أهالي الخابورة يشتاقون لصوت المدفع و"المسحر".. والتلفزيون والتسوق يقضيان على متعة الأيام الرمضانية

السعيدي: فرق شاسع بين حياة الناس في رمضان قديما وحديثا

الشماخي: التلفزيون والإنترنت والمجمعات التجارية.. ثلاثية إهدار الوقت في رمضان

القطيطي: دعوة للحد من تبذير الأطعمة وتنفيذ الأهداف الرمضانية في الحياة

السعيدي: سهر الشباب في الملاعب والمجمعات التجارية.. سلبيات ينبغي اختفاؤها خلال رمضان

الخوالدي: اندثار العديد من التقاليد الرمضانية الجميلة

الحوسني: رمضان يحمل خصوصية مختلفة عن بقية أيام السنة

الرؤية - خالد الخوالدي

عبَّر أهالي ولاية الخابورة عن اشتياقهم لسماع صوت المدفع والمسحر الذي كان يجوب الحارات داعياً الناس إلى الاستيقاظ وتناول السحور وصلاة الفجر، مشيرين إلى أنّ التلفزيون وما يبثه من قدر هائل من البرامج والمسلسلات بجانب شهوة التسوق، يقضيان على متعة الأيام الرمضانية التي ينبغي أن تخصص للعبادة والذكر وقراءة القرآن.

وقال سالم بن لافي السعيدي إنّ هناك فرقا شاسعا بين حياة الناس في شهر رمضان هذه الأيام وبين الأعوام الماضية، مشيرًا إلى أنه في الماضي لم يكن شهر رمضان يثقل كاهل الناس من ناحية المصروفات المادية ووفرة المعيشة، باستثناء أمور بسيطة لا تذكر، وكان الناس في الماضي يهتمون بالتركيز على العبادات والذكر، والقيام بواجبات الصيام في نهار رمضان.

وأضاف أنّه بعد صلاة العشاء والتراويح يتجمع الجيران بين البيوت ويقضون وقتاً لطيفاً لفترة ليست بالطويلة، يتبادلون فيها حكايات الماضي التي عاشوها سواء في رمضان أو الأيام الأخرى. وأوضح أنّ رمضان الآن شهد تغيرًا في أحوال النّاس، سواء في المدن أو البادية أو الحضر، فالكل تغيرت عاداته وتقاليده، وبات مهتماً بشراء أكبر قدر من مستلزمات الأكل والشرب، ليملأ معدته بما لا تحتمل، وعلى الرغم من ذلك ونمو هذه الرغبة في تناول الأكل والشرب، فإنّ معظم هؤلاء يلقون بأكثر من نصف الأطعمة خلال رمضان في سلة القمامة، ويتكرر المشهد طوال أيام الشهر الفضيل، بدون وعي أو إدراك أو تفكير في حرمة تبذير النعم. وانتقد السعيدي غياب التواصل الاجتماعي بين الجيران، كما كان العهد في الماضي، حتى إنّ زيارة الأقارب وصلة الأرحام باتت منعدمة بشكل كبير، فضلاً عن ضعف وتراجع أداء العبادات في الشهر المبارك، على الرغم من أنّه لا يزال البعض يجتهد، لكن الكثير يقضي نهاره وليله في غير العبادة.

انشغال مجتمعي

وقال أحمد بن سالم الشماخي إنّ من المفترض أن يقضي الناس ليالي رمضان في الذكر والدعاء وتلاوة القرآن حتى وقت السحور، ومن ثم يتناولون وجبة السحور ثم يؤدون صلاة الفجر، وكان ذلك يحدث في الماضي، لكن في الوقت الحالي اختلف الحال ولم يعد الأمر كما في السابق، وأصبح معظم المجتمع منشغل بالتلفزيون والإنترنت والعمل، ما أدى إلى تراجع زيارة الأهل والأصحاب، حتى إن كبار السن أصبحوا في فراغ وبات الملل يتملكهم، وغالباً يجلسون أمام شاشة التلفزيون، فيما يهتم الشباب أكثر باللعب أو الخروج إلى الأسواق والتجمعات الشبابية.

وتابع الشماخي أن من أهم العادات التي تميز أهالي الخابورة ولا تزال قائمة بشكل جيد، التمسك بزيارة اﻷهل والتواصل معهم والأخذ بيد الفقير ومساعدته قدر المستطاع، مشيرًا إلى أنّ هناك جمعيات أهلية تساعد المحتاج وتشد من أزره، كما أنّه من اللافت للانتباه انتشار الخيام الرمضانية المخصصة للإفطار (موائد إفطار صائم)؛ حيث تمتد على طول الشارع العام، ويقف لها السائل والمسافر والغريب والمقيم، وهي تستقبلهم وكأنها بيت للجميع، يفطرون ويتحدثون ويتعارفون على بعضهم البعض، ومن ثم يؤدون صلاة المغرب.

وذكر الشماخي أنّ هناك عادات وظواهر دخيلة على مجتمعاتنا؛ ومنها التجمعات الشبابية والسهر لفترات متأخرة من الليل في الشوارع والطرقات، مشيرًا إلى أنّ فئات أخرى تقضي ليلها في الملاعب أو في جلسات شبابية أو على الإنترنت وبرامج التواصل، وينسون فضل شهر رمضان. وقال إنّ دقائق رمضان ينبغي قضاؤها في العبادة والذكر، معرباً عن أمله في أن يعود رمضان كما كان في السابق، وأن تتهيأ الأجواء للذكر والعبادة فقط.

ومضى الشماخي موضحاً الفرق بين حياة النّاس في الماضي والحاضر، وقال إنّ المجتمع في الماضي كان يرضى بالقليل والفطور الزهيد، مع زيادة في العطاء وقيام الليل والصلوات، ولم يكن يشغهلم التلفزيون أو الإنترنت ولا ملاعب كرة القدم، أو غيرها، وكانوا يتداولون شؤون حياتهم وبيتهم وعائلتهم ليس لهم في يومهم فراغ أو ملل، وكانوا يفطرون في المساجد ويتدارسون القرآن ويتسابقون فيمن يختم المصحف مرتين في الشهر، لكن الآن أصبحت المتغيرات كثيرة، فأصبح الملل والفراغ كبير لمن لا يستغله، فعلى سبيل المثال كان التسوق في الماضي وقت الصباح فقط، ولم تكن هناك مجمعات تجارية كبيرة ولا أجهزة متطورة، وكان المواطن يعتمد على محلات البقالة الصغيرة، لكن الآن بات التسوق يمتد لساعات متأخرة من الليل.

برامج ثقافية

فيما قال سعيد بن خلفان القطيطي إنّ أهالي ولاية الخابورة لا يتميزون بدرجة كبيرة عن غيرهم في ولايات السلطنة، خلال شهر رمضان المبارك؛ حيث إن التداخل كبير بين الولايات مثل البرامج الثقافية بشكل عام وبرامج المساجد والبرامج الرياضية، وهي كلها أمور مشتركة بين الولايات. وأضاف أنّه في الوقت الحالي يجد الشباب متسعاً أكبر للممارسة الرياضة مع انتشار الملاعب في كل مكان وبأسعار مناسبة للشباب، لكنه قال إنّ المجتمع لا يزال يفتقر إلى مزيد من الأعمال الخيرية والتطوعية، رغم أنّها موجود في كل قرية، إلا أنّه يأمل المزيد.

وتابع القطيطي إنّه يقضي شهر رمضان في أنشطة مختلفة، إذ يبدأ بالإفطار في المسجد ثم يعود للمنزل لمشاركة الأهل في الإفطار، مع مشاهدة برامج تلفزيونية، ومن بعدها يتأهب لصلاة العشاء والتراويح، ومن ثمّ يعود إلى البيت مرة أخرى لتناول وجبة العشاء أو يقوم بزيارة سريعة إلى الأرحام. وأوضح أنّه يفضل النوم مبكرًا قدر الإمكان، والاستعداد للسحور وصلاة الفجر، والتي ربما يمارس بعدها بعض الأنشطة الرياضية.

وحثَّ القطيطي الشباب على التقليل من السهر واستغلال رمضان لما فيه الخير، كما دعا الأسر إلى الحد من الإسراف في الأطعمة والشراب، مبدياً دهشته من الازدحام الشديد في الأسواق مع بداية ونهاية شهر رمضان. وأوضح القطيطيي أن ما كان يميز رمضان في الماضي هو البساطة والقلوب الصافية، وكذلك الفرحة العارمة برؤية الهلال في وأول وآخر الشهر.

الاجتماعات الأسرية

وقال أحمد بن عامر السعيدي إنّ رمضان هو شهر الخير وشهر التسامح، وعند استقباله يتأهب المؤمن للتمتع بنعم هذا الشهر، فقد كان الناس في الماضي ينتظرون كل عام هذا الشهر سنوياً باعتباره مناسبة وفرحة عظيمة للجميع، لكن هذا لم يعد قائمًا في وقتنا هذا. وأضاف السعيدي أن هذا الشهر يتميز عن غيره من شهور العام بالطقوس الدينية والاجتماعية؛ إذ يمثل الشهر فرصة للمسلم لمراجعة نفسه من حيث واجباته مع الله وذاته والآخرين. وأوضح السعيدي أنّه ينظم كل سنة برنامجا خاصا لهذا الشهر الفضيل؛ حيث يشارك آخرين في تنظيم المسابقات الدينية التي تهدف إلى المحافظة على كتاب الله تعالى من خلال حفظه وتدبر معانيه، مشيرًا إلى أنّه من واجب كل فرد أن يساهم في نقل ما تعلمه من خلال المشاركة في تنمية المجتمع ولا يكتفي بالتعلم لنفسه فقط، موضحًا أنه ينبغي على كل شخص أن يكون متفاعلا مع المجتمع، فإنّ انتشار الثقافة بجميع أنواعها ينعكس عليه وعلى أبنائه فيظهر المجتمع مثقفًا ومتقدمًا. وتابع أن من فضائل هذا الشهر الفضيل تقوية الروابط الأسرية؛ حيث اعتادت الأسر على تبادل الزيارات، ولا يزال كثيرون يحافظون على الاجتماع الأسري بعد صلاة التراويح، وهي من أجمل اللحظات، التي نتمنى أن تستمر حتى بعد رمضان؛ حيث إنّ مشاغل الدنيا دائماً ما تحيل بيننا وبين التواصل الأسري، فضلاً عن الانقطاع عن الجيران والأصدقاء.

وأضاف السعيدي أن هناك ظواهر أخرى تظهر في هذا الشهر الفضيل نتمنى أن تتلاشى ومنها الإسراف الزائد في موائد الطعام وكذلك السهر في الملاعب والملاهي أو السهر أمام شاشات التلفاز حتى الفجر ثم النوم طول النهار. وقال إن رمضان شهر عبادة وطاعة وتأمل، فإذا لم نستثمره في أمور ديننا وما يفيدنا فمتى يمكن أن نكون مع ديننا، داعيا كل فرد أن يوازن بين أعماله وعلاقته بربه، في مقابل الأعمال الدنيوية، ولا يعني ذلك التخلي عن ممارسة الرياضة، بل أن تكون في حدود المعقول وبشكل مفيد للجسم، وألا يكون جل الوقت للرياضة.

ظاهرة قديمة

وقال فيصل بن سعيد بن فاضل الخوالدي إنّ قضاء ليالي رمضان تختلف في الريف عن المدن، إذ إن أهل الريف يغلب عليهم الجو الأسري بين بعضهم البعض، على خلاف أهل المدن الذين يقضون أغلب ليالي رمضان مع بعضهم البعض، ولا يفوتون ليلة من لياليه دون أن يتجمعوا ويتناولوا القهوة ويتبادلوا الأحاديث، وقد لا تختلف ولاية الخابورة عن باقي ولايات السلطنة من حيث العادات والتقاليد، إلا أنه رغم التمدن لا زال أهلها محافظين على عاداتهم وتقاليدهم الرمضانية.

وأضاف الخوالدي أنّ من العادات والظواهر الحميدة تبادل أطباق الطعام قبل الإفطار بين الأهل والجيران، وهي ظاهرة جميلة تبرز الترابط المجتمعي، وهناك عادة تعودناها في ليلة منتصف رمضان وهي ليلة "القرنقشوة"؛ حيث يتجمع الأطفال في هذه الليلة، يجوبون أزقة الحارة يرددون أهازيج جميلة ويزورون البيوت؛ حيث يجدون ما لذ وطاب من الحلويات والمكسرات تمّ إعدادها لهم. غير أنّه أوضح أنّ هذه العادة بدأت في الاختفاء ببعض المناطق، بينما لاقت تطورا في مناطق أخرى. وتابع أن هناك ظاهرة قديمة اختفت أيضاً كانت موجودة في الزمان الماضي وهي ظاهرة "المسحر"، والمسحر كان يجوب أزقة الحارات قبل الفجر وهو يردد عبارات يوقظ بها الناس للسحور مثلها مثل عادة إطلاق المدفع حين دخول وقت الإفطار، كما يحكي كبار السن وقد يكون اختفاء هذه الظواهر والعادات ناتج عن التطور والتحضر الذي نعاصره في الوقت الراهن؛ حيث لا يخلو جيب أحدنا من هاتف نقال فيها من المواقيت والمنبهات والبرامج ما يغنيك عن المدفع والمسحر طوال شهر الصيام. وتابع أن التلفاز وما يبثه من مسلسلات وبرامج، ألهى المجتمع عن التجمعات الأسرية بين الأهل والأقارب والجيران على حد سواء؛ حيث أصبح البعض يفضل الجلوس أمام شاشات التلفاز بدلا من التجمع أو ربما أصبح تجمع بعض الأسر يكون على مشاهدة البرامج والمسلسلات في التلفاز والبعض لا تجمعه مجموعة إلا في مجموعات الواتساب.

ومضى الخوالدي قائلاً إنّه على الرغم من كل هذه الظواهر والعادات، إلا أن هناك ظاهرة موجودة لابد من تلاشيها واجتثاثها من الأنفس قبل كل شيء، وهي ظاهرة التبذير في شهر رمضان فهذه الظاهرة السيئة حذر منها الإسلام في قوله تعالى "ولا تبذر تبذيرا"؛ حيث نهى عزّ وجلّ عن الإسراف في الإنفاق بل على المسلم أن يكون وسطا في إنفاقه كما في قوله تعالى "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا".

خصوصية مختلفة

وقال حسن بن علي بن سالم الحوسني إن ليالي وأيام شهر رمضان المباركة تحمل خصوصية مختلفة عن باقي أيام السنة، وقد استطاع المجتمع العماني أن يحترف نمطا حياتيا فريدا من ناحية التأقلم مع أيام وليالي الشهر الكريم، وبالتالي يكون في شوق ولهفة لمراسم شهر رمضان، مشيراً إلى أنّ العادات والممارسات الرمضانية في ولاية الخابورة لا تختلف كثيرًا عن باقي ولايات السلطنة، فهو شهر تكثر فيه الزيارات واللقاءات والتجمعات الأسرية والسعي لفعل الخير، وإعانة المحتاج، وهذا الأمر يتجلى في كثرة المتطوعين والجمعيات الخيرية في الولاية. ويرى الحوسني أن اتباع النمط الحياتي الصحيح هو السائد لدى السواد الأعظم من أبناء المجتمع سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور، وهذا الأمر يترك ارتياحا نفسيا في الوقاية من العادات والسلوكيات الدخيلة وغير المألوفة على المجتمع.

وأوضح أنّه إذا كان هناك فرق بين حياة الناس في رمضان بالماضي وحياتهم حاليًا، فإنّه يتمثل من ناحية الإمكانية، ففي الماضي كانت الحياة شاقة من كافة النواحي والإنسان العماني تكيف معها في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه، واليوم ولله الحمد استطاع الإنسان العماني أن يستفيد من الظروف المتيسرة في تحسين حياته.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة