ماذا عن الأوامر السامية بتوحيد التقاعد؟!

عبد الله بن علي العليان

النقاش هذه الأيام في المجالس والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي العمانية، يرتفع ويتزايد حول التأخير المُلفت في تطبيق الأوامر السامية لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه - والتي صدرت في 11/ 11/ 2013، والمتعلقة بتوحيد المنافع التقاعدية وفق نموذج تقاعد ديوان شؤون البلاط السلطاني وتتم على قواعد موحدة تسري على كافة موظفي الخدمة المدنية بصورة تحقق العدالة، والحقيقة أن الأوامر السامية طلبت أن يتحقق هذه الأوامر على وجه السرعة من خلال إعداد الدراسة المقترحة لأوضاع الصناديق، والحقيقة أن التوقع أن يتم التطبيق في بداية هذا العام 2015، على اعتبار أن النظام القانوني موجود ومطبق منذ عقود، وهو قانون تقاعد ديون البلاط السلطاني الذي سيكون هو المعيار الموحد لموظفي الدولة المدنيين كافة حسب التوجيهات السامية!، ولكن الشيء اللافت، أن الأمر مئات، أو ربما آلاف تقاعدوا هذا العام، والعام المنصرم، وتم تطبيق النظام القديم على الموظفين المدنيين بالدولة، دون أن يتم الحديث عن هذا الجانب الذي انتظره الآلاف من موظفي الحكومة المدنيين المقبلين على إنهاء خدماتهم بالدولة، والذي تم التجديد لبعضهم في بعض الوزارات عاماً آخر 2014، لعلهم يحظون بالتطبيق الموحد في 2015، ولكن كانت التوقعات أن يصدر من اللجنة المكلفة من المالية، ما يبين سبب تأخير تطبيق الأوامر السامية التي شددت على دراستها للتطبيق على وجه السرعة، وفق البيان الذي صدر في نوفمبر 2013. مع أننا نرى العكس أن هناك تباطؤ في تنفيذ هذه الأوامر السامية الواضحة والصريحة في مسألة حقوق الموظف المواطن للأسف خاصة التقاعد الموحد، وهذا سيخلق ردود أفعال ليست طيبة في نفوس هؤلاء تجاه بعض الجهات الحكومية التي تتباطأ في تنفيذ الإرادة السامية، وكأنهم يحاولون تأجيلها، خاصة المتعلقة بحقوق موظفي الدولة المدنيين الذي تقاعد منهم عشرات الآلاف في العقود الثلاثة الماضية دون أن يحصلوا على الراتب الأساسي، بعد سقوط العلاوات المصاحبة، ناهيك عن حرمانهم من المكافأة ما بعد الخدمة، وإذا كان سبب الـتأجيل، هو ظروف انخفاض أسعار النفط عالميًا، فما دخل حقوق المتقاعدين في هذه الظروف، حيث إنّه يتم اقتطاع 6% من رواتبهم، مع النسبة التي تقدمها الدولة للموظف دعمًا لخدمته في الدولة طوال سنوات الخدمة، والمهم هو العدل والمساواة الذي حدده النظام الأساسي للدولة، الذي جعل من القواعد الهامة للنظام الأساسي للدولة في بلادنا أن "إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين، ويضمن الاحترام للنظام العام ورعاية المصالح العليا للوطن" ،تعتبر من المبادئ الموجهة لسياسة الدولة التي تضطلع بهذا الدور خدمة للوطن ورعاية للمواطنين. وقد أكد جلالة السلطان المعظم في معظم كلماته السامية، أنّ الإنسان العماني هو محور التنمية وصانعها في مساراتها المختلفة. والحقيقة أن الكثير من المواطنين يستغربون من هذا التأخير المستمر مع مسألة الدراسة الاكتوارية قد سمعنا عنها منذ عدة عقود، ولا نريد الحديث عن الدراسات التي أصبح البعض يتشكك في مصداقيتها، وأنها مدعاة للتأجيل والتباطؤ، فالأمر هنا ضرورة تنفيذ أوامر سامية بتوحيد أنظمة التقاعد، والذي تأخر كثيرًا لقطاع كبير من موظفي الدولة، لكن المشكلة الكبرى ـ كما يقول د. عبد الله عبد الرزاق باحجاج ـ " تكمن في من ينفذ الأوامر من جهة وكيفية التنفيذ من جهة ثانية، فالأوامر السامية لا تزال في طور الدراسات طوال هذه المدة الزمنية الكبيرة التي تقدر بأربع سنوات تقريباً، والإشكالية الكبرى الناجمة عن هذا التمطيط والتأخير، إنه مع مرور كل سنة يحال للتقاعد المئات على نظام التقاعد الذي يفترض أن يكون الآن قديمًا، لكنه لا يزال معمولاً به حتى الآن، والسبب عدم تنفيذ الأوامر، والمتضرر الأكبر إن لم يكن الوحيد من استمرار العمل بنظام التقاعد القديم ، هم الجيل القديم - باستثناء المنتفعين والمتمصلحين سالفوا الذكر - فالجيل القديم المتضرر هم من تحمل مسؤولية أعباء بناء الدولة الحديثة، وهم من عاصروا مراحلها الصعبة حتى تم تأسيس مرحلة الأمن والاستقرار التي نعيشها الآن، فهل جزاء وفائهم حرمانهم من نصف راتبهم بعد تقاعدهم؟".

والأغرب أن النظرة للمتقاعدين نظرة، لا تتسم بالصورة التي نتمناها بما يضمن من العيش الكريم والاستقرار الأسري والاجتماعي كما أشارت البيانات التي جاءت ضمن الأوامر السامية، وكان من المهم أن نسير لما تريده قيادتنا في هذه المرحلة الجديدة بعد 2011، والتي حددتها المراسم السلطانية، سواء في تعديل النظام الأساسي للدولة، أو من خلال الصلاحيات التي أعطت لمجلسي الدولة والشورى، وهذه كلها مرحلة جديدة تجاوزت المرحلة بفريقها آنذاك، كان يفترض أن يتم ألا نحيد عنها كمسار جديد ومعطيات جديدة، حتى لا نقع في الأخطاء السابقة، وحتى لا نرجع مرة أخرى إلى الأساليب والطرق التي درجنا عليها في العقود الماضية، الدولة الآن محتاجة إلى اللحمة الوطنية، والى الإخلاص في تلمس المسارات التي حددتها قيادتنا الرشيدة، في الطريق الذي يضمن التلاحم بين القيادة والشعب في ظل التحولات والمتغيرات من حولنا، لذلك لابد من إدراك الأهمية القصوى، لوضع كل القرارات والأوامر السامية دون تأخير أو تراجع، بما يضمن الدقة والالتزام للتوجيهات التي تحقق العدالة والحقوق للمواطنين، كما أشرنا إليها آنفا، وتم الإعلان عنها والجميع يعرفها ومستوعبها. والحقيقة أن الملاحظ، أنه لو أن هذا التأخير بسبب أزمة النفط وتداعياتها الراهنة، لكننا بحمد الله ولم يتم وقف أيّ من المشاريع الكبيرة، التي وضعت في الخطط الماضية، بل إننا نرى المشاريع الجديدة عبر المناقصات يتم الإعلان عنها أسبوعيا، وبمئات الملايين، وهذا ما يعني أنه ليس هناك ما يهدد الاقتصاد الوطني لبلادنا من هذه الأزمة النفطية الطارئة، فلماذا فقط حقوق المتقاعدين وفق النظام الموحد الذي جاء الأمر فيه من الإرادة السامية تكون هى العقبة دون التطبيق ؟ وكم ستكون المبالغ السنوية لمئات المتقاعدين في الخدمة المدنية؟ ونعتقد أن الصندوق سيفي بكل بالرواتب الجديدة للتقاعد،خاصة وأن به مليارات من الاقتطاع الشهري، ومن النسبة التي تقدمها الدولة دعماً للصندوق، المهم أن العدل والمساواة تقتضي تنفيذ الأوامر السامية دون تأخير، خاصة وأن جيل السبعينيات من القرن الماضي، الذي صاحب مرحلة البناء للنهضة المباركة، هو المـتأثر، ويحال للتقاعد الآن، وكان الافتراض أن يتم مساواته مع أقرانه الموظفين المدنيين الآخرين الذي تم تطبيق نظام ديوان البلاط السلطاني عليهم ، وحرم منه الآلاف في السنوات الماضية، عدا بعض الجهات الحكومية، والتوقع أن يتم مراجعة وضعهم الوظيفي التقاعدي، بما يحقق لهم العيش الكريم في هذا البلد المعطاء.

والحقيقة أن الكثير من المتقاعدين المدنيين يحدوهم الأمل في تعديل رواتبهم التقاعدية عند تطبيق النظام الموحد، خاصة وأن الأوامر السامية التي قضت قبل سنوات، بتعديل رواتب موظفي الدولة في الجيش والشرطة المتقاعدين، الذين كان النظام السابق مجحفا في حقوقهم التقاعدية، من الذين عملوا منذ بداية السبعينات من القرن الماضي لاقى ارتياحا كبيرا في المجتمع العماني، والذي ساهم في سعادة آلاف الأسر العمانية من ذوي هؤلاء المتقاعدين وغيرهم من المواطنين، وهذا بلا شك تقدير من الدولة لعملهم السابق، وفي ظروف خدماتهم في بدايات انطلاقة النهضة العمانية الحديثة، من خلال تعديل رواتبهم التقاعدية وفق نظام التقاعد الراهن لدى الشرطة، وهو ما يُعزز مستواهم المادي بزيادة رواتبهم التقاعدية. وقد اضطر الكثير من هؤلاء للعمل بعد التقاعد في القطاع الخاص، بعضها مهن صغيرة برواتبها، بهدف الوفاء باحتياجاتهم المعيشية، والحياة الكريمة لأبنائهم، في التعليم والتأهيل، وغيرها من متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلخ: ولذلك نأمل أن يُعاد النظر الجدي في تطبيق مزايا التقاعد على الجميع، وأن يتم تعديل حقوق المتقاعدين السابقين، بحيث تتحقق للجميع، نصوص وقوانين النظام الأساسي للدولة دون تمييز، بين هؤلاء الموظفين، وهذا ما يؤكد عليه القائد المفدى حفظه الله في خطاباته السامية.



تعليق عبر الفيس بوك