مؤشر الإسلاميستي

فؤاد أبوحجلة

لم يفاجئني الكشف الذي حملته دراسة أعدها باحثون في جامعة "جورج واشنطن" ونشرتها "ذي جورنال"، وهي دراسة تتمحور حول معيار إسلامية الدول احتلت فيها أيرلندا المرتبة الأولى في تطبيق المعايير الإسلامية وفقا لتعاليم القرآن الكريم، وتبعتها في المركز الثاني الدنمارك بينما جاءت السويد في المركز الثالث، وغابت الدول العربية عن المراكز الأربعين الأولى ضمن قائمة بحث شملت مائتين وثماني دول.

اعتمدت الدراسة على أربع قواعد هي: الإنجازات الاقتصادية، والحقوق الإنسانية والسياسية، والعلاقات الدولية، وبنية سلطة الحكم. وكشف "مؤشر الاسلاميستي" أن أيرلندا والولايات المتحدة وبريطانيا كانت متقدمة في تطبيق نصوص القرآن الكريم على الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

بالطبع سيقفز متحمّسون من ذوي العصبيات السياسية المتطرفة إلى الاستنتاجات التي تدين الدول العربية والإسلامية كأنظمة حكم وتصور المجتمعات القائمة في العالمين العربي والاسلامي على أنها مجتمعات مقموعة يمكن اعتبارها ضحية للسياسات الحكومية الرديئة. وفي هذا الاستنتاج المدفوع بالقهر السياسي الكثير من السطحية والخفة في قراءة الدراسة ومؤشرها الذي يكشف عن خلل عميق في بلادنا، ليس في الحوكمة فقط ولكن في المجتمعات المسكونة بالصراع بين التخلف والتخلف المضاد.

وإذا كان واقع الحال يؤكد ابتعاد النظام العربي عن الحكم الرشيد، والتوظيف المقصود للتفسير الخاطئ للعلاقة بين الدين والدولة، بما يتناقض مع روح النص أو يخرج عن هذا النص لخدمة أهداف سياسية، فإن واقعنا يؤكد أيضا ابتعاد المجتمعات العربية عن الفهم العلمي للدين لخدمة أهداف سياسية لا علاقة للنص بها، الأمر الذي ساهم كثيرا في خلق واقع مزر يؤكده وجود حواضن مجتمعية في البلاد العربية لعصابات القتل والأرهاب الداعشي والقاعدي والنصروي.

في كل الأحوال جاء محتوى "مؤشر الاسلاميستي" صادما للكثيرين من الذين اعتقدوا أننا نختصر الاسلام ونحتكره في بلاد يزيد فيها عدد المساجد على عدد المدارس أو المستشفيات، ما دفع الكثيرين إلى التشكيك بنتائج الدراسة وآلية البحث الذي توصل إلى هذه النتائج المحيرة.

في المقابل لا يملك معلق مثلي الدفاع عن علمية وموضوعية الدراسة لأن هذا الحكم يصدره باحث مختص ولا يستطيع النطق به كاتب صحفي. لكن المسألة ينبغي أن تظل مطروحة للبحث، ولا بد من مبادرة باحثين عرب ومسلمين إلى إجراء المزيد من الأبحاث والدراسة المتعلقة بالمقارنة بين الوقع العربي والإسلامي من جهة وتعاليم الإسلام من جهة أخرى، وكشف التحريف والتوظيف الذي يتعرض له النص الديني من قبل النظم السياسية التي تلعب دورا وظيفيا في المنطقة، والمعارضات التي ترفع راية الاسلام وتنفذ جرائم تقشعر لها الأبدان، والمجتمعات التي تنقسم بين الداجن والمتطرف ويغيب فيها العقل والعدل وهما من أهم مكونات النص الديني ومحفزات النهوض الاسلامي.

مع اختلاف المرجعيات وانقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وتضارب الفتاوى المفصلة على المقاسات وحسب الطلب وانحسار نفوذ الشرع والتشريع أمام الانحيازات والعصبيات المذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية والقبلية يبتعد المسلمون عن الإسلام، ومع التطرف الذي يصور دين التسامح على أنه دين السيف والذبح يبتعد المسلمون عن الإسلام، ومع الفتاوى التي تبيح الاستسلام للعدو وتحض عليه يتحول المسلمون إلى بشر تابعين للآخر ومنقادين له.

كل هذا وأكثر منه موجود في بلادنا، وكل تشكيكنا في نتائج الدراسة لا يعني دحضها أو نفيها، فما لدينا لا يسر الصديق ولا يغيظ العدو، وعلينا الاعتراف بأنّ هناك خللا كبيرا وراء انحسارنا وتراجعنا في كل المؤشرات، وهو الخلل الذي نقلنا من عصر دولة الفتوحات إلى مرحلة الدول المفتوحة لرياح السوء.

تحديد مكمن الخلل مهمة الباحثين المتحررين من التبعية للنظم السياسية ومن الجنون الذي يتجلى في العصبيات المذهبية.

تعليق عبر الفيس بوك