تهيئة الأجواء لإنجاح قمة كامب ديفيد

عبيدلي العبيدلي

في واحد من تصريحاته الصحفية المتكررة التي سبقت انعقاد قمة كامب ديفيد الأمريكية -الخليجية، كشف وزير الخارجية السعودي، عادل بن أحمد الجبير، "أن قمة كامب ديفيد ستركز على ثلاثة محاور رئيسية تتناول التعاون العسكري ومكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الإقليمية، ومن ضمنها التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة". وفي سياق محاولته نفى أية خلافات بين الطرفين أكد الجبير أن تواجد "ولي العهد وولي ولي العهد في حدث خارج المملكة العربية السعودية في نفس الوقت أمر غير مسبوق، ودليل على الأهمية التي توليها المملكة لقمة كامب ديفيد".

وعلى نحو مواز سارع البيت الأبيض إلى نفي "أي قلق بشأن جدول الأعمال لقمة إقليمية يستضيفها الرئيس باراك أوباما في كامب ديفيد سواء قبل أو بعد أن غير العاهل السعودي خططه وقرر عدم الحضور"، مضيفا على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش ايرنست، "أن الولايات المتحدة واثقة من أن المسؤولين السعوديين الذي سيحضرون سيكونون قادرين على تمثيل بلدهم وتنفيذ أي قرارات تتخذ أثناء الاجتماعات".

بعيدا عن نكهة التفاؤل التي صبغت مواد الأعلام الخليجي والأمريكي على حد سواء، كما تشير إليها نماذج من تصريحات الجبير وإرنست، فهناك ما يشبه الإجماع على أن تلك القمة قد وئدت قبل أن ترى الحياة، بعيدا عن صدق نوايا المشاركين فيها، ورغبتهم الحقيقية في توفير مقومات نجاحها، اللهم إلا إذا اعتبرنا ترتيبات شراء المنظومة الدفاعية الصاروخية هي الهدف المشترك الوحيد، حينها تتراجع عناصر الفشل، كي تحتل مكانها مكونات النجاح.

ما يدفع المواطن الخليجي للتشاؤم بشأن نجاح مثل هذه القمة يعود إلى مجموعة من المؤشرات التي يمكن حصر الأهم بينها في النقاط التالية:

1. الوهن الذي بات ينخر جسد الإمبريالية الأمريكية التي لم تعد، كما يتمنى لها البعض، أو يتوهم بشأنها البعض الآخر، تلك القوى الفتية التي كانت عليه عشية انتهاء الحرب الكونية الثانية، أو حتى خلال فترة الحرب الباردة مع الكتلة السوفياتية، عندما كانت قادرة على إعادة رسم خارطة العالم وفقا لمصالحها الذاتية، وما يتلاءم مع استراتيجيتها الدولية، ضاربة عرض الحائط مصالح الدول الأخرى.

2. التمرد الخجول، في دوائره الضيقة، والامتعاض غير الصريح بين الحين والأخر، الذي باتت تمارسه بوتائر متكررة القيادات الخليجية تجاه المشاريع الأمريكية، والذي بلغ قمته إثر النتائج التي انتهت إليها محادثات طهران مع مجموعة (5 + 1) التي تقودها واشنطن، والتي جاءت لصالح ترطيب أجواء العلاقات الأمريكية - الإيرانية على حساب نظيرتها الأمريكية - الخليجية.ولعل في خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي للوفد الخليجي في قمة كامب ديفيد الكثير من الإشارات التي أرادت أن تبثها العواصم الخليجية في أروقة البيت الأبيض.

3. غياب طرف أساسي عن طاولة الحوار في كامب ديفيد وهو الوفد الإيراني، فطالما، وكما جاء على لسان الجبير، سيكون "مواجهة التحديات الإقليمية، ومن ضمنها التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة"، هو البند الرئيس، إن لم يكن الوحيد على جد\ول الأعمال، فمن غير المتوقع أن تتوفر العناصر الضرورية لنجاح قمة كامب ديفيد ووصولها إلى أهدافها، في ظل استبعادإحدى الجهات الرئيسة في معادلة الصراع القائم في المنطقة، وهي إيران.

4. الافتقاد إلى الأجواء الملائمة التي تحتاجها قمة بهذا المستوى تعالج موضوعات بمثل هذا التعقيد. والأمر لا ينحصر في التطورات التي تمر بها بالساحة اليمنية فحسب، فهناك أبخرة احتقان الأوضاع في سوريا، وعلى نحو مواز الانفجارات المتلاحقة في ليبيا التي لا تقل احداثها تهديدا لنسف أي مشروع يطمح لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بشكل عادل، يؤمن استقرارها للفترة القادمة. فما لم يتم وضع حد لكل هذه التوترات، أو يجري تقليص عوامل استمرارها، يصعب الحديث عن إمكانيات نجاح هذه القمة، أو جدوى نتائجها.

في ضوء كل هذه المعطيات، ربما كان من الأجدى اتخاذ مجموعة من الخطوات التي تسبق القمة يمكن حصر الأهم فيها في النقاط التالية:

1. اتفاق دول مجلس التعاون ذاتها على موقف موحد من التطورات التي عرفتها المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية، حيث ما تزال الجبهة الخليجية بحاجة إلى المزيد من التماسك في هذا الاتجاه. فمن غير المستبعد أن تبرز مثل هذه الخلافات، رغم ثانويتها وضآلة الحيز الذي تحتله في خارطة محادثات كامب ديفيد، لكنها يمكن أن تكون أحد عناصر فشلها.

2. توصل الطرف الخليجي العربي إلى حد أدنى من التفاهم مع طهران، فبغض النظر عن تضارب المصالح العربية-الفارسية، وليس السنية - الشيعية، كما يروج البعض، يفرض الفضاء الجيو - سياسي للمنطقة تخفيف حدة الصراع الإيراني - العربي، إذا اريد لهذه المنطقة أن تعرف الاستقرار المبني على أسس عادلة تحفظ الحقوق الدولية المشروعة لكل أطراف الصراع.

وما لم تتخذ مثل هذه الخطوات التي من شأنها تهيئة الأجواء التي تسبق هذه القمة، فمن المستبعد أن تحقق قمة كامب ديفيد أي من أهدافها السياسية، اللهم إلا إذا حصرنا هدفها في مسألة واحدة فقط هي إعادة تسليح المنطقة، بما يشمل منظومة الصواريخ البالستية، والتي ستساهم كثيرا في التخفيف من الأزمة الاقتصادية الممسكة بخناق واشنطن، وتساعد هذه الأخيرة على التخلص من كميات من الأسلحة المتكدسة الباحثة عن أسواق متلهفة.

تعليق عبر الفيس بوك