تعريب الربيع الفلسطيني

فؤاد أبو حجلة

لم يعد مقبولاً، من وجهة النظر الأمريكية، أن يكون الفلسطينيون خارج نطاق الفوضى وانعدام الأمل والموت المجاني في بلاد الربيع العربي، لأنّ إسرائيل التي اطمأنت إلى سيادة الخراب في المحيط العربي ما زالت على تماس مُباشر مع الحالة الفلسطينية التي تعيش ربيعها في الانتفاضات ضد الاحتلال وخريفها في مسلسل المفاوضات العبثية، وتظل تراوح بين المد والجزر في المقاومة، لكن هذه المقاومة هي الثابت الفلسطيني الوحيد الذي لا يتغير في "الربيع" أو بقية فصول السنة.

هذا الواقع لا يريح الأمريكان والإسرائيليين، لذا يسعون إلى تغييره بالضغط والخديعة السياسية.

في الأيام الأخيرة سمعنا حديثاً متزايدًا عن الانتخابات الفلسطينية، ولمحنا ضغوطا لإجرائها في الضفة والقطاع، وذلك "حرصاً على الديمقراطية" في مجتمع يخضع للاحتلال والقمع والتجاذبات المستفزة بين سلطته في رام الله ومعارضتها في غزة.

زار وفد الحكماء الدوليين رام الله وأكد رئيس الوفد وهو الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتسربت أنباء عن اتصالات وضغوط أوروبية على رئيس السطة لإجراء الانتخابات، وبدا وكأن الديمقراطية في العالم كله مهددة بالاندثار إذا لم تجر الانتخابات الفلسطينية قريبا!

وقد تزامنت هذه الضغوط مع اتصالات ومفاوضات تجريها حماس مع اسرائيل وتسميها "دردشات"، وهي تسعى بالدرجة الأولى إلى حصول إسرائيل على هدوء كامل في غزة وتأمين المعابر والحدود ومنع التسلل عبرها، مقابل حصول حماس على تعهد إسرائيلي بعدم شن حرب جديدة على القطاع المنكوب.

كما تزامنت هذه الاتصالات والضغوط مع تعزيز مواقع اليمين في حكم إسرائيل بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وبدء تنفيذ مرحلة جديدة وخطيرة من المشروع الاستيطاني اليهودي في أراضي القدس والضفة الغربية.

في الواقع لا تهتم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والعرب بالديمقراطية الفلسطينية، لكن أي انتخابات فلسطينية تجري في هذه المرحلة ستكون لها نكهة خاصة في ظل تململ الفلسطينيين في غزة من حكم حماس التي استولت على الحكم في القطاع بانقلاب دموي، وتململ الفلسطينيين في الضفة من حكم السلطة التي تؤكد براعتها في الحفاظ على الواقع السياسي والحياتي المزري، وتصر على إعدام البدائل المتاحة للتصدي للمشروع الإسرائيلي.

فلسطين ليست السويد ولا الدنمارك، والفلسطينيون يعرفون أكثر من غيرهم أن ما لديهم هو مشروع دولة وليس دولة متحققة ينبغي أن تلتزم بالممارسة الديمقراطية. لماذا إذن هذا الإصرار الأمريكي والدولي والإقليمي على إجراء الانتخابات الفلسطينية؟

نعرف ويعرف الأمريكان أن إجراء الانتخابات الآن سيؤدي إلى صعود حماس واستلامها السلطة في رام الله، لأن السلطة الحالية التي تعبث بكل شيء في الضفة لا تعبث بنتائج الانتخابات، ويؤكد تاريخها "نزاهتها" الملائكية في احترام نتائج الاقتراع. وقد كان "الرئيس الديمقراطي" محمود عباس حريصا على الاعتراف بنتائج الانتخابات التي حصدت فيها حماس سبعين بالمئة من مقاعد المجلس التشريعي لتحقق شرعية بديلة عن شرعية الانتماء الى منظمة التحرير الفلسطينية.

هذا الوضع، وهذه النتائج لن ترضي جموع الفلسطينيين من ذوي القناعات الوطنية وستؤدي إلى هبة شعبية في الضفة تصاحبها هبة شعبية في غزة من قبل الوطنيين المقموعين تحت حكم حماس ما يؤدي إلى فوضى وعنف لن تبرأ منه الساحة الفلسطينية في الداخل وفي الخارج لسنوات طويلة.

المطلوب أمريكيا وإسرائيليا هو تحويل شحنة الغضب الفلسطيني من الخارج إلى الداخل، وتفجير الاقتتال الداخلي بما يريح إسرائيل ويمكنها من مواصلة مشروعها التوراتي بلا مضايقات ولا تحدٍ ولا إزعاج. ولن يتحقق ذلك إلا بإجراء انتخابات يتواجه فيها شيوخ حماس مع عواجيز السلطة بينما تظل القيادات الوطنية والإصلاحية في سجون إسرائيل أو منافي العرب.

بهذه الفوضى يتم تعريب الربيع الفلسطيني تحت شعار الديمقراطية والانتخابات النزيهة.

تعليق عبر الفيس بوك