الحكومة الإلكترونية .. الاسم شائع والبطن جائع

سلطان بن خميس الخروصي

قد لا يختلف اثنان أنّ الجاهل في هذا العصر لم يعد ذلك الذي لا يقرأ ولا يكتب بل هو من لا يستخدم التقنية ويمخر في بحرها الافتراضي، أصبحت البشرية اليوم تتحدث بلغة التكنولوجيا في حربها وسلامها بكبسة زر واحدة تجوب العالم من أقصاه إلى أقصاه، فمن كان يتوقع أن يُغيِّر العالم المقولة المشهورة "الأُميّ من لا يعرف الكتابة والقراءة" لتصبح "الأُميّ من لا يفقه في التكنولوجيا ويمارس تطبيقاتها"، منذ أن اندلعت الثورة الخامسة (الرقمية) بدأت الحكومات تمضغ مفهومًا قيِّما لحياة الإنسان له دلالته الحضارية ليواكب العصر حيث لمع بريق "الحكومة الإلكترونية" والذي بدأ يُغازل المؤسسات الرسمية لتُجوِّد من عملها وتكون رقما افتراضيا ذا وزن كبير في عالم العمالقة.

ما أمتعها من لحظات حينما يقضي المُستفيد في إنجاز معاملاته الرسمية بكبسة زر وهو يحتسي القهوة التركية المُرَّة أو يرشف شيئاً من الحليب الطازج أو يُلذِّذُ شفتاه بعصير بارد وهو يتنقل بين خدمة وأخرى دون أن يزاحم الملأ فيتعرَّى من خُلقه وآدابه عن تقديم الطاعن في السن أو من أهلكه الدهر والمرض إذ إنه لو فعل ذلك قد يرجع إلى مربعه الأول دون أن يُنجز معاملته وكأن لسان حاله يقول "يوم تسلم ناقتي ما علي من رفاقتي"، كم هي مأساة وخيمة حينما تتصاقع الركب، وتتزاحم الأكتاف، وتشتمُّ روائح متباينة من كل حدب وصوب، وقد تجد نصيبك من السب والشتم والأدهى والأمرّ حينما ترجع بخفي حنين لأن سعادة السيد المسؤول (السستم) "خربان" أو "ماشي شبكة" أو "الجهاز معلَّق" أو "الطيب نسيت ورقة أو ختم ارجع كمل الإجراءات"، في أحيان كثيرة تشعر بالأسى والحزن الممتزج بالغضب والسُخط حينما تحسب لإنجاز معاملة لا تتجاوز أكثر من (10) دقائق كأقصى حد فتلتهم منك يومًا كاملاً وأنت متسمّرٌ على كُرسي حديدي - إن وجدت لك حيّزا- فتُهلك نفسك وتُتعب الموظف معك ويكون قبلك وبعدك طوابير من القوم يتحيَّنون أن تغضب فترحل فيقترب موعدهم، ولا ننسى أن (بعض) المؤسسات الخدمية تُعاني من مشكلة القاعات المُهيأة للانتظار من التكييف وماء الشرب ودورات المياه وغيرها لكنها تذكرك بقوله تعالى "وبشِّر الصابرين"!.

في يوم من الأيام وحينما كنت أُجاهد في إنجاز معاملة في دائرة الإسكان بالولاية وأمام لفيف كبير من المراجعين وعدد شحيح من الموظفين تقدّم رجل طاعن في السن (وهلوس) بكلام متواضع لكنه عميق حيث قال بالحرف الواحد وبلهجته الخاصة: "هيش هالحالة يا ولدي النّاس وصلت القمر ونحن يجرجرونا من بيوتنا نخلّص معاملات انتظرناها من سنين وتو رجل فالدنيا ووحدة فالآخرة، وبعدهم ساحبينا من بيوتنا ونحن مرضى، علام ما يستخدموا الكمبيوتر والإنترنت ويخلصوا هالعالم.."، وخلال حديث الرجل تبادر إلى ذهني سؤال عابر أين الحكومة الإلكترونية التي دعا لها عاهل البلاد - حفظه الله ورعاه- منذ عقد ونيف من الآن حين وجه نداءه السامي إلى عصرنة الحكومة عبر توظيف التكنولوجيا وتذليل كل العقبات لتقدم المؤسسات الخدمية أجود خدماتها لجميع القاطنين في هذه الأرض الطيبة؟ فخلال أربعة عقود ونصف ما نسبة الإنجاز الفعلي للتحول الحكومي التقليدي إلى التقني الرفيع في ظل المناقصات الضوئية التي تنفقها المؤسسات الخدمية من ميزانية الدولة بحجة تطوير البنية التحتية الإلكترونية في سبيل تجويد خدماتها للمستفيدين؟.

وعود على ذي بدء وبقراءة متأنية لتقرير الأمم المتحدة للعام (2012) المعني بتقييم التحول الرقمي لحكومات العالم والذي يصدر كل عامين نجد أن أفضل عشرين دولة في العالم تُطبّق الحكومة الإلكترونية تزعمتها "كوريا الجنوبية" بينما تذيَّلت القائمة العشرية "استونيا" ومن الشرق الأوسط جاءت "إسرائيل" في المرتبة السادسة عشرة، وأما على مستوى الدول الــ(25) الناشئة للحكومة الإلكترونية نجد أن "النمسا" تتقدم القائمة بينما تتذيلها "قبرص" ومن الشرق الأوسط نجد أن "الإمارات العربية المتحدة" جاءت في المرتبة الثامنة ثم "البحرين" في المرتبة السادسة عشرة وكذلك "المملكة العربية السعودية" في المرتبة الواحد والعشرين، وعلى مستوى قارة آسيا صنَّف التقرير عشر دول كرائدة في تطبيق الحكومة الإلكترونية من حيث تطبيقاتها وخدماتها المقدمة للمستفيدين وسرعة وحجم الإنجاز وجاءت على التوالي: (كوريا الجنوبية، سنغافورة، إسرائيل، اليابان، الإمارات، البحرين، كازاخستان، ماليزيا، السعودية، قبرص)، والسؤال الذي يُطرح من خلال ألم الانتظار الذي أضجَّ سكون الرجل المُسن ومن بين سطور تقرير الأمم المتحدة أين موقع مؤسساتنا الحكومية في المنافسة العالمية والإقليمية وفق منظومة الحكومة الإلكترونية وقت كانت كلمة الدكتور سالم الرزيقي (الرئيس التنفيذي لهيئة تقنية المعلومات) يُسمع صداها بين أروقة الأمم المتحدة: "مع نهاية العام 2014 أكملت 70% من المؤسسات الحكومية خططها للتحول الرقمي لتحقيق الكفاءة التشغيلية وفق أسس الاستدامة، وحالياً يعمل مؤشر الأداء على المستوى الوطني كمعيار أساسي للرؤية الموحدة للحكومة الإلكترونية المتكاملة في توفير الخدمات الإلكترونية الأساسية بقطاعات التعليم والصحة وفرص التوظيف العادلة، وفي الوقت الراهن تنصب جهودنا نحو تعزيز هذه النتائج وتوسيع انتشار المعرفة الرقمية بين مختلف شرائح المجتمع، حيث أنجزنا ما يصل إلى 80% من برامج التوعية الإلكترونية والتدريب الموجهة لمختلف شرائح المجتمع وصولاً إلى تحقيق معدلات ممتازة على مستوى انتشار المعرفة التقنية"؟!.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك