انتخابات الشورى: القوى المهيمنة

د. سيف بن ناصر المعمري

لم تحظ انتخابات الشورى بنقاش شعبي واسع كما حظيت به في نهاية الأسبوع الماضي حين أعلن عدد من الأعضاء الحاليين مع بعض الشباب الناشطين في الساحة الوطنية نبأ استبعادهم من قائمة المرشحين لانتخابات الدورة الثامنة، وقد يبدو الأمر طبيعيا جدا أن يستبعد من لا تنطبق عليه الشروط التي وضعت للمرشحين في قانون انتخابات الشورى الصادر في عام 2013، إلا أن ما ينبغي أن نركز عليه حقا هو التحديات التي تواجهنا وكيفية تجاوزها خلال المرحلة المقبلة.. وهو ما ذكرته في مقابلة تلفزيونية في أعقاب الجلسة الحوارية لمجلس الشورى في مارس من هذا العام، هذه التحديات لن تكون مرتبطة بالمجلس فقط ولكن بفكرة "إرساء دولة القانون والمؤسسات"، والتي ربما ظن البعض أن مجرد تعديلات في قانون سوف تكون كفيلة بإحراز تقدم كبير في تحقيقها، ولكن السنوات الماضية أثبت أننا لا نزال في مرحلة "اختبار" لتحقيق النوايا الحسنة، وفي مرحلة اختبار "لردات الفعل"، من قبل الأطراف الفاعلة وهي "الحكومة"، و"مجلس الشورى""، و"القوى الاقتصادية"، و"المواطنين"، الذين يضعون ثقتهم في هذه القوى بشرط قدرتها على الدفاع عن حقوقهم، وبالتالي فإن هذه الثقة تظل رهناً بهذا التقدم الذي تحرزه هذه القوى في الحفاظ على رفاهية المواطن وحمايته من أي استغلال أو احتكار أو قوانين تؤثر على طمأنينته الاقتصادية على وجه الخصوص، لأن الأمن الاقتصادي للمواطن عندما يتأثر يؤثر على الأمن الاجتماعي، وفي ظل هذا الواقع يبرز تساؤل هل تمثل انتخابات الدورة الثامنة للمجلس نهاية مرحلة الاختبار من قبل جميع الأطراف؟.

إنّ التحليل الواقعي لمسار مجلس الشورى خلال الدورة السابعة يكشف أنّه لم يتمكن من تحريك "الصلاحيات الممنوحة" بالطريقة التي تؤدي إلى إعادة بناء حقيقة للمؤسسات التي تمت مناقشة وزرائها تحت قبة المجلس، ورغم الأطروحات القوية التي طرحها بعض الأعضاء- والتي يمكن الرجوع إلى بعضها في موقع اليوتيوب- حول التجاوزات من قبل السلطة التنفيذية سواء من حيث استخدام السلطة، أو تجاوز القوانين، أو ضبابية الرؤية إلا أن كل ذلك لم يؤد إلى انطلاقة حقيقة للمحاسبة، أو إلى إعادة البناء الحقيقي للمؤسسات الحكومية، بل إن المجلس لم ينجح في تحقيق استجواب واحد رغم توافر الشروط المؤدية إلى ذلك، وبالتالي فإنّ ذلك يعطي مؤشرًا على علاقة غير طبيعية بين مجلس الشورى الذي يُمثل الشعب، وبين السلطة التنفيذية،

إن هذه النتيجة ربما تكون طبيعية جدًا- ولم نكن نتوقع غيرها- لأننا ربما نحتاج إلى وقت حتى نتقبل جميعنا متطلبات العملية السياسية التي يحاول فيها الجميع أن يحافظ على مصالحه وأن يدافع عنها بكل ما أوتي من إمكانات، ونحتاج إلى وقت حتى نتقبل استجواب أحد أعضاء الحكومة نتيجة تجاوزاته التي ربما تتطلب استقالته أو إقالته من أجل وضع الأفضل الذي يتمكن من قيادة المؤسسة وفق القوانين، نحتاج إلى وقت حتى نتقبل وجود رؤى مختلفة حول التنمية وسبل النهوض بالبلد داخل المجلس، ونحتاج إلى وقت لنتقبل طرح قضايا لم نتخيل يومًا أن تطرح للنقاش مثل طرح موضوع منع الخمور نتيجة الأضرار التي يمكن أن تتركها على المواطنين، وبالتالي لابد أن تتنوع الرؤى التي تطرح في المجلس أو من قبل الحكومة تبعًا لتنوع القوى التي تحركها، وبالتالي لا يمكن أن ننكر أن المجتمعات المعاصرة تتكون من قوى متعددة لها مصالحها الخاصة التي لا يمكن أن تفرط فيها، وإن تعزيز دولة القانون والمؤسسات يهدف إلى إيجاد فرص متكافئة من ناحية وإلى حماية مصالح القوى المهمشة في المجتمع التي لا يمكن أن تدافع عن مصالحها.

إن الانتخابات الماضية أدت إلى بروز قوى اجتماعية كان لها دورها في الوصول بأفراد منها إلى قبة المجلس، ومن هذه القوى الكبرى المعلمين الذين تمكنوا من إيصال ما يُقارب عشرة منهم إلى المجلس وكانوا من البارزين في النقاشات التي دارت خلال سنوات المجلس الأربعة، أما القوى الثانية إذا جاز لي التعبير فتمثلت في "المتدينين" الذين كان بعضهم من المعلمين حيث تمكنوا من طرح قضايا عدة مرتبطة بالدين سواء في قطاع التعليم أو في قطاع السياحة، أما القوى الثالثة فتمثلت في "البرجوازية القبلية" التي كانت القوة الأكبر في دورات المجلس الأولى ولا تزال هي القوة الأكبر - في السلطة التنفيذية وفي مجلس الدولة وفي مجالس إدارة القطاعات الاقتصادية والمدنية من أندية وغيرها، والقوة الاقتصادية الرابعة هي القوى الاقتصادية التي نجحت في الدورة الماضية من الوصول ببعض الأعضاء إلى المجلس بل أن أحد الأعضاء كان لديه منصب إداري رفيع في إحدى الشركات الاقتصادية الكبرى، ولا تزال قوى اجتماعية أخرى هي "المجتمع المدني" و"المرأة" و"الشباب" ضعيفة جداً غير قادرة على دعم مترشحين منها للوصول إلى المجلس وتحقيق بعض التوازنات التي تحفظ لها مصالحها في ما يدور من قوانين ونقاشات طوال الدورة.

لا شك أنّ أيّ عملية ديمقراطية تؤدي إلى هيمنة من قبل قوة رئيسية على أماكن اتخاذ القرار وإدارة المال العام لن يؤدي إلى تدعيم أركان دولة المواطنة والمؤسسات التي تكفل للجميع حقوقًا وفرصاً متساوية، وبالتالي فإنّ وجود مجلس لا تمتلك مختلف القوى الاجتماعية فرصاً متساوية للوصول إليه لن يقود إلى تدعيم مسار تحقيق جودة التشريع، وزيادة فرص الرقابة والمحاسبة، وهذان المساران هما المنطلق لتحقيق التنمية العادلة، وترسيخ وعي الجميع بالمواطنة المسؤولة، وبدور المؤسسات، وبسلطة القانون وعدم القدرة على توجيهه لأغراض خاصة، فالديمقراطية في نهاية المطاف ليست خطابا سياسيا إنما هي نهج وطريق لابد من التضحية فيها ببعض المصالح الفئوية في سبيل الحفاظ على الوطن، وهي ليست إعادة انتاج لواقع بمظاهر مختلفة إنما هي عملية بناء لفضاء حقيقي يمكن أن تحيا فيه كل هذه التفاعلات دون تدخل أو هيمنة، أو احتواء أو إعاقة.إن أعضاء مجلس الشورى مروا بمرحلة اختبار الصلاحيات الممنوحة في الدورة السابعة، لكن لم يعبروها إلى النقطة التي يتطلع إليها المواطنون من دور هذا المجلس، والدورة القادمة تدشن - بعد صمت كبير- باختبار يرتبط بمواصفات المرشح وشروطه والتحفظات التي أعلنت ضد البعض، والتي تزيد من صعوبة التكهن بانتخابات الدورة الثامنة لمجلس لا يزال يبحث عن هوية حقيقة في منظومة القرار الوطني، كما أنها تزيد من صعوبة التكهن بقناعات جيل شاب لا يزال يبحث عن معنى الديمقراطية في بلاده.

saifn@squ,edu,om

تعليق عبر الفيس بوك