العصر الانتقالي للسيناريو السينمائي

يسمي السينمائي الفرنسي المخضرم فيليب كونجليتون المرحلة ما بين عامي 1955 -1966 بمرحلة العصر الانتقالي للفيلم السينمائي؛ لأن مسيرة السينما العالمية بدأت موجة النضوج بشكلها الحقيقي في هذه الفترة بالذات. فبعد أن عانى السينمائيون من شح التواجد الفني والتجهيزي في عصر الريادة الممتد ما بين عامي 1895- 1910 وفي عصر الأفلام الصامتة الممتد ما بين عامي 1911- 1926 وأخيرًا عصر ما قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية والممتد ما بين عامي 1927 - 1940 وجاء العصر الانتقالي كمرحلة لابد منها لتطوير الصناعة السينمائية في ظل التطور الملحوظ للمعدات بل والقوالب التي تناولها الفن السابع آنذاك. ومع هذا التطوير برز أيضا اهتمام كُتاب السيناريو بتطوير وتجويد نصوصهم السينمائية لتواكب وتطلعات المنتجين وثورة التقنية المستخدمة في التصوير وهذا ما يربط حديث كونجليتون بموضوع هذا المقال.

يكاد يكون هنالك قالبان ثابتان في كتابة سيناريو الفيلم مستمدين من المدرسة الفرنسية والآخر من المدرسة الأمريكية أحدهما يتبع النمط العمودي المقسم إلى خانة للسيناريو وخانة للحوار بينما الآخر يتبع النمط الأفقي الذي يأتي فيه السيناريو وأسفله الحوار وهكذا دواليك حسب تتابع أحداث الفيلم. لكن القضية هنا ليست في اختيار القالب الذي يرغب كاتب السيناريو أن يحصر إبداعه فيه وإنما في كيفية التعاطي مع ثورة التقنية السينمائية والتطوير الحاصل في الصناعة السينمائية. ولأننا مازلنا نعيش روعة العصر الانتقالي للسينما بل ونشهدها كل يوم تبرز حاجة الكاتب إلى الإلمام واكتساب المعرفة بما يدور حوله من نتاجات سينمائية مختلفة. هنالك نقلة نوعية وكمية بالفعل في كتابة السيناريو السينمائي حيث لم يعد هاجس السيناريست التركيز على الحدث والحوار تاركا المجال لإبداع المخرج في إظهار الصورة بل تعدى هذا الهاجس مراحل كثيرة على مستوى الفكرة المطروحة والقضية المتناولة - والتي لابد وأن تتماشى مع تطلعات الإنسان وهمومه في العصر الذي يعيشه الكاتب - ويصل هاجس الكاتب ذاك إلى التكيف والتماهي مع تقدم التقنية والتقانة السينمائيّة وهذه هي أقوى وأظهر سمات التغيير في نهج الصناعة السينمائية وأحد أقوى المحذورات المعرفية التي ينبغي أن يحيط بها الكاتب ليواكب روح العصر حتى وإن كان النص الذي يكتب تاريخيًا أو يميل إلى النمط القديم في الصناعة.

ولن يصل كاتب السيناريو إلى مواكبة هذا العصر الانتقالي في الفكرة والطرح والتقنية إلا بكثرة المشاهدة والاطلاع على الأعمال السينمائية التي تنتج على مدار السنة دونما تمييز بينها في عملية الانتقاء للمشاهدة هذه (هذا فيلم أمريكي وذاك هندي والآخر عربي). وتساهم المعرفة المبنية على المشاهدة والتحليل في تدعيم أسلوب وفكر الكاتب بالمستجدات والمتغيّرات التي تحدث ويتوقع لها أن تحدث في السنوات المقبلة. ويخطئ كثير من كتاب السيناريو ممن يظنون أنّ المشاهدة السينمائية لا تلعب دورًا كبيرًا في إثراء إنتاجاتهم وينادون بأنّهم في مرحلة اكتفاء وتشبع تغنيهم عن مواصلة الاطلاع على أعمال غيرهم سواء كانت نصوصًا مكتوبة أو أفلاما جاهزة تعرض. الحكمة الفنية في عالم الكتابة تقول " أقرأ كثيرا وأكتب قليلا" وهي بلا شك تنطبق على مجال الكتابة الفيلمية. في النهاية نحن نستطيع أن نميّز وبشكل واضح بين جودة النص المبني على تراكم خبراتي من القراءة والمشاهدة والتحليل وبين نص مبني على قدرات اكتفى فيها الكاتب بما لديه فأسرع إلى تقديمه. أؤمن تمامًا أنّ الكوب الفارغ لا يسقي أحدًا وختامًا أقول دائمًا في كتابة السيناريو لنحتفظ بالأساسيات ونبدع في المتغيرات.

رؤية سينمائية

هيثم سليمان

سيناريست سينمائي وتلفزيوني

Careless7@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك