"أزمات الحداثة ومولدات العنف"

عبيدلي العبيدلي

يركز ملف العدد رقم 58 من مجلة "الديمقراطية" الصادر عن مؤسسة الاهرام المصرية في ابريل 2015، على قضية "أزمات الحداثة ومولدات العنف". ويستهل العدد مادته، بافتتاحية رئيس التحرير هناء عبيد التي تشير إلى أنه "بخلاف حديث التطرف الديني، يضع مفكرون آخرون العنف المتزايد الذي نشهده في سياق ظاهرة أشمل هي التطرف الأيديولوجي"، مؤكدة على أن "النفي المتبادل بين الدين والحداثة الغربية، مع شعور كل طرف بالاصطفاء والاستعلاء الأخلاقي على الطرف الآخر هو لب الأزمة".

أما دراسة العدد، فكانت من إعداد مدرس بقسم العلوم السياسية - جامعة القاهرة هبة رؤف عزت، التي تشخص حقيقة مهمة وهي "كون الدولة العربية مستوردة ... فالبنية مستوردة، والإطار القطري القومي مستورد، والجدل السياسي نفسه مستورد". وتعتبر أن "التصدع السياسي الذي اتضح في ظل انتفاضات الشعوب، والفجوة السياسية، التي نشأت عن تسارع عمليات التحديث على المستوى الاجتماعي وتراجعها على المستوى السياسي والاقتصادي، هما أحد أسباب تنامى العنف، كما يقللان من درجة قدرة الدولة الفعلية على الحكم".

وتلفت هبة إلى "إن كان على العقل السياسي اليوم أن يبحث عن مخرج من مأزق الدولة القومية، ويحافظ على سلامة واستقلال الكيانات السياسية بمعناها الشامل المتجاوز لنظم الحكم، فهل تكون البداية من تقديم صيغة للإدارات السياسية تفلح في تجنب مصير الانهيار"...؟.

أما "أزمة التعامل مع التيار الليبرالي" للأستاذ في معهد التدريب القومي بالقاهرة محمد عيسى، فتعتبر "أن التعامل مع ما يمكن تسميته بالتيار (الليبرالي) ... بين الشباب خاصة، يشكل إحدى العقد المستعصية التي تواجه مختلف القوى السياسية في مصر راهنا؛ تستوي في ذلك كل من قوى الوضع القائم بعد الثلاثين من يونيو، والقوى الأخرى التي احتفظت بمسافة معينة بعيدا عن هذا الوضع، تختلف من حالة إلى أخرى، وتتفاوت أسبابها، ظاهرةً كانت أو باطنة، (محذرا من ) أنه إذا كانت الطليعة المتقدمة للأقسام المشار إليها من الشريحة الديموغرافية-الاجتماعية (الشابة)، قد حافظت على مواقفها السياسية والحركية بثبات نسبى مشهود، طوال الأعوام الأخيرة المنقضية منذ 25 يناير 2011 بدرجة عالية، دون اهتزاز تقريبا، في مواجهة قوى عديدة متعارضة، بما فيها القوى التي أمسكت بدفة قمة السلطة الممارسة لاختصاصات السيادة العليا، وأدواتها العسكرية والأمنية الأساسية، فإن ثباتها على الموقف ذلك قد بلغ درجة أصبح التعامل معها يشكل ما يمكن اعتباره أزمة بمعنى معين".

ويزخر ملف العدد "أزمات الحداثة ومولدات العنف"، بمجموعة غنية من الدراسات مثل "الحداثة...مصطلح تطارده الشكوك!"، من تأليف أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة طنطا، الذي ينطلق من كون " الحداثة مصطلح تلوكه ألسنة المثقفين عادة، ويتصدر عناوين ندوات ومناقشات وجدل محتدم، (كي يؤكد على أنه) من المهم إدراك أن الاستخدامات الدلالية للحداثة في إطار زمني، وعقلاني، وعلمي، وظرفي أيضاً يريح العقل الإنساني من مغبة المكوث أو التفكير في الماضي الذى تجاوزه العقل في صورته الحداثية دون فهم لطبيعة الوعي الإنساني الذى لا يمكن تحجيمه في إطارات مرحلية أو ظرفية أو إيجاز حضوره الفاعل في الحداثة أو ما بعد الحداثة".

وفي ذات الملف، ينطلق مساعد رئيس تحرير "الديمقراطية" ضياء حسني، في مقالته "مأزق الحداثة وأزمة الديمقراطية" من مقولة أن "الحداثة هي عملية تكونت عبر قرون، منها ما هو سياسي (العلمانية والتمثيل الديمقراطي)، ومنها ما هو حقوقي-إنساني (حقوق المرأة- حقوق الإنسان)، ومنها ما هو اقتصادي-اجتماعي (توزيع عادل للدخل-مجتمع الرفاهة والاستهلاك).

كل هذا تم بفضل قوة الرأسمالية الدافعة عبر قرون من الزمن، لكن اليوم مع أزمة النظام الرأسمالي الهيكلية تتعرض مكتسبات الحداثة تلك لأزمة قد تلقى بظلالها على العملية الديمقراطية".

ويصل في ضوء هذه المقدمة المكثفة لمفهوم الحداثة إلى استنتاج مهم هو أن "عدم قدرة مجتمع الحداثة بأطيافه المتعددة على استيعاب الجميع داخله، يحول الديمقراطية لمجرد ديمقراطية صناديق، ويبشر بتوسع وازدياد نشر الأفكار والمواقف التي تعد تراجعاً عن منجزات الحداثة والديمقراطية، سواء كان ذلك مع عنصرية اليمين المتطرف، أو العودة لاستخدام الدين لأغراض استعمارية. هذا النكوص قد يولّد العنف سواء كان عنف الأقليات المسلمة داخل العالم المتقدم، كما هو الحال مع هجمات "شارل أبدو" الإرهابية في 7 يناير الماضي، أو عنف اليمين المتطرف كما هو الحال مع عنف هجمات النرويج عام 2011."

عند زيارة موقع المجلة على "الويب"، تطالعنا، دراسة في غاية الأهمية، لكنها غير منشورة في النسخة الورقية، من إعداد: معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية(EU Institute for Security Studies)، وتحمل عنوان "السيناريوهات الثلاثة لمستقبل العالم العربي في 2025".

وكما يشير الموقع، "تعد السيناريوهات الثلاثة استقراءً للوضع الحالي. ففي العام الجاري 2015، يمر العالم العربي بما يسميه التقرير (صدمة النظامية الثالثة) منذ عام 2011، ويواجه العديد من التحديات الصعبة. فالاضطرابات التي فاجأت العالم في عام 2011، والتي حدثت على المستوى المحلي، أدت منذ ذلك الحين إلى تداعيات إقليمية معقدة. ومن وقتها، تحول الاهتمام المحلي من التركيز على الجانب الاقتصادي إلى التركيز على الجانب الأمني، والذي ينفجر داخليا على مستوى المنطقة. وبالتالي انتقلت السياسة المحلية من أجندة الإصلاح إلى أجندة الأمن، متجاهلة بذلك حقيقة أن المسائل الاقتصادية كانت أحد أهم العوامل التي أدت إلى انتفاضات عام 2011."

ويحصر التقرير مستقبل العالم العربي في ثلاث سيناريوهات يسميها: "الأول-الاضراب العربي، الثاني-الانهيار العربي، الثالث-القفزة العربية".

ويخلص التقرير برصد عدد من السيناريوهات الأخرى "التي يصنفها على أنها غير محتملة الحدوث لكنها ليست مستبعدة".

تعليق عبر الفيس بوك