الحب "الافتراضي"

مدرين المكتومية

"حبك لي حب افتراضي، وفاؤك لي وفاء افتراضي، وحده موتي الافتراضي حقيقي كالتنفس، أنا المرأة الافتراضية في أوطانٍ افتراضية، بتاريخ افتراضي مجيد، تخوض حروبا افتراضية بجيوش افتراضية على الإنترنت.. لكنها لا تزال تنشد،أمجاد يا عرب أمجا"... بهذه الكلمات الافتراضية بدأت الكاتبة الجميلة غادة السمان كتابها "الحبيب الافتراضي".. ولعل ذلك يتواكب مع ما نعيشه من عالم افتراضي اكتسح صفو أيامنا الجميلة التي كنا نعيشها بباقات ورد التوليب، والرسائل العاطفية التي كنا نكتبها ونعيد كتابتها آلاف المرات لنصل إلى ما نريد قوله على الرغم من أننا لا نصل أبدا...

في كل صباحاتي أستيقظ إمّا بمزاج جميل أو مزاج سيء ستوقف على ما دار في ليلة أمس وآخر ما وصلني من رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. أبدأ يومي باجتماع صغير مع نفسي، وأحاول أن أمكث دقيقة دون أن أفتش في هاتفي الصغير عن رسائل تجعلني أشعر بالسعادة.. أصبحت لا أصدق نفسي؛ هل فعلا سعادتي باتت مرتبطة بذلك الجهاز الصغير، وتلك الكلمات التي تصلني من كل اتجاه ومن مختلف البرامج.. بل ولا أدرك حتى مدى حقيقتها.. فقط أدرك شيئا واحدا وهو حجم وقعها عليّ..؟

حينما أتحدث عن الافتراض فإنني أعنى عوالم افتراضية اجتاحات كياناتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والعملية، وحتى الحياة العاطفية لم تسلم هي الأخرى من ذلك الاجتياح الغريب، لاسيما وأنّ كثيرا ممن يزعمون الحب ويكتوون بنار العاطفة ينتمون لهذا العالم، والذي ربما يعتبر أمام كثيرين مملكة جميلة يستوطنون هم عرشها، وفي حقيقة الأمر هي عبارة عن خدعة من وحي الخيال ونسيج الأحلام، المصيبة االكبرى أنهم يزعمون أنّها حقيقة وواقع، كما قيل "يكذب الكذبة ويصدّقها" مع أنّ كثيرًا منهم يدرك حجم النهاية ولكنهم يمضون إليها بأقدام نشطة وعيون مغلقة على أمل مفقود لا وجود له على أرض الواقع، وإن كانت هناك قصص نجاح قد سجلها مثل هذا العالم الافتراضي فإن قصص الفشل تفوقها مئات المرات.

دائمًا ما يقيم أصحاب تلك العلاقات في بيوت من خيوط العنكبوت، تستهويهم الحياة الافتراضية.. يعيشون الحزن والفرح.. الأمل واليأس.. الرحيل والعودة.. كل المشاعر التي يعيشها الإنسان الطبيعي خارج النطاق وهم بذا يخدعون أنفسهم بصورة قد تفوق العالم الواقعي.. يجدّفون بعيدًا عن المرسى ويتصوّرون عالمهم عاصفة لا تنتهي ترمي بهم لجزيرة مجهولة لا سبيل لتجاوزها، أو التكيّف للعيش فيها، حينها يستيقظون من سباتهم ليكملوا الرحلة البائسة على أرض الواقع وهي أنّهم كانوا أبطال قصة حب رفضها المجتمع، وعاشت في عالم افتراضي وماتت به؛ والمؤسف في الأمر أنّ تلك العلاقة لو قدّر لها النجاح وكتب لها أن تعيش في النور بعيدا عن الظلام فحينها قد يصطدم الطرفان بالشخصيّات المختبئة خلف ذلك العالم، فجميعنا نعلم أنّ في بداية كل علاقة لا يظهر الشخص جوانبه السلبية بقدر ما يظهر الجوانب الإيجابية أي يتجمل ويتدثر بكل ما هو حسن، وهذا لا نكتشفه إلا مع العشرة والتواصل الواقعي، فنبدأ بعزف أوتار الحزن والرحيل حاملين معنا ما تبقى من ذكريات موجعة ولحظات جميلة وخيالات واسعة، فيا من تعيشون حياة افتراضية، عيشوا الافتراض بالبقاء والرحيل والاندماج بقدر استطاعتكم؛ دون أن توجعوا مشاعركم؛ فأجمل ما نحمله بدواخلنا هي مشاعرنا فلا تخدشوها أبدًا.. فكما قالت السمان: " لم تكن جملة معترضة في حياتي، ولا فاصلة بين جملتين.. كنت حياتي كلها؛ نقطة في آخر السطر، وكلمة واحدة من أول السطر" أحبك".

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك