تيمورة بنت حمد الكلبانية *
بتمعن أحوال المسلمين في شهر رمضان المبارك نجدهم أشبه بعدائين بماراثون للركض، الأسرع فيهم هو من ينال جائزة السباق. وتمام سباق الشهر الفضيل تمام الصيام. بهذا التشبيه نتلمس ما مدى صحة أن الأسرع عدوا هو الفائز في رمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 36] ولا خلاف في ماهية هذا التنافس فهم يتنافسون في الخير لأجل الفوز بالجنة تلك الجائزة الثمينة الغالية. إلا أنّ هؤلاء المتنافسين متباينون بالطبع لاختلاف أحوالهم؛ فبعضهم بل أكثرهم -إلا من رحم الله- يبدأون الركض والعدو بسرعة ملحوظة في بداية السباق لا يلبثون إلا قليلاً من الأيام في العبادة، حتى تجدهم يلهثون في منتصف الشهر الفضيل وقد تثاقلت أرجلهم عن صلاة التراويح وقيام الليل وصلاة الفجر في جماعة وغيرها من القربات، فيؤثرون التكاسل والتهاون والصلاة في منازلهم فاقدين لذاك النشاط وتلك العزيمة في بداية رمضان، فينسحبون من السباق دون تمامه أو ربما يتمونه ولكن بشق الأنفس وهم متكئون على عصا ملل وضجر متمتمين بصوت خافت من التعب: متى ينتهي؟!.
ولمثل هذا الحال يتكرر المشهد نفسه كل عام؛ ترى أفواجًا من المصلين يتسابقون على أبواب المساجد وأماكن الوضوء، وما أن ينتصف الشهر ليبدأ الموج في الانحسار شيئاً فشيئًا، ليبقى الثلة والقلة القليلة ممن استطاعوا أن يصمدوا في هذا السباق الممتد لثلاثين يومًا. والفائزون في هذا الشهر الفضيل هم من بدأوا شيئاً فشيئاً في العبادة حتى يستطيعوا التحكم بأنفسهم والمحافظة على نشاطها حتى نهاية الشهر وما بعده. وما يؤكد ذلك كما يقول العلماء أن الإنسان إذا واظب على فعل شيء معين لمدة واحد وعشرين يومًا أصبح ذلك الأمر عادة مستمرة له؛ لذا حتى نجد تغيرا إيجابيا مستمرا في رمضان وما بعده من قابل الأيام، علينا أن نهذب النفس بالمصابرة والصبر على العبادة وغيرها من العادات الحسنة والاستمرار عليها في رمضان مواظبة مستمرة حتى تغدوا هذه عادة حسنة تعتادها النفس. لنصل إلى خط النهاية ونقطع تمام الشهرالفضيل بعزيمة ونشاط يكسبنا أجر العبادة وننال حظاً من بركة العشر الأواخر منه. رزقنا الله وإياكم صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا ويختم لنا فيه بالعفو والغفران.
*مرشدة دينية - إدارة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة الظاهرة