودًا حيث يشمل العائلة فقط في الغالب أمّا في الخارج فيكون التجمّع بشكل مستمر ولا يحدد بأيام معيّنة وعلى نطاق أوسع ليشمل أفراد آخرين لا ينتمون لأسرة واحد وإنما يجمعهم الاغتراب خارج الوطن.

وأضاف ما أحبه في هذا الشهر الفضيل هو تعاون الناس وتكاتفهم بصورة أكثر من باقي الشهور وأيضا التجمعات العائلية لما لها من دور في لم شمل المجتمع حيث أصبحت الأعمال ومسؤوليات الحياة تقف عائقا لمثل هذه التجمعات ولكن في شهر رمضان يتفرغ الناس أكثر لعائلاتهم ، وان ما أفتقده وأنا خارج الوطن الأجواء الروحانية خلال الشهر الفضيل حيث تجد للصيام أثره في قلوب الناس ولكن في الخارج تغيب مثل هذه القيم بسبب إختلاف الدين .
ويقول خالد بن عبدالله الوردي طالب في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة إنّ المغتربين عامة ممن يعيشون خارج أسوار الوطن، تعتصر قلوبهم ذكريات مع الأهل حول مائدة الإفطار، ويشتد بهم الشوق لدرجة أن رمضان يتحول في بعض الأحيان إلى إحساس بالوجع، نحاول أن نحافظ على عاداتنا وحتى أطباقنا التي أدمناها في بلادنا، والقيام بكل الشعائر الدينية من صلاة تراويح وقراءة قرآن وتعبّد، كما أفعل في بلدي سلطنة عمان مع الأسرة والأقارب والجيران.

وأضاف أنّ صيام شهر رمضان خارج السلطنة، يبدو "صعباً" بعيداً عن أجواء التواصل والأقارب، ما يفتقده المتغرّب عن بلاده في هذا الشهر الكريم هو مجالس الرجال التي كان يتواجد فيها يومياً، فضلاً عن تبادل الأحاديث العامة وتفقد أحوال بعضنا بعضا، ومناقشة قضايا عامة تهم الجميع، فتلك الذكريات الجميلة تبقى عالقة في الذهن مهما كان الواقع.
وأيضًا أكثر ما يؤلم في رمضان أن تكون وحيداً على مائدة الإفطار، أو أن تتناول وجبة الإفطار في أحد المطاعم، تفكر في الأهل، وفي تفاصيل الماضي وكأنّها فيلم معاد يتكرر بكل تفاصيله إلى أنّه ورغم تواجد بعض الأصدقاء وخروجنا معاً إلا أنّ رمضان يعني تجمع الأهل والالتقاء على مائدة واحدة. هي أحاسيس يصعب تعويضها مع أي كائن كان سوى الأهل.

وتابع يحاول المغترب أن يمارس ذات الطقوس، وأن يعد وجبات شعبية مشهورة في بلده سلطنة عمان كالارز عند العشاء والقهوة العمانية والتمر وغيرها، أو أن يجتمع مع أصدقاء الدراسه في موائد إفطار جماعيّة. وتبقى الذكريات الرمضانيّة مشتتة بين الأهل حيث كانت أطباق الطعام تتوزع بين البيوت ويتبادلها الفقير والغني، وبين سهرات الأقارب والأصدقاء، ورغم صعوبة العيش التي كانت تتسم بها الحياة حينها، إلا أنّها كانت الأجمل، فالعفوية والحب والراحة النفسيّة هي السمات التي تغلف الحياة قديماً، والغربة يتعاظم في شهر عرف عنه أنّه شهر المودة والمغفرة والألفة والتراحم بين الجميع.

وزاد ما يفتقده المغترب خارج السلطنة في شهر رمضان التجمع العائلي والوضع يزداد صعوبة مع شهر رمضان، إذ يجد نفسه وحيداً في السكن الجامعي، ورغم وجود الأصدقاء، إلا أن ذلك لا يغني عن لحظة يكون فيها إلى جوار والدته وأشقائه الصغار والكبار. شهر الخير والبركة يكون صعباً على المغترب، ولا يخفف وطأة الشعور بالألم والحنين، سوى التقرب إلى الله تعالى بالعبادة والصلاة، فترتاح النفس وتطمئن في أيام مباركة.

أما مريم راشد الشبلي -طالبة مبتعثة بأمريكا- فقالت إنّ الصيام في السلطنة يختلف تماماً عن خارجها باعتبار أنّه في عمان للعبادة المضاعفة والتنافس على مضاعفة الأجر، أمّا خارج السلطنة فغالباً ما يلتزم الإنسان بأمور الدراسة، ويصبح الروتين مرتبطا بساعات الدوام الدراسي لأخذ قسط من الراحة ثمّ تخصيص وقت للعبادة وبعدها إنهاء الواجبات يبدأ التحضير للإفطار يعقبه تخصيص وقت للدراسة ثم العبادة والنوم.

وأشارت إلى أنّ الفرق بين الصيام بسلطنة عمان وأمريكا يكمن في أنّ ساعات الدوام بأمريكا طويلة وذلك بسبب طول النهار كما أنّ معظم هذه الساعات يكون الشخص في الدوام كما يكون الفرق يكون في العبادة.

وذهب هيثم بن سليمان بن محمد البوسعيدي -طالب مبتعث باليابان- إلى أنّ طقوس الشهر الفضيل في اليابان تختلف عن المتعارف عليها في عمان. وأنّ رمضان في هذا العام بالنسبة لي مختلف باعتبار أنّها السنة الأخيرة من الدراسة في تخصص هندسة الكيمياء التطبيقية حيث أجد نفسي في غالب الوقت مشغولاً بما تقتضيه ظروف الدراسة التي انتهي منها بشكل متوسطٍ في الخامسة مساءً من كل يوم. أجد بعدهاً متسعًا من الوقت لإعداد وجبة الفطور. وعن الفرق بين رمضان في عمان واليابان قال إنّه رغم طول اليوم نسبياً في اليابان إلا أنّه أكثر أريحيّة من ناحية الجو اللطيف في أغلب الأيام. ولكن من ناحية أخرى يفتقد الإنسان تلك الروحانيات الجميلة التي تنشر الجمال في ليالي عُمان بمعاني الشهر الفضيل التي يحملها في كلِ عامٍ يأتي فيه.
وتابع أنه وبرغم إختلاف التقاليد الشاسع بين السلطنة واليابان دينياً وثقافياً وابتعادهم عن الحياة الدينية في مقابل حياة العمل إلا أنّهم يتميّزون باحترامٍ كبير للطرف الآخر. وشخصياً أرى هذا الاحترام جلياً في إلمامهم ولو بفكرةٍ بسيطة عن ماهية الشهر الفضييل قبل البدء في سرد تفاصيله لهم.
وزاد أنّ أكثر ما يعجبه في رمضان قال التجمّعات الرمضانيّة الليلية بين الأهل في وجبة الإفطار وبين الأصحاب في ممارسة الرياضة بعد صلاة التراويح.
واجتماع أبناء الحي الواحد في الصلاة والعبادة وقراءة القرآن في المسجد مع بعضهم البعض كجانب من أسمى جوانب الوحدة وفي الجانب الآخر الجمّعات العائليّة الجميلة على وجبة الإفطار والتي تتخللها تلك الأحاديث بكل مشاعر الحب والمودة بين العائلة بكل أفرادها.
وختم حديثه نفتقد لأشياء عديدة في شهر رمضان وفي المناسبات الدينية والوطنية الأخرى ولكن يبقى الصبر والأمل هو التحدي بالنسبة لنا في سبيل رفع اسم الوطن عالياً في أقاصي أطراف العالم والعودة مستقبلاً والسعي لخدمة والوطن والمساهمة في نهضته التي أسسها ورسم لها طريقها مولانا والدنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-.

تعليق عبر الفيس بوك