بين نيمار و"شجع فريقك"

أحمد السلماني

النجم نيمار.. أحد أبرز نجوم كرة القدم العالمية في وقتنا المعاصر وهو أحد منتجات البرازيل عالية الجودة، في زمن عجزت فيه النساء البرازيليات عن أن يلدن نجومًا خالدين كالملك بيليه وسقراط وزيكو وريفالدو والظاهرة رونالدو...وكثيرين، إبان حقبة "سحرة العالم"؛ حيث تعيش الكرة البرازيلية أسوأ مراحل تاريخها الكروي بعد التراجع المريع لها، والذي أعزوه -شخصيًّا- إلى تخليها عن هويتها الفنية الجميلة وانتهاجها أسلوبًا مغايرًا يعتمد التكتيك والانضباط في لعب المباريات لتحقيق النتائج بعد أن رحل جيل سقراطيس دون ألقاب، رغم أنه أجمل وأروع منتخب أنتجته البرازيل؛ فخرج من يُنادي بالألقاب على حساب الفن الكروي؛ فغابت المتعة وهم معذورون في ذلك على كل حال.

ونجح البرازيليون إلى حدٍّ ما في تحقيق ألقاب عالمية وقارية، ولكن بوجود لاعبين مُؤثرين يحتفظون بشيء من ثقافة كرة البرازيل الجميلة؛ ليرحل هؤلاء وترحل معهم الأناقة والفن الكروي الجميل، واحتاج السحرة إلى سنوات ليخرجوا بالترياق المضاد للبرغوث الأرجنتيني ميسي؛ لضمان اتزان المعادلة؛ فخرج السلاح الهجومي الفتاك نيمار.

وبالفعل؛ شَغَل هذا النجم عالم الكرة، وحفظ شيء من كرامة سحرة العالم، ولو قدِّر لهذا النجم مواصلة مشوار مباريات كأس العالم التي نظمتها بلاده لما خرجت البرازيل بنتيجة مُذلة أمام المكائن الألمانية وبسباعية تاريخية، إلا أنَّ هذا اللاعب لعب دورا مؤثرا ومباشرا في أن يُحرز ناديه برشلونه الإسباني ثلاثية إسبانيا (الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا).

وها هو المشهد يتكرَّر، ولكن بسيناريو جديد.. نيمار خارج حسابات كوبا أمريكا هذه الأيام بتشيلي بعد قرار إبعاده 4 مباريات؛ أي أنَّه وحتى ولو صعدت البرازيل للأدوار النهائية، فإنَّ نيمار خارج قائمة وحسابات المدرب البرازيلي دونجا، بعد أن تسبَّب اللاعب في اشتباك لاعبي الفريقين في مباراة حساسة وتمثل لكولومبيا -الطرف الآخر- من الأهمية بأنْ لعبت بمبدأ "أكون أو لا أكون"؛ ففازت وانتهى اللقاء بفوز كولومبي أغضب اللاعب وأخرجه عن طوره وهدوئه المعتاد ليسدد كرة قوية في جسم اللاعب الكولومبي، وسط ذهول الجميع ليدخل الجميع في اشتباك.

... إنَّ هذا المشهد ليس جديدا، ولكن أن يصدر عن لاعب بقيمة ووزن نيمار، فلا بد من البحث والتحري عن الدوافع وراء هذه الحركة؛ فاللاعب -ومن تابع المباراة يُدرك أنه- لم يتمكَّن من تقديم شيء لفريقه، والحلول كانت شبه معدومة لديه، بعد أن أدرك الأرجنتيني بيكرمان مدرب كولومبيا أن مفتاح الفوز والخسارة لدى البرازيل يكمُن في الجسم الضئيل لنيمار؛ فبنى خطته على تقييد وشل حركة اللاعب، ونجح في ذلك؛ فصار نيمار خارج نطاق الخدمة، وقبل ذلك كله فإنَّ السبب الرئيسي وراء ظهور اللاعب بهذا المستوى، وما نتج عنه من ردة فعل غير محسوبة بعد نهاية المباراة تؤكد -بما لا يدع مجالا للشك- أنَّ الإرهاقَ قد بلغ من اللاعب مبلغه بعد موسم طويل وشاق ومرهق بدأ بكأس العالم ومشاركة البرازيل، ومنذ الليجا والكأس الإسبانية، وتوِّج ذلك مع بقية زملائه وميسي تحديدا بلقب دوري الأبطال ولم يمضِ على ذلك 15 يوما حتى باشر وزملاؤه الإعداد لكوبا أمريكا مع عدم إغفال أنَّ اللاعب يعيش حالة نفسية سيئة بعد رحيل مكتشفه وموجه بوصلة اللاعب "زيتو" قبل أقل من أسبوع تقريبا عن عالمنا.

إذا؛ فلنسلم يقينا بأن العامل البدني له دور في مدى قدرة اللاعب أو الفريق في تقديم عروض جيدة من عدمها؛ وبالتالي فإنَّ راحة اللاعب -وبعد نهاية الموسم- أمر ضروري وحتمي لإراحته بدنيًّا ونفسيًّا من ضغط المباريات ونيمار...وغيره كثيرون هم أمثلة حية لذلك.

والمؤسف له ما تشهده ملاعبنا هذه الأيام من حراك لمباريات "شجع فريقك" في مختلف ربوع السلطنة، وأنا لا أعترض على البطولة التي ترعاها وبشكل مباشر وزارة الشؤون الرياضية، بعد أن آمنت الأخيرة بالدور الكبير الذي تلعبه الفرق الأهلية والشريحة الرياضية الكبيرة من الشباب التي تنتمي إليها؛ وبالتالي شغل وقت فراغهم بما يفيد، ولكن ما أدهشني هو السباق المحموم بين هذه الفرق للاستفادة من خدمات لاعبي الأندية وبعض من لاعبي المنتخب المعتزلين، وقد يكون حتى من لاعبي المنتخب الحالي من يلعب لأي من الفرق الأهلية في هذه البطولة مما يعرِّض هؤلاء اللاعبين للإرهاق البدني والإصابة؛ وبالتالي قد تفتقدهم أنديتهم أو حتى المنتخبات في الموسم المقبل الذي من المقرَّر له أن ينطلق في أغسطس المقبل.

... هناك أسماء رنَّانة في دوري المحترفين تلعب اليوم ببطولة "شجع فريقك"، وهي مُطالبة بالعودة مجددا للانتظام في استعدادات الأندية لموسم الدوري في يوليو المقبل، أو حتى قبل ذلك؛ فبالله عليكم أي قدرة بدنية هذه التي ستحتمل كل ذلك.

لذا؛ صار من الأهمية بمكان تقنين مسألة انضمام هؤلاء اللاعبين المقيدين أصلا في كشوفات الأندية ومرتبطين بعقود معها، كما أنَّ هناك نقطة في غاية الأهمية وهي: "لِمَ لا يُترك المجال والفرصة لمواهب أخرى لكي تبُرز من خلال بطولة "شجع فريقك" في كل من كرة القدم والكرة الطائرة، وهو واحد من أهم الأهداف التي قامت عليها فكرة "شجع فريقك"؛ وبالتالي تستفيد الأندية وحتى المنتخبات من خدمات هؤلاء اللاعبين الجدد ليكونوا قيمة مضافة أخرى، ويضخون دماء جديدة بدلًا من أن تعطى الفرصة فقط للاعبين دون سواهم قد تصل بهم الحال إلى المعاناة من الأرهاق البدني؟!

وخلاصة الموضوع أنَّ بطولة "شجع فريقك" بحاجة لضوابط جديدة تساهم في حماية منتخباتنا والأندية واللاعبين، وتمنح الفرصة للمواهب الجديدة وهي رسالة يعيها بلا شك المسؤولين وأصحاب القرار بوزارة الشؤون الرياضية والأندية؛ "فالنية سليمة، ولكن الأمر يحتاج إلى مراجعة" فهل إلى ذلك من سبيل؟ 

تعليق عبر الفيس بوك