عبدالله الحجي
هادمُ اللذات قد يحول بين المرء وبين تحقيق آماله، ويقف سدا صامدا دون نيل مراده، فلا يغتر عاقل بطول اﻷمل، فكم مؤمل عيش في هذه الفانية سنين طويلة، كان يبني آماله، مخططا ومفكرا، معملا عقله، وباذلا جهده، ومستفرغا وسعه من أجل آماله وأمنياته، إلا أن الأجل وافاه قبل بلوغ الأمل، وما كان بناؤه إلا قلعة شامخة من الرمال، ما إن عصفت بها عاصفة الفناء إلا واستحالتها إلى كومة من الرمال.
فلا يزال الإنسان في دنياه مؤملا طول البقاء، إلا أن الأعمار بيد الله تعالى، فهو يصرفها حيث يشاء، ويكتب فناءها على من يشاء، "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" (الرعد: 38)، فإذا الموت يقطع حبال آماله، وينقض غزل أمنياته، فكم ضجيع لحده، وقريب رمسه قد بنى لنفسه الآمال الطوال العراض، وكل يوم يسعى من أجل تحقيها، وما درى هذا العبد المحكوم عليه بمصيبة الموت متى يحين أجله؛ ولذا فارق الدنيا، وخلَّف وراءه أنقاضا متاوية من الآمال، لم يسعفه القدر تحقيقها، ولم يمهله هادم اللذات إنجازها: "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ" (سبأ: 54).
فالبدار البدار لتحقيق الطموح والآمال، والجد الجد في الأعمال، فالموت لا يستأذن أحدا، ولا يخير عبدا، قد يفتك بالمرء وهو في خضم تحقيق آماله، وبناء طموحاته، فيترك الدنيا بما فيها من آمال يرتجيها، وطموحات يبتغي لو أمهله القدر حتى يرى لذيذ ثمارها، ويلعق طيب شهدها، وليسرع إلى فعل الخيرات، ولا يُساوم الشيطان في عمل خيِّر، وإنما يتوكل على المولى ويُقْدِم.
((نـؤملُ آمـالاً ونـرجو نـتـاجَها...
وعـلَّ الـردى مما نـرجـيِّه أقـربُ
ونبني القصورَ المشمخراتِ فيالهوا...
وفـي علمِـنا أنـا نمــوتُ وتخربُ)).