طفولة "محطَّمة" على أعتاب "التفكك الأسرى"

رصدت التجربة - مدرين المكتوميَّة

لن يكون (ع. م) ذاك المراهق ذو الـ14 عاما، هو النتاج الوحيد لحالات الانفصال الأسري، جراء قرارات "متسرعة" يتخذها كلا الأبوين أو أحدهما؛ فغيره الكثير ممَّن تلظوا بنيران تلك الآفة المجتمعية، والتي وُصفت في شرع ديننا الحنيف بـ"أبغض الحلال".. إلا أن مأساة (ع.م) مختلفة في بعض تفاصيلها؛ سيما وأنَّ الارتباط الأولي بين الوالدين وما تلا ذلك من "عِشرة" ملأها الانسجام والتوافق في أغلب مراحها، لم تشي بأن الحياة ستنقلب رأسا على عقب، بعد أن قرر الزوج فجأة أن يتزوج بأخرى؛ لينفث شيطان الهوى سمومه فيُحيل رغد العائلة الصغيرة إلى جحيم منازعات ومشادات كان ضحيتها طفل صغير.

فـ(ع.م) -كما يروي لـ"الرؤية"- كان يعيش في جو عائلي يسوده الحب والهدوء؛ حتى تفاجأت الأم بزواج الأب دون أية مقدمات، ودخول امراة غريبة إلى حياتهم لتعيش بينهم.. ومن تلك اللحظة بدأت الحياة تسوء؛ فالأم باتت متقلبة المزاج: تصرخ وتوبخ، وزوجة الأب تضرب وتعاقب (بالحرق).. مما أثر بالسلب على نفسية الطفل الصغير، الذي بدأ يلازمه خوف من كل شيء، فلزم غرفته بشكل دائم؛ خوفا من المحيطين به.

تطوُّر الأزمة

كبُر (ع.م) وبدأت تكبر معه همومه؛ لتصبح مأساة؛ حيث بدأ يشعر بأنه لا يقوى على التعبير عمَّا يختلج دواخله، ولا يستطيع الحديث عن الوجع، والألم الذي يعيشه.. فأصبح لديه ثقل في النطق والخوف من اتخاذ أي قرار؛ حتى علاقته بزملاء الدراسة كانت من سيئ لأسوأ.

وبدأ الأمر يتحول من مرض نفسي إلى مرض عضوي، حيث يعاني (ع.م) من "تبول لاشعوري" بمجرد الخوف، وكان الحل من وجهة نظر عائلته الضرب أو الحرق لكي لا يكررها.. فكان يرفض الخروج من غرفته.. وبعد فترة من الزمن تركت والدته "الجمل بما حمل"، لتتحر من إصر الحياة في بيت تشاركها فيه أخرى، وتزوجت بآخر.

وفي إحدى الليالي التي كان يأكل فيها (ع.م) بالخطأ، أوقع صحون الضيوف؛ لتثور زوجة الأب في وجهه وتبدأ في "وصلة ضرب" مبرح، حبسته على أثرها في غرفته دون طعام، ليتصل الطفل المغلوب على أمره بوالدته بعد المدرسة، لتأتي وتأخذه للعيش معها، فرَّحبت بالفكرة وأخذته فعلا. في بادئ الأمر بدأت تخاف عليه وترعاه وتهتم به، ولكن سرعان ما تغيَّرت الحال؛ خصوصا بعدما بدأ الزوج ينفر من وجوده، ويأمره بعدم البقاء في المكان الذي يكون فيه، ويحرمه من مشاهدة التلفاز برفقتهم، حتى جاء اليوم الذي قرَّرت فيه والدته أن تعيده لبيت أبيه، وهو ما حدث حيث اقتادته عنوة إلى حيث الجحيم مرة أخرى.

ما كان يُسرِّي عن (ع.م) أنه يمتلك غرفه يعيش فيه وحيدا، ويتقاسم همومه بين جدرانها.. ومع عودته للبيت عاد مسلسل الضرب والمشكلات مرة أخرى، إلى أن رأى الأب في أحد الأيام زوجته تضرب أحد أبنائه، إلا أن موقف الأب كان مستغربا إذ اكتفى فحسب بأن طلب منها ألا تتدخل في شؤون طفله.. ثم بدأ الاب يأخذ مسارا آخر؛ حيث فكر جيدا في أن الأهل والأقارب والأصدقاء ينادونه بأبو (ع) وهو أكبر أبنائه إلا أنه أضعفهم نفسية وشخصية.. ومن تلك اللحظة بدأ الطفل يشعر بكيانه الآدمي، وأنه جزء من البيت والعائلة.. ويختتم (ع.م) روايته لـ"الرُّؤية" بالقول: على الرغم من مضايقات زوجة أبي في غيابه، إلا أنني تحملت لأجل والدي.. صحيح انتهت مسألة الحرق والضرب، إلا أنه كانت هناك عقوبات جديدة كالحرمان من الطعام أو الجلوس مع إخوتي في غياب والدي.

تعليق عبر الفيس بوك