تحديات بيئة الاستثمار

حاتم الطائي

تبرز الآن الحاجة إلى التنويع الاقتصادي، أكثر من أي وقت مضى، بسبب الإسقاطات المباشرة لانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الوطني، هذا التراجع الحاد الذي يؤكد على أنّه لا يمكن الاعتماد على سلعة واحدة مهما عظمت مداخيلها في بناء اقتصاد وطني مستدام..

وهذا ما ثبت حاليًا بالدليل القاطع، حيث تعاني الاقتصادات النفطيّة، وخاصة في محيطنا الخليجي من صعوبات وعجوزات في موازناتها وبصورة تهدد طموحاتها التنمويّة، بل وتتسبب في إرباك حساباتها فيما يخص حتى الأولويات.

ورغم أنّ الحديث عن التنويع الاقتصادي في دول الخليج ليس بجديد، إلا أنه وحتى الآن لم تتخذ خطوات تنم عن جديّة حقيقيّة لتفعيل القطاعات الاقتصاديّة غير النفطية، والتي لا تزال مساهماتها في الناتج الوطني ضئيلة في بعض البلدان الخليجيّة النفطيّة، ولا تذكر في أخرى..

يحتم الواقع الحالي لانخفاض أسعار النفط واستقرارها في مستوى 60 دولاراً أن تعيد هذه الدول وفي مقدمتها السلطنة، النظر في تعاملها مع التنويع الاقتصادي ليس فقط باعتباره خيارًا استراتيجيًا، وإنّما ضرورة حتميّة لا مناص من تبنيها والعمل بمقتضاها للخروج من اقتصاد البعد الواحد.

ومجالات التنويع لدينا واسعة ومتعددة نظرًا لما تتسم به بلادنا من مقوّمات، وما تشتمله من إمكانيات.. فهناك الموقع الاستراتيجي المطل على ثلاثة بحار حيوية كما تشرف السلطنة على مضيق هرمز الاستراتيجي حيث تمر عبره معظم إمدادات النفط من الخليج إلى العالم. هذا الموقع يمكن استثماره كمركز لوجستي حيوي بالمنطقة، خاصة في ظل ما ترتكز عليه من جاهزية البني الأساسية من شوارع وموانئ ومطارات، ومن شأن هذا الاستثمار في الجغرافيا أن يوفر لنا عوائد اقتصادية مهمة ويخلق فرصا وظيفية، ويتعاظم مردود هذا القطاع إذا ما وضعنا في الحسبان التطوّر المرتقب في شبكة النقل بدخول مشروع القطار الخدمة في العام بعد المقبل. وليس من قبيل الصدفة، أن يأتي عنوان منتدى الرؤية الاقتصادي في دورته الرابعة التي تنطلق غدًا، تحت عنوان: "عمان .. فرص الاستثمار"، فالاستثمار أصبح ذراعًا أساسية في التنويع الاقتصادي، من خلال جذب رؤوس الأموال، وتوطين التقنية، وخلق قيمة مضافة للقطاعات الاقتصادية التقليدية؛ فقطاع الثروة السمكيّة على سبيل المثال، يمكن أن يشهد نقلة نوعيّة فيما لو تمّ التعامل بحرفيّة استثماريّة عالية تنقل الخبرات والمعارف لتطوير القطاع من التقليدية إلى آفاق الحداثة ذات العائد الاقتصادي الأمثل..

وكذلك الحال بالنسبة لقطاع السياحة، حيث يمكن أن يسهم الاستثمار فيه إلى مضاعفة مردوده الاقتصادي، نظرًا للإمكانيّات التي تتوفر عليها السلطنة من طبيعة جميلة، وتاريخ وتراث عريق، وتوفر الأمن والاستقرار..

وفي هذا الإطار يسلط منتدى الرؤية الاقتصادي الضوء على البيئة الاستثمارية وما تقدمه من فرص واعدة بالقطاع، بحضور مجموعة من كبار المستثمرين الخليجيين والعرب ليتعرّفوا عن كثب على مجالات الاستثمار ومزاياه بالقطاع السياحي وغيره من قطاعات اقتصادية.

والمنتدى يبحث كذلك في تذليل العقبات التي تعترض الاستثمار، من أجل تهيئة بيئة استثمارية جاذبة في ظل التنافس العالمي لاقتناص رؤوس الأموال..

إنّ المستثمرين يتطلعون إلى بيئة مهيأة، خالية من البيروقراطية لضخ استثماراتهم والإسهام في تطوير الأعمال..

ولعلّ في مقدمة متطلبات الاستثمار تسريع الإجراءات وتسهيلها من خلال القضاء على الروتين، وهنا يتطلع المستثمرون إلى تدشين نظام المحطة الواحدة في القريب العاجل لإنهاء جميع إجراءاتهم تحت سقف واحد وإلكترونيًا، بما يوفّر عليهم عناء التنقّل بين الجهات الحكوميّة.

ويوفّر قانون الاستثمار الأجنبي الحالي العديد من الامتيازات ويسمح بالاستثمار الأجنبي حتى نسبة 100%. كما يتيح حرية دخول رأس المال وخروجه من وإلى السلطنة، وحريّة تحويل الأرباح والأصول وغير ذلك من المزايا والتسهيلات مما يؤكد سلامة البيئة التشريعيّة للاستثمار في السلطنة، إلا أنّ العائق يطل برأسه أحيانًا في الإجراءات التطبيقية..

واستشعارا لأهميّة الاسثمار، تمّ تكريس منتدى الرؤية الاقتصادي في دورته الرابعة لمناقشة هذا الموضوع بالتركيز على ثلاثة قطاعات حيوية هي: السياحة والصناعات الغذائية والتخصيص والتمويل.

حيث ستطرح وزارة السياحة خلال المنتدى مجموعة من الأراضي السياحية المخصصة للاستثمار؛ مما يعد دفعة وحافزًا لتنشيط الاستثمار بهذا القطاع الحيوي، والذي ينطوي على العديد من الفرص الواعدة..

وكذلك الحال بالنسبة للاستثمار بقطاع التصنيع الغذائي، حيث يأتي التركيز على هذا القطاع لما له من أهميّة استراتيجية لدوره في تحقيق ميزتين أولاهما: توفير الأمن الغذائي، وثانيهما الإسهام في تدعيم الاقتصاد الوطني من خلال مشروعات طموحة بمختلف المجالات ذات الصلة بالغذاء سواء الزراعية أو السمكيّة أو الحيوانية..

إضافة إلى ذلك سيتناول المنتدى المجالات الحيوية للاستثمار، واستشراف مستقبلها، ومتطلباتها للإسهام الحقيقي في إرساء أسس التنويع الاقتصادي بما يعزز قدرة اقتصادنا الوطني على مقابلة متطلبات المرحلة المقبلة من التنمية، وصولا إلى الغايات المرجوة المتمثلة في ديمومة مسارنا النهضوي.

تعليق عبر الفيس بوك