ذبابة الفكرة الطنانة

أحمد الرحبي

في ذات ليلة استيقظ الفأس مرعوبًا من نومه بفعل كابوس مخيف رأى فيه فيما يرى النائم شجرة تنبت في ذراعه وتكبر وتكبر بكل أغصانها وفروعها ملتفة حوله بما يشبه احتواءً حنوناً لجسده، ولكن بشكل خانق وقاتل.

***

لقد أهدت الشجرة الفأس قطعة من جسدها ولوﻻ هذه القطعة المهداة لم تكتمل بنيته، لكن الفأس بكل إنكار للجميل، جعل هذه القطعة من جسد الشجرة دافعاً له لقطع الشجرة والتنكيل باﻷشجار جميعًا.

***

بفضل الشمس وكأنها تقوم بمهام خدمة غرف في فندق 5 نجوم، نستعيد في كل نهار جديد ظلالنا نظيفة مكوية.

***

في ضيافة النهار نتفيأ الظلال التي تنسجها الشمس له، كعربون صداقة قديمة بينهما، والتي يصنع منها النهار بسطاته المقدمة بكل محبة وكرم للناس.

***

النهار فنان فتوغرافي ومصور بورتريه عظيم، سرعان ما اكتشفنا جمالنا، وجمال اﻷشياء من حولنا، في عين عدسته، بعكس الليل الذي أوهمنا بأننا متشابهون جميعاً في القبح.

***

صورة شمسية جميلة هو النهار، للشمس الجميلة الوضاءة تعكس في ملامحها وتفاصيلها الدقيقة الواضحة التفاؤل واﻷمل، مهداة للناس، وذلك تجديدًا لمشاعر التفاؤل واﻷمل بالحياة.

***

الليل مقارنة بالنهار الذي نستعيد فيه هيئاتنا بشكل جميل وواضح المعالم بدون أدنى تشويه، هذا الليل مقارنة بالنهار هو مجرد مسرح ظلال مخيفة.

***

يبدأ النهار بكل همة ونشاط بفرش بسطاته من الظلال كبائع متجول، حركة الشمس وسلطتها المتحكمة، تجعله يتنقل بحمولته من بسطات الظلال من مكان إلى آخر، هكذا يمضي النهار وقته بهمة ونشاط، عارضاً بسطاته للمتفيئين بشكل مجاني.

***

في المنطقة الفاصلة بين انقضاء يوم وبداية يوم جديد يضطر النهار برغم ما يسببه ذلك له من إزعاج وحرج، ولكي يقوم بمهامه كما يجب، أن يلتقي بغريمه الليل لثوانٍ معدودات، وذلك لكي يتسلم منه طية الظلال التي يرقش بها النهار ثوبه الجميل بهي اﻷلوان.

***

ليست هناك قيمة لذاتها فدائماً قيمة الشيء مقرونة بالفائدة والجدوى من الشيء ذاته حتى الذهب والجواهر غير مستثناة من ذلك برغم كونها تشكل معيارا سوقيا أعلى للقيمة دائمًا، وبناء على ذلك فإنّ القيمة والجدوى دائماً متذبذبة لا تعطي قيمة مطلقة للأشياء، والخلاصة أن حاجتنا في بعض اﻷحيان لبعض اﻷشياء دون أشياء أخرى تُعطيها ما يشبه قيمة مطلقة، على ذلك فهل الجشع والتكالب على حيازة اﻷشياء يعتبر وهمًا نتمسك به ليضفي نوعاً من المعنى حين تُعاني حياتنا في مرحلة فاصلة فيها خلو من المعنى وخواء منه ﻻ نجد له تعويضاً سوى التعلق بوهم القيمة المطلقة لقيمة اﻷشياء، فيتصاعد عندها في نفوسنا الجشع والطمع بحب المال حباً جماً!!.

***

قشرة الموزة التي لا يلتفت إليها أحد قد تُلقن ذلك المعتد بنفسه الأنيق المُتعالي الذي يتبختر في مشيته ويمشي بتكبر وخيلاء في الطريق وكأنه فوق الجميع، وتعلمه درسًا في التواضع، فلا تأكلوا الموز متلذذين به فقط، وإنما تمعنوا في قشرته، فإنّه بإمكان هذا القشرة أن تُعطينا أول درس في مشوار حياتنا.

***

مازال الخلاف محتدماً بين النهر وضفافه في أيهما أوجد اﻵخر.
ونتيجة هذا الخلاف السحيق ما بين النهر والضفاف، اعتاد النهر، ﻹثبات هيمنته على ضفافه اكتساح الضفاف بفيضاناته المدمرة بين فترة وأخرى، لكن رغم ذلك مازالت الضفاف على إصرارها بأنّها هي التي تصنع النهر، وإلا بدونها بات عبارة عن مساحة مفتوحة واسعة من المستنقعات الراكدة.
وفي الحقيقة يمكن القول إنّ فعل الاندفاع الملتاث الدائم التدفق للماء، هو النهر، كما أنه هو أيضاً المسافة الفاصلة ما بين المنبع والمصب المشغولة بالماء، وأدق وصف يمكن تعريف النهر به، أنه هو تيار الماء، أو فعل الماء، أو الدراما الفائقة النشاط والعنفوان التي يشكلها الماء في الطبيعة بشكل دائم ومنتظم، لكن يبقى هذا النشاط والعنفوان للماء محصورا في الضفاف.

***


في البدء كان الحجر، هناك حجر سيصبح جزءًا من مدينة وهناك مدينة ستكون مجرد حجر، قصة علو وسقوط الحجر، توالي دراماتيكي من العلو والسقوط، قصة مشوقة حزينة (اﻵثار الدارسة تخبرنا بذلك، والقصور الشامخة المنيفة ابنة اﻷمس تخبرنا بذلك أيضًا) يرويها التاريخ عن سيرة الحجر، فهل من معتبر؟.

***

دائمًا ما يتم امتداح التواضع على أنه خصلة أخلاقية وميزة تطغى على ما عداها من ميزات الشخص وخصاله، وفي الحقيقة عند التمحيص الدقيق في هذا المديح الفائض عن الحد بعض الأحيان للتواضع، هذا فيما لو سلمنا جدﻻً بأنّ هناك فعلاً خصلة حقيقية اسمها التواضع يتقاسمها الناس بمستويات متفاوتة وتبرز كعلامة فارقة في شخصياتهم، أقول عند التمحيص الدقيق في مديح التواضع كخصلة أخلاقية، ألا يمكن وصف هذا التواضع الذي ينال مثل هذا المديح بأنه مجرد انطباع في أغلب الأحيان؟.

***ﻻ أكثر سواء من الشخص الذي يحاول جاهدا أن يطبعه إذا جازت العبارة أو يخلفه لدى اﻵخرين بشي من الحرص على أن تكون صورته لديهم ناصعة وخالية من الشوائب ، أو إنطباع لدى اﻵخرين ﻻ بد أن يرتسم عن هذا الشخص مع كل هذا الحرص لتزويق الصورة بكامل ألوانها.
وفيما لو سلمنا جدﻻ بحقيقة هذه الخصلة الشخصية للتواضع فهل هي تتوزع بالتساوي وطبعا ليس بمقدار ثابت ، على مختلف الشخصيات ، فهل الوضيع مثلا أو الفقير أو مهيض الجناح نتوقع منه أن يحوز مقدار ولو ضئيل من التواضع ، وحتى لو وجد لديه هذا المقدار من التواضع على ضئالته هل يكون لدينا اﻹستعداد الفطري على تمييزه بنفس البديهية في ذلك فيما لو كان هذا التواضع هو الحلية التي تميز شخصية الميسور أو الغني أو صاحب النفوذ من اﻷشخاص الذين يدخل على قلوبنا يسر حالهم وغناهم ونفوذهم المقرون بخصلة تدعى التواضع نوعا من التقبل لهم ..

السماء ﻻ تمطر ذهباً وإن فعلت ذلك جدﻻً فإنها لا تعطي إﻻ باتساع الكفين المرفوعين نحوها بالاستجداء بدون عمل.

***

بينما يصنع الليل رداءه اﻷسود المهيب من الظلال يظهر النهار عاريًا كما ولدته أمه الشمس، بل هو يوزع ما يملك من أسمال الظلال محبة للناس.

***

هناك قمر وكوخ ينعكسان على سطح بحيرة. في الوسط بين الحقيقة المادية للكوخ والقمر وبين انعكاسها على سطح الماء يعيش إنسان بين عالمين، ذلك هو الرومانسي.

***

محاولة القبض على ذبابة أثيرية مع الصعوبة التي ترافق هذه المحاولة، هكذا هي لحظة الكتابة، فليس هناك شيء واضح وكل شيء في البداية يبدو غائمًا، ولكن مجرد الطنين الخفي للفكرة ينبئك بأنّ هناك شيئا قادما في الطريق، فلابد أن تكون مستعدا بشبكتك لاصطياد ذبابة الفكرة والقبض عليها قبل أن تهرب.

***

تحية لكل أم تحمل ثقل العالم على أكتافها، وتمثل الرحم الجميل الذي يحتضن البشرية بالحب والدفء. تحية لكل أمهات العالم سيدات الخصوبة والتجدد والانبعاث، اللاتي يساهمن بجهود جبارة في ردم الهوة العميقة المفتوحة دائماً للفناء، وفي سد الثقب الأسود للموت، واللاتي ما فتئنا نتذكر بمعيتهن ذلك الزمن اﻷمومي في التاريخ اﻹنساني حيث اﻷمومية كانت هي المسيطرة ثقافيا واجتماعيًا قبل مراحل غابرة من التاريخ البشري، فكان السلام انعكاسًا لهذه السيطرة، قبل أن تنحرف الحضارة البشرية إلى ثقافة الحروب والسيطرة بفعل تزعم الذكورية في قيادة التاريخ البشري، لكل الأمهات كل التحية والتقدير والاحترام والتبجيل.

***

للبيت رب يحميه.. مقولة إيمانية ما أحوج المسلمين إلى التمعن فيها.
لماذا لا يتمعن المسلمون في مقولة قديمة سبقت انتصار دعوة الدين اﻹسلامي وانتشاره بعد ذلك في شتى بقاع اﻷرض، مقولة أطلقها عبد المطلب عند رده على أبرهة الحبشي بعد تهديد اﻷخير بهدم البيت ويقصد الكعبة المشرفة بأن للبيت رب يحميه، ولقد كان رداً يعبر عن عميق اﻹيمان بالرب برغم كون عبد المطلب كافرا وظل على كفره حتى مات، لماذا لا يتمعن المسلمون في رد عبد المطلب ويثقون بأنّ للدين اﻹسلامي ونبيه رب يحميهم، أليس الدين يحضنا على اﻹيمان بالله وقدرته على التدخل لنصرتنا ونصرة ديننا ورسولنا فلماذا يغيب اﻹيمان بالقدرة اﻹلهية ويحضر اﻹرهاب اﻷحمق الذي يدعي نصرة الدين ورسوله نيابة عن المولى جلّ جلاله الذي وعدنا بحفظ هذا الدين؟!.

تعليق عبر الفيس بوك