معرض الكتاب مرة أخرى

جمال القيسي

قلت في مقالتي الأسبوع الماضي عن معرض الكتاب الدولي في دورته الخامسة والعشرين في أبوظبي، شيئًا قليلاً، واليوم أقول إنّي بحثت في المعرض مليًا عن القارئ الذي دُبّجت له كل هذه الصحائف. وأقول إنّ كل المداد يغدو سقط سائلٍ أبله على ورق أصم إن لم يكن يحمل رسالة الحرف وسُّمو الكلمة، ولم أنس أنَّي في المقالة السابقة سألت الكاتب ومرة أخرى أسأله قبل كل هذا: لمن تُوقِّع؟

بحكم عملي الصحافي، لا بحكم رغبتي الشخصية المحضة الخالصة لوجه الله تعالى، ارتبطت بمعرض الكتاب طيلة أيامه ولياليه من 7-13 مايو الجاري، وكنت هناك أسمع ما لا يدل على كتاب، وأرى ما لا يُشير إلى مهمة ثقافية. وهذا ليس ذنب الجهة المنظمة ولا دور النشر ولا القارئ ربما، ولكن ظني، وليس كل الظن إثم، أنّ غالب الإثم يقع على الكاتب الذي بالضرورة هو المثقف والمنوط به القيام بالأعمال الحقيقية التوعوية اللائقة بالمنجز الإبداعي، والتي تشكل المهمة الثقافية والرافعة المعرفية على نحو يُعيد الاعتبار وماء الوجه للكتاب والقارئ ودار النشر.

لقد كان للكتاب العربي قيمته العليا، ولم يكن يصدر بمجرد الرغبة من أحد طرفي عملية النشر؛ مثل أن "يقع نشر كتاب" صدفة بمجرد رغبة مؤلف هاوٍ وموافقة صاحب مطبعة! لم يكن الأمر ليتم بسهولة على أي نحو مما "يقع" في هذا الزمن الذي صار فيه كل شيء يذكر بكم كان الماضي أفضل حالاً. كانت مُهمة إصدار ونشر كتاب عملية ليست سهلة مطلقاً فقد ظلت قيمة الكتاب منطوية على ما يقدم الكتاب الجديد من إضافة إلى ما تراكم من جنسه الإبداعي و/أو المعرفي ، أو أن يستطيع المنجز الجديد الوقوف، على الأقل، إلى جانب الإصدارات السابقة، ولم تكن دور النشر بغفلة عن عالم الثقافة أو دهاليز الإبداع، فغالبية الناشرين كانوا مثقفين من بيوت أدب وثقافة، ولم يكن من تحاذق أو تزكية شلة أو محسوبية لتمر على دار نشر أو تمرر لها شبه كتاب.

لم تكن دور النشر لتتسابق على "الفوز" بنشر كتاب ما لم تكن على قناعة أنّه الأكثر نصاعة ورصانة وبالتالي سيكون الأوسع انتشارًا، وكانت بعض الإشارات تفضي إلى النتائج فمثلاً كان الكتاب يعرفون بما ينشرون في الدوريات والصحف من مقالات أو قصص أو نقد أو سواه.

كان لدور النشر الدَوْر المهم واللافت في حركة صعود وترسيخ الأقلام العربية التي تستحق، ولقد أولتها مكانتها بحق، ولقد كان اسم دار النشر مهمًا، ويعطي الكتاب مفتاحا تعريفيا يبين أهميته، ولم يكن ذلك انتقاصا من الكاتب إذ دار النشر قبل ذلك تزهو بأنّها ناشر لكاتب بعينه، وحينها يُعرفان ببعضهما، ويكون ذلك التوحد اقترانا إبداعياً معرفيًا متكاملاً.

لم يكن هناك من يشغله كثيرا غلاف الكتاب والغلاف الأخير أكثر من محتوى الكتاب! لم يكن هناك من يدقق في أن يكون الغلاف ذا حروف ناتئة أو بارزة أو حادة الزوايا كي تزيد أهميته، كل هذا محض ضرب من أساطير الآخرين!.

لقد شهد معرض الكتاب التقاط الصور التذكارية أكثر بعشرات المرات من عدد الكتب المعروضة، كما شهد قصصًا وحماقات وحفلات غيبة ونميمة أكثر من ذلك، ولا أبالغ إن قلت إنّه شهد غربة بين الكتاب والقارئ أكثر من خارج المعرض زمانًا ومكانًا.

أين الخلل؟ هو السؤال الدائم. المثقف بالطبع. ولن تنفك أدواره السلبية عن إدانته، ولن تعفيه الأيام تقاعسه عن مهمته التنويرية الجليلة، فلو التزم بدوره العضوي لما حاق بنا ما وقع، وما كان لنا أن نقف كالغرباء أمام الكتاب العربي فيما العارضون وموظفو دور النشر الغربية المشاركة في المعرض كانوا يقرأون طوال الوقت، ولا يقطع حبل قراءاتهم سوى مراجعات السائلين عن كتاب!.

تعليق عبر الفيس بوك