اليمن تحتاج إلى ما هو أكثر من جرعة هدنة مهدئة

عبيدلي العبيدلي

اليوم الثلاثاء الموافق 13 مايو 2015 تعرف الساحة اليمنية تطورا نوعيا في مسار حرب "عاصفة الحزم"، أو شقيقتها حرب "إعادة الأمل". فعلى المستوى اليمني الداخلي استجابت قيادة الجماعات الحوثية سوية مع قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح "على هدنة إنسانية مدتها خمسة أيام"، التي سبق وأن اقترحتها الرياض قبل أيام على لسان وزير خارجيتها الجديد عادل الجبير، ووافقه على ذلك نظيره الأمريكي جون كيري. لكن المثير في المسألة هو ما أكده الحوثيون بأنهم "سيردون على أيّ انتهاكات، كما دعوا إلى استئناف الحوار السياسي من حيث توقف برعاية الأمم المتحدة". وعلى نفس المنوال نوّه المتحدث باسم القوات الموالية للرئيس المخلوع -المتحالفة مع الحوثيين-العقيد الركن شرف غالب لقمان "إن القوات اليمنية وافقت على الهدنة ولكن سترد على أي هجمات من الموالين لهادي (الرئيس اليمني) في ساحة المعركة".

رأى معظم الأطراف الضالعة في الصراع المحتدم على الساحة اليمنية في دعوة الهدنة هذه خطوة إيجابية ربما تقود إلى انفراج، ولو نسبي، للمشكلة اليمنية بفعل الأسباب التالية:

1.توصلت جميع الأطراف الضالعة في المعارك المندلعة في اليمن، بأن الحل العسكري ليس هو الأمثل لإنهاء هذه المشكلة، ذات الأوجه المتعددة، التي ضاعف من تعقيداتها تزايد عدد القوى التي انخرطت فيها سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر. بل ربما يمعن الحل العسكري في تلك التعقيدات، ويُطيل أمدها، ويعرقل مساعي وضع حد لها.

2.رغبة جميع الأطراف المتقاتلة في وضع حد للنزيف المالي والعسكري الذي بات يرهق الموازنات المالية، وينهك المقومات الاقتصادية للقوى المشاركة في تلك الحرب من جانب، ويضني قدراتها الحربية من جانب آخر.

3.تحاشي احتمالات قوية بتدخل مباشر لقوى خارجية جديدة تحاشت، حتى اليوم، عمليات الزج المباشر بقواتها أو بقوات جهات متحالفة معها في ميادين القتال، الأمر الذي من شأنه توسيع دائرة الحرب، وتصعيد اوراها، وتعقيد الحلول المتاحة أمام الفرق المتصارعة فوق ساحتها.

لكن هناك سؤال ملح يفوق الهدنة في أهميته، يلفت الانتباه إلى أن، بغض النظر عن مدى صمود تلك الهدنة، أو طول الفترة التي سوف تستغرقها، قبل عودة المتصارعين إلى ساحة الحرب، ما هو المصير الذي ينتظر اليمن خلال تلك الهدنة، أو عند فشلها؟

ففي حال استمرار الهدنة، حتى وإن تخللتها بعض الخروقات الهامشية التي من غير المستبعد أن يقوم بها بعض الأطراف الطفيلية في الصراع، أو تلك الأكثر حماسا بين القوى المتصارعة، فسيدخل اليمن في نفق حالة من الاستقرار المزيف، شبيه بالرماد الذي تحته نار متأهبة للاشتعال في أية لحظة، بل ربما تكون في انتظار من يقرب ثقاب كبريت منها. وحملة أعواد تلك الكباريت كثر في اليمن اليوم. ومن هنا فإن استمرار الهدنة، خاصة عندما تكون هشة، لا يعني السلام، وهو ما أشار له وزيرا خارجية السعودية وأمريكا في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقداه في باريس. وعليه فالاعتماد على "الهدنة الإنسانية"، لا يمكنه، ولن يكون في أي يوم من الأيام الحل الأمثل لإنهاء اقتتال معقد كالذي تعاني منه اليمن في اللحظة الراهنة.

الاحتمال الثاني، هو عدم صمود تلك الهدنة، تحت أكثر من مبرر ربما يفتعله هذا الطرف أو ذاك ممن ليس في مصلحتهم عودة الهدوء إلى الأراضي اليمنية. حينها سيعود اليمن إلى المربع رقم واحد الذي كانت عليه الأحوال عند اندلاع شرارة الاقتتال. وعندها ستزداد المعارك حدة وضراوة، وسيتسع نطاقها كي تشمل على نحو أشد حضورا مناطق لم تصل إليها معارك الحرب التي سبقت تلك الهدنة.

انطلاقاً من ذلك، ورغم تأكيدنا على الحاجة إلى هدنة حتى وإن كانت تعاني من بعض الهشاشة، ومن أجل الوصول إلى حل يمني يحمل في أحشائه أبسط مكونات الصمود، أن يرافق دعوة الهدنة، مشروع مصالحة وطنية شامل متكامل ومنصف لجميع الأطراف، ينطلق أولاً وأخيرًا من المصلحة اليمنية القحة، التي تراعي متطلبات المواطن اليمني أولا، واليمن كدولة ثانياً وليس أخيرًا.

مثل هذا البرنامج ينبغي، إن أريد له النجاح، أن يتحاشى الغرق في العموميات، ويحرص على الدخول في تفاصيل دقائق الأمور والانغماس في حيثياتها، بحيث لا يترك أية مساحات رمادية تثير الخلافات من جديد، وتعيد الجميع للمربع رقم واحد. ولا يمكن لمثل هذا البرنامج، إذا أريد له النجاح، أن يقفز فوق القضايا اليمنية التي تقف وراء استمرار الاستقرار أولاً، ويضع صمامات أمان ذات درجة عالية من الفعالية لدرء الحرب ومسبباتها ثانيا.

الهدنة التي ستنطلق اليوم تعيد إلى الذاكرة ذلك النوع من الاستقرار الوهمي الذي بدأت ملامحه في فبراير 2012، عندما تخلى علي صالح عن السلطة، في أعقاب ما يربو على سنة من التظاهرات الدامية ضده شخصيا وضد مؤسسات حكمه الفاسد. حينها وجدناه يوعز إلى قوات تابعة له كي تسهل سيطرة الحوثيين على صنعاء وأنحاء أخرى من اليمن خلال 2014 و2015. نجح ذلك المخطط حينها في إشاعة أجواء هدنة مزيفة، كان الهدف منها كما نلمس اليوم خلط الأوراق وإدخال اليمن في فوضى سياسية واجتماعية تطورت إلى صدامات عسكرية، بدأت طلائعها تظهر في مطلع العام 2013.

ما تحتاجه اليمن اليوم أكثر من جرعة هدنة مهدئة، إنها بحاجة، كما أشرنا أعلاه، إلى حل يمني جريء وصادق يعيد لليمن استقرارها، وينعم على المواطن اليمني بالسعادة التي ضاعت منه ولا يزال يبحث عن طريق يهديه إليها.

تعليق عبر الفيس بوك