قضية البشير في جوهانسبرج..معركة سياسية بقفازات قانونية!

 

الرُّؤية - خاص

ساعات من القلق والترقب عاشتها العاصمة السودانية الخرطوم وهو تتابع نبأ القرار الصادر عن إحدى محاكم جنوب إفريقيا بمنع الرئيس عُمر البشير من مغادرة البلاد مؤقتاً، على إثر طلب المحكمة الجنائية الدولية من سلطات جنوب إفريقيا توقيفه أثناء مشاركته في قمة الاتحاد الإفريقي، قبل أن تعلن الخرطوم رسميًّا مغادرة البشير للأراضي الجنوب إفريقية ووصوله السودان عصر أمس.

القلق لم يكن مُلازما للخرطوم وحدها، بل امتد للأوساط العربية كافة؛ سيما بعد أن بات اسم الرئيس السوداني متلازما مع المحكمة الجنائية الدولية؛ فمع كل قمة أو لقاء خارج السودان، تبرُز التساؤلات حول تصديق الدولة المضيفة لبروتكول روما واعتقال البشير؛ الأمر الذي يفتح الباب للبحث في المحكمة الجنائية الدولية نفسها، وملف العدالة الدولية، والذي يتهمه كثيرون بأنه بات مثقلا بتشوهات الكيل بمكيالين، والتركيز على شخصيات اتفقت القوى الفاعلة للضغط عليها لأسباب تتعدى القانون وتدخل في صلب لعبة السياسة والابتزاز الدولي.

هذا.. ويرى مراقبون أن تجديد المساعي لاعتقال البشير أمرٌ مرتبط بتنازلات أخرى تريدها القوى الكبرى من السودان، كما كانت الحال عندما أقيمت الدعوى ضد البشير أمام الجنائية الدولية بطلب من مجلس الأمن فى العام 2005 بحجة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الصراع فى دارفور؛ مما اضطره لتقديم تنازلات في المحادثات التى أفضت إلى تقسيم السودان إلى شمال وجنوب ومع ذلك صدرت مذكرة القبض عليه عام 2009.

وعودٌ على "قضية البشير في جوهانسبرج"؛ فقد بات من الواضح أنَّ تحريك ملف اعتقاله لمحاكمته كمجرم حرب كما تقول الجنائية الدولية هدفه دفع الرجل للجلوس مع متمردى دارفور وربما كردفان أيضا وتسليمهم جانبا مما تبقى من دولة السودان التى كانت أكبر الدول العربية والإفريقية مساحة قبل ان تتآكل مساحتها بفضل محاصرة رئيسها وتهديده بالاعتقال.

ويذهب البعض إلى وصف هذه المعركة، بالمعركة السياسية التي تدار بقفازات قانونية، إذ تخوض المحكمة الجنائية الدولية سباقا للقبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي تتهمه بارتكاب جرائم عدة.

والبشير "العسكري ذو الخلفيات الإسلامية" -الذي يحكم السودان منذ 25 عاما- يبرز اسمه بين الفينة والأخرى متحديا قرار "الجنائية الدولية"، منذ إصدارها أول مذكرة توقيف بحقه لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور في غرب السودان التي تشهد نزاعا دمويا منذ العام 2003، حيث أصدرت في العام 2010 مذكرة ثالثة بحقه تتهمه فيها بارتكاب ابادة.

ومنذ صدور المذكرتين، حدَّ البشير من رحلاته الى الخارج مفضلا زيادة دول لم توقع على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية. إلا أنه زار 4 دول على الأقل موقِّعة على وثيقة روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية؛ ومن بينها: جمهورية الكونغو الديموقراطية ونيجيريا ومالاوي وجيبوتي. وقبل إعادة انتخابه زار البشير كلًّا من السعودية ومصر غير الموقعتين على ميثاق المحكمة الجنائية. وفي نهاية العام 2014، أدانت المدعية العام في المحكمة الجنائية عدم تعاون الأمم المتحدة، وأعلنت تعليق التحقيقات حول اتهامات ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وانتقدت مجلس الأمن الدولي بسبب عدم اهتمامه بالقضية المرتبطة بنزاع اسفر وفق الامم المتحدة عن مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد مليونين آخرين.

وقدم المدعي العام في 4 مارس 2009 لائحة اتهام ضد البشير واثنين من قياداته يتهمهم فيها بارتكاب عدة جرائم؛ منها؛ جرائم حرب: ومن ذلك اتهامُ الرئيس السوداني بتوجيه تعليمات للجيش للقضاء على جزء من مجموعات قبلية منها "الفور" و"المساليت" و"الزغاوة" بين عام 2003 و2004 وحتى بداية 2005 لأسباب عرقية، فالقبائل الثلاث احتجت على تهميش الإقليم معلنة التمرد على سلطات الخرطوم.

ومن بين التهم: دعاوى بارتكاب جرائم ضد الانسانية، وتندرج في إطارها ممارسةُ التجويع والتخويف والاغتصاب وفق المحكمة الدولية، وكذلك تهم الترحيل القسري والتعذيب،وأضيف للائحة الاتهام لاحقا ارتكاب جرائم إبادة جماعية، إذ أشارت المحكمة إلى أن مشردين من السكان كانوا يموتون في الصحراء من الجوع.

وعلى وقع الأزمة الأخيرة، اهتمَّت الصحف البريطانية الصادرة بأصداء خبر إصدار محكمة في جنوب إفريقيا قرارا بمنع سفر الرئيس السوداني من أراضيها، حتى تنظر طلب باعتقاله وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ فقالت صحيفة "جارديان" في مقالها الافتتاحي لمناقشة أصداء القرار قائلة إن هذه الخطوة المفاجئة لاعتقال الرئيس السوداني في جنوب إفريقيا تمثل اختبارا للمحكمة الجنائية الدولية لا يمكن أن تحتمل خسرانه.

وعلى العكس من ذلك، رأت صحيفة "إندبندنت" في مقالها الافتتاحي أن فرص محاكمة البشير في المحكمة الجنائية الدولية لا تزال بعيدة. وتقول الصحيفة إنَّ نجاحات المحكمة الجنائية الدولية في جلب مجرمي الحروب والإبادة البشرية إلى العدالة كانت قليلة خلال عمرها القصير منذ عام 2002 حتى يومنا هذا.

ويبقى القول بأن الدعم السياسي والشعبي الذي لقيه السودان بعد صدور القرار الأخير بتوقيف البشير، يعني أنَّ العالم الثالث كله يقف مع السودان في رفضه لقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير، صحيح أنَّ سقف المطالب لم يُلبِّ بعد مطلب السودان صراحةً في أن تحل المنظمات العربية الإنسانية محلَّ المنظمات الدولية التي أبعدها السودان، إلا أن طريقة معالجة هذه النقطة أوضحت أن العرب لا ينتقدون موقف السودان، ولا يجارون حمى الهجوم عليه واتجاه مجلس الأمن إلى اعتبار هذا الموقف جريمة حرب.

تعليق عبر الفيس بوك