فكرنا الأدبي بين التطبيع والترقيع

هيثم سليمان

سيناريست سينمائي وتلفزيوني

Careless7@hotmail.com

إنّ المتأمل في مسيرة الفكر الأدبي الشبابي في وطننا العربي يجد الكثير من دواعي الأمل والسرور والفخر لما يرى من النتاج الفكري الأدبي الذي انتقل من مرحلة التقطع في الإنتاج والاطلاع إلى مرحلة الزخم والنوع الكمي فيهما. أصبحنا نسمع عن الكثير من المبدعين الشباب في مختلف مجالات الأدب المختلفة من الشعر بأنواعه والخاطرة والقصة القصيرة وحتى القصة القصيرة جدا ذلك النوع الأدبي الذي لم يألفه شبابنا العربي من قبل فأصبح ينتج فيه كبقية الشعوب التي سبقتنا في هذا النوع الأدبي. ولكن ومع كل هذه الإنجازات هنا وهناك ينبثق نوع من النقد، الترقب والاطلاع المدقق في مسيرة هذا الزخم الأدبي. هنالك عمليتان متجاورتان متلازمتان نلحظهما بين الفينة والأخرى في بعض الأعمال الأدبية، الأولى تأتي أو تظهر ضمن مرحلة النقد أو التحليل الأدبي لهذه الأعمال بينما الثانية تظهر في مرحلة الإنتاج الأدبي نفسه أو ما بعده حتى.

السؤال الذي يطرح نفسه غالبا في مرحلة النقد والحكم على الفكر الأدبي الشبابي العربي هو " من أين لك هذا". المصدر من أهم المثريات التي يثري بها أي كاتب ثقافته وفكره ومن ثم إتناجه وهذا الشيء لا يختلف عليه اثنان أبدا. أصبح شبابنا وفي الآونة الأخيرة يبحث عن مصادر أجنبية مختلفة أخص بالذكر منها الأعمال الأدبية المترجمة إلى اللغة العربية أو الإنجليزية إذا كانت منقولة من لغات أو ثقافات أخرى كالفرنسية أو الروسية. وكأنما الوعاء الأدبي العربي أصبح فارغا مما يمكن أن يستمد منه الأديب العربي الشاب مصدرا لعمله الأدبي. أين ذهبت كل المصادر العربية القديمة والحديثة - بدايات القرن العشرين- حتى يغفل عنها أو يتجاهلها الكاتب اليوم بداعي الحداثة وحب التغيير والرقي بأسلوب جديد ومختلف؟ ألم تعد أمّات الكتب العربية الأدبية مرتعًا خصبًا لاحتواء انطلاقة أدبية جديدة لهؤلاء الشباب؟ ولست أقصد هنا المزاوجة بين الأصالة والحداثة في منظومة الأدبي العربي وإنما نقطة انطلاق يستند عليها الكاتب في بدايته الأدبيّة حتى يعرف فيما بعد أنّ هذا الكاتب ذا هوية عربية، وذا جذور أدبية عربية واضحة وإن اختلف أسلوبه. الهوية هي ما فقده شبابنا في عملية التطبيع هذه. أصبح كتابنا الشباب يغلفون نتاجهم الأدبي بطابع وإن بدا رائعا جماليا مزخرفا قويا فهو هش قابل للكسر من الداخل عرضة للنقد من كل من هبّ ودبّ إلى درجة لا يستطيع فيها الكاتب نفسه أن يرد على ناقديه لأنّ " فاقد الشيء لا يعطيه" أبدًا. ومن هنا انطلق للحديث عن العملية الثانية وهي نتيجة حتمية للعملية الأولى "التطبيع".

بعد أن يقع الكاتب الشاب في الفخ الأدبي لنفسه ويكتشف أنّ نتاجه الأدبي مغلف بطابع ليس من جلدته، يندفع تلقائيًا إلى الاحتواء أو لنقل "الترقيع" فيلجأ في هذه العملية إلى طريق العودة للمصادر العربية (متأخرا) في وقت قد وقع فيه هو فخه الأدبي، ذلك الفخ الذي تشعر فيه أنك ذو أسلوب أدبي معيّن لست واثقًا منه فتلجأ إلى أسلوب آخر قد يكون قديمًا لأحد فطاحلة الأدب العربي فلا تستطيع المزاوجة أو الدمج بينهما وبالتالي يصبح نتاجك الأدبي خبط عشواء، مجهول الهوية والمعالم والاختصاص. يصعب على أي منا أن يرقع أناءً أحاطت به مئات الثقوب وأصبح عرضة لأن يكون فارغا في أي لحظة، وهذا هو حال مثل هؤلاء الكتاب الذين لم يعودوا يعرفون حتى كيفية ترقيع نتاجهم الأدبي فانتقلوا إلى خانة المشابهة والاقتباس أو التقليد التي نلاحظها كثيرًا منذ زمن بحيث يقال إنّ فلانا يقلد الشاعر الفلاني أو القاص الفلاني. هذا التقليد نفسه ما هو إلا نتيجة واضحة متدرجة لعمليتي التطبيع والترقيع هذه.

تعليق عبر الفيس بوك