تهميش الفكر لصالح المظهر

أمل السعيدي

يشارك الناس يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الصور، ونحن في العالم العربي تكاد تكون صور الحرب وآثارها الشاغل الأول بالنسبة لنا، كما أن الطرائف والمواد الساخرة عبر الأدوات الإعلامية سواء كانت صوراً أم مقاطع فيديو مسجلة تلقى رواجاً في أوساط الشباب حسب ملاحظتي الشخصية، ذلك أن برامج "اليوتيوب" في غالبها متجهة لتحقيق هذا وهي تسجل فعلياً أعداد مشاهدات كبيرة يومياً. واحدة من الصور التي لطالما رأيت الأصدقاء يشاركونها على مواقع التواصل الاجتماعي هي لفتيات صغيرات يتعرضن لقهر الحرب خصوصا في العراق وسوريا وفلسطين واليمن بحكم الظروف التي نعرفها جميعاً عن الأوضاع هناك، والتعليق الأول الذي كثيراً ما أصادفه هو: هل يعقل أن يتعرض هذا الجمال للحرب وأن يعامل بطريقة غير إنسانية؟ ونظراً لما تتضمنه هذه العبارة من مؤشرات خطيرة أفردت مقالي هذا، فالشعور بأن التعاطف مع أي قضية مرتبط بالمظهر، وأنه هو من يحقق جدارة القضية بالتفاعل معها لهو أمر جد مريب. فماذا لو كانت الفتاة حسب معايير الجمال التي يصنعها "السوق" أقل جمالاً؟ كذا الحال بالنسبة للنساء الثائرات، ممن يتعرضن لحوادث إرهاب وعنف في مختلف أنحاء العالم، إنها طريقتهم في التعبير عن المؤازرة والاهتمام.

وعلى الجانب الآخر، يشارك بعض الأصدقاء صوراً لنساء سمينات أو قصيرات القامة، أو بلون بشرة محدد بمجابهة صور لنجمات شهيرات، متهكمين على الأولى مستخدمين المظهر كمادة للسخرية، ولا يكاد الأمر يقدم بهذه المعالجة نفسها عندما يتعلق الأمر بالرجل في نفس هذه المواقف.

في كتاب (اللهو في العتمة) لتوني مريسون الكاتبة الأمريكية تستعرض خطاب الروايات الأمريكية المعاصرة وما تتضمنه من تشفيرات مسيئة بحق السود، مع الأخذ بعين الاعتبار دلالات هذه الكتابة من عنصرية وتطرف، وتقترح مريسون أنّ الحل يكمن في المواجهة الحاسمة مع هذه اللغة، فلا فائدة في التورية ولا في الهروب، أماّ الاستمرار في هذا النوع من الخطابات فيعمق مفاهيم يسعى المجتمع العالمي اليوم لتجاوزها. نصر حامد أبو زيد المفكر المصري المعروف كتب بدوره في كتابه (قراءة في خطاب المرأة)، أن اللغة أيديولوجية وينبغي الوعي بذلك، حتى نستطيع تجاوز الكثير من المشكلات المتعلقة بوجود المرأة. مهتماً بالدرجة الأولى بلغة التفكير السائدة في العالم العربي فيما يتعلق بالمرأة، بداية بالتركيب اللغوي الذي يمنح الرجل التفوق، نهاية إلى السلطة الممنوحة للرجل نتيجة لقيام الفكر على نفس هذه اللغة التي تعطي الرجل الأفضلية ليس هذا فحسب، فنحن إزاء خطاب يتخذ معايير مشوهة تتخذ من "النوع" وما ينبثق عنه من أحكام قيمية مسبقة كالمظهر طريقة للتعبير عن التضامن في أحيان وللضحك والسخرية في أحيان أخرى، فتهميش الفكر لصالح المظهر ناتج عن هذا كله. لا أحد منا يريد اليوم أن يحاكم في أي موقف كان بحسب "نوعه" لأنه لم يختره فعلياً لكننا جميعاً نريد أن يتم إنصافنا بما نحن عليه فعلاً.

علينا أن نراجع سريعاً هذا النوع من الإشارات التي وإن بدت في ظاهرها مؤيدة إلا أنها تمرر الباطل عبر ما هو حق. هذا تماماً ما أشار اليه عبدالله الغذامي في كتابه (النقد الثقافي)، فكثيرة هي الأعمال الأدبية التي لاقت رواجاً في العالم العربي لامتيازها بالبلاغة وجمال اللغة إلا أنّ معناها يتضمن معانٍ قبيحة إن الأمر فيما يتعلق بتلك الصور التي بدأتُ بها مشابه تماماً.

تعليق عبر الفيس بوك