نَم يَا مُوظف.. فَلرُبما يأتيكَ الأمل!

سلطان الخروصي

"الترقية" كلمة برَّاقةٌ تحمل بين ثناياها عبقُ الأمل والطموح والنماء الروحي والمادي؛ فهي تنقل الموظف من حالٍ إلى أحسنه كـ (برستيج) اجتماعي وأسري يبعث في النفس الطمأنينة والرضا، فيدفعه نحو الإبداع والإجادة في العمل، وقد أُثر عن نبي الأمّة قوله "أعطي الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه" فقد يكون لهذا الحديث صلة في صون الحقوق وإِجزالها لمستحقيها، وفي الآونة الأخيرة كثر الهرج والمرج حول ترقيات الموظفين وبالأخص من مستحقي (2010) بمختلف المؤسسات الحكومية؛ إذ أنّ الصورة أشبه بلُغزٍ مُبهمٍ يقتات به الموظف بين حين وآخر شذراتٌ من الأمل والرجاء يُخالجها أنهارٌ من الحسرة والبؤس، فحينما يوجه الموظف سؤاله لصُنَّاع القرار عن (حقه) في الترقية لا يجد سوى ابتسامة عريضة (ملونة) يتبعها توقيع السيد المسؤول (تأمّل خيرًا إن شاء الله!).

تطوي السنوات بعضها البعض كطيِّ السجل يوم الحساب، فهناك من الموظفين من قبع ست سنوات عجاف يترقب بصيص ترقيته المستحقة وغيرهم يكتوون بخمس سنوات ودفعات أخرى ستشرب علقماً من ذات الكأس يوماً ما إن ظل الأمر على حاله ولا عزاء لهم سوى أن يتحملوا أخطاء المسؤول بشماعة لا تُثقلوا الوطن بديون هو في غنى عنها في مطالبكم بالترقيات وكأن لسان الحال يقول "يوم غايته بنخبركم!".

ولكم أن تتخيلوا ردًا بهذا الفتور وهذه السماجة يُحقن بها وريد موظف رسم خُططاً زاهرة لمستقبله المبني على ترقيته القادمة، فكم من موظف اشتعل رأسه شيباً من الديون والالتزامات ويودُّ أن يلقيها عن كاهله، وكم من طامح يسترق الزمن لأن يؤسس مشروعاً صغيراً يتحيَّنُ أن تمر الأربع برداً وسلاماً على قلبه لكنه يتوسَّدُ خمس وست سنوات دون أن يلوح أمل في الأفق، وكم موظفٍ دخل في معمعة التجارة وقد خطَّ قلمه سيناريوهات دقيقة حتى موعد ترقيته وما بعدها لتتبخر تلك الأحلام وتؤول به إلى كوابيس مُفجعة يتجرَّعُ مرارتها ولات حين مناص.

منذ فترة وجيزة كان هناك حوار محتدم وشفاف بين مجموعة من الموظفين وأحد المسؤولين بالدولة حول مختلف المسائل المتصلة بالمشاريع التنموية لكن كان سيد النقاش هو "ترقيات الموظفين" وليس في ذلك إلا دلالة بيِّنة على ثقل هذه المسألة في الوسط الوظيفي والمجتمعي، إلا أنّ السيد المسؤول كان يحوم في دائرة مغلقة حول عدم توفر الاعتمادات المالية والآثار التي نجمت عن انخفاض سعر برميل النفط وكثرة المشاريع التنموية التي تنفذها الحكومة في سبيل تطوير البنى التحتية وغيرها من الكلام الجميل (المطاطي)، لكن السؤال الرئيس في الأمر لماذا تتم التضحية بالموظف على حساب مصروفات الدولة؟ وما السبب الذي دفع الحكومة إلى استخدام آخر حل (مشؤوم) من خلال التقشف على حساب الموظفين دون أن تُكلف نفسها النظر في الخيارات الأخرى؟

وحتى لا يكون حديثنا مبنيا على العواطف والسرد الإنشائي دعونا نُغرِّد بلغة علميّة وإحصائية ونعود قليلا إلى البيان الذي تلاه الوزير المسؤول عن الشؤون المالية بالدولة معالي درويش البلوشي أمام مجلس الشورى حول ميزانية الدولة للعام (2015) ولنقتبس بعض الفقرات التي تتصل بمحور حديثنا حيث قال: " لم يتم وضع مخصصات لتسوية ترقيات عام 2010" وأيضًا "ونؤكد على أنّه بالنسبة لترقيات الموظفين فهي مستمرة كالمعتاد من قبل جهات عملهم لكن مخصصات الموازنة تتم وفق الموارد المتاحة وتتوقف على تحسن أسعار النفط وعندها سننظر في الأمر"، وأضاف "في الخطة الخمسية الحالية حجم المشاريع 17 مليار وبها 5 آلاف مشروع وهذا حجم هائل وأنجزنا 40 بالمائة فقط من الخطة ونأخذ في الاعتبار قدرة الاقتصاد على الاستيعاب" وأيضا "لا مساس بمخصصات المشاريع المعتمدة ولا تفضل الحكومة خفض الإنفاق العام" وأخيرًا قال معاليه: "إن 85 بالمائة من عائدات السلطنة تأتي من النفط والغاز والعقود الموقعة مع الشركات تعد مجحفة وتظلم الأجيال المقبلة إذا استمرت هذه العقود التي تحقق أرباحًا هائلة للشركات ومن نفس المنطلق نطالب بإنهاء عقود بيع الغاز التي ترفض الشركات إعادة النظر فيها، كما نطالب بضرورة خفض الإنفاق على الدفاع والأمن"، من خلال ما سبق يطرح الموظف جملة من الأسئلة: لماذا معالي الوزير جعل من الموظف كبش الفداء لتخطي العجوزات المالية بالدولة في وقت يرى أنّ مقدرات الوطن تستنزفها العقود الهلامية التي تبرمها مؤسسات النفط والغاز والتي تمثل (85%) من مصادر الدخل الوطني؟ وكيف يوفق الموظف بين رؤية عاهل البلاد - حفظه الله ورعاه- أنّ بناء الإنسان أهم من بناء الحجر فلماذا معالي الوزير يستصرخ (لا مساس) بمشاريع الدولة بينما الموظف على دكة الاحتياط وهو رأس مال الدولة الحقيقي؟ وكيف يمكن الإيمان بمستقبل زاهر للخطة الاقتصادية العمانية المعلنة (2020) ومن بعدها (2050) في وقت تعجز فيه الحكومة حتى تاريخ كتابة هذا المقال عن إعطاء الموظفين حقوقهم بالترقية في ظل تراجع أسعار النفط؟ فهل مثل هذه الاحتمالات كانت مغيبة عن صُنَّاع القرار في مؤسسات الاقتصاد الوطني المختلفة؟، وما الدافع الذي يجرُّ المسؤولين بمختلف المؤسسات الحكومية بالدولة أن يُعلِّقوا شماعة "عسى خير إن شاء الله" عند مبادرة موظفيهم بالسؤال حول ترقيتهم في وقت لا يعرف عنها المسؤول ولا وزارة المالية المخولة بالبت في الأمر؟ وأخيرًا هل الحكومة مستعدة لتبعات مالية مهولة للدفعات القادمة على غرار دفعات التسعينيات التي أصبحت بعد حين رأيًا عامًا خلق صداعًا للدولة؟

ختاما.. إنّ مثل هذه التجارب تفرض على المسؤولين بالدولة ضرورة الاستفادة منها في إقرارالخطأ والسعي لمعالجته، وما وصل إليه بعض الموظفين من البؤس وانحسار الأمل لهو جدير بأن تُرَاجَع الخطط التنموية والاستراتيجيات الوطنية ضمن مشروعاتها الحديثة فالموظف رأس سنام الدولة فعليها أن تُقِرَّ عَينَه بالتحفيز والتطوير والرقي ماديًا ومعنويا، كما يجب ألا تُحمَّل الدولة تبعات مالية بعشرات الملايين لسوء تخطيط بعض من أولي لهم صِناعةُ القرار، فليس من الحق أن يُطبطَب على رأس الموظف بربابة النوم فتزداد فيه (شحوم) اليأس والضجر حتى يصبح الأمل "كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا".

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك