الحوار المُجتمعي

حاتم الطائي

يرصدُ المُتتبِّع للغة الحوار في المُجتمع العُماني، تطورًا نوعيًا على مستوى الطرح بمعنى أنّ الموضوعات المطروحة للحوار أصبحت أكثر التصاقًا بالشأن المُجتمعي والصالح العام، وأضحت أكثر عمقًا في التناول، مما ينم عن تطور الوعي المعرفي واتِّساع الأُفق الحضاري الذي يدفع إلى الخوض في الموضوعات التي تُهم الفضاء العام بمعرفةٍ وإدراكٍ بهدف الوصول إلى مُعالجات بناءة لهذه القضايا استشعارًا للواجب الوطني، ونهوضًا برسالة المُثقَّف في مجتمعه..

ومما يشرح الصدر أنّ الحراك الحواري في المُجتمع آخذ في التوسع ليشمل كافة الأطياف ومختلف الشرائح من شباب ومسؤولين، ونساء ورجال، كما أنّ هذا الحوار مُستمرٌ في الاتِّساع متضمنًا كل القضايا في جميع القطاعات من تعليمٍ وصحةٍ واقتصادٍ .. وغيرها من مجالات تهُم النَّاس، ولها تأثيرات وانعكاسات مُباشرةٍ على حياتهم..

شهد سقف الحوار هو الآخر تمددًا كبيرًا لتُطرح الآراء بحريةٍ، ويتم نقاشها في الهواء الطلق دون حجرٍ لفكر أو مصادرةٍ لرأي، الأمرُ الذي يعكس المستوى الحضاري والتَّقدم والرُّقي الذي بلغه مُجتمعنا..

وهو أمرٌ بقدرِ ما يُثير الغبطة في النفوس، إلا أنّه يتطلب المحافظة عليه من خلال عدم الإفراط والتفريط، وهذا لن يتأتى إلا بالالتزام بنهج الموضوعية، وإدراك جميع أطراف المُجتمع لمسؤولياتهم وضمن علاقة شراكة مجتمعية، في الحفاظ على هذا الحراك الحواري وتنميته، والتطبيق السليم لأصوله والتي تتطلب أهمية الإنصات للرأي الآخر، والبُعد عن شخصنة المواضيع، والنأي عن فبركة الأطروحات التي لا تخدم الشأن العام، وتُلحق الضرر بالسلم الاجتماعي.

إنّ من أخلاقيات الحوار المُتمدِن الاحتكام إلى مقولة "إنّ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" وعندما ندلي بدلونا في قضية ما، قد نخطئ لسبب أو لآخر، لكن عزاؤنا عندما نجتهد ونخطئ، أنّ دافعنا روح وطنية صادقة تسعى للوصول إلى حلول أفضل، ولها أجران إن أصابت، وأجر إن أخطأت..

علينا ألا نتحسس من الاختلاف، فهو عندما يكون صحياً يعد انعكاساً لقوة المُجتمع وثقته في نفسه، حيث إنّ المُجتمع المتنوع والديناميكي والغني بالأفكار والأطروحات هو الأقدر على مُقابلة استحقاقات التَّقدم والتعامل مع التحديات في إطارٍ عقلاني يضمن تجاوزها وتحويلها إلى فرص وبالتالي تحقيق قدر أكبر من النتائج على صعيد البناء التنموي.

وكما للحوار جوهر، فإنّه يجب علينا مراعاة أسلوبه ولغته حتى تصل الرسالة إلى المستهدفين بالشكل الذي يجعلهم يتقبلونها بإيجابية..

وهنا تأتي أهمية اعتماد لغة حوارية تخلو من التعميم والحدة والأحكام المطلقة، والبُعد عن المهاترات واستخدام المفردات غير اللائقة..

ومما يُحمد لمجتمع المتحاورين في عُمان أنّ لغتهم الحوارية سجلت تقدمًا مع ارتفاع نسبة المُتعلمين في البلاد، علاوة على ارتفاع سقف الحرية بفضل عوامل كثيرة منها تأثير الإنترنت وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وقد انعكس ذلك على تحسن الأداء اللغوي كثيرًا للعديد من الكُتاب والمُغردين على حد سواء. ويرتكز كل هذا على سمة الشخصية العُمانية التي لا تميل إلى استخدام المفردات غير المقبولة .. إضافة إلى حس وطني مُسؤول ومُتجذر في نفوس الكثيرين ممن يتصدَّون للقضايا الحوارية في المُجتمع، ونلاحظ ذلك في امتناع العديد من المُغردين العُمانيين عن الرد بنفس مستوى اللغة مثلاً حينما يحاول البعض في محيطنا الخليجي التعريض بالسياسة الخارجية العُمانية، نجد أنّ ردود مغردينا لا تتعدى حدود اللياقة، واحترام أصول الحوار، رغم أنّ المردود عليهم لا يتقيدون في غالب الأحيان بهذه الأصول.. وقطعاً أنّ هذه نقطة تُحسب لصالحنا وتُؤكد حضاريتنا التي ترفض الانسياق وراء سفاسف الأمور.

وحتى نُكرِّس هذه القيم الحوارية الإيجابية، ونُعمِّق غرسها في تربتنا الوطنية، علينا أن نرفدها بالمزيد من الممارسة العملية لنقل وتلاقح الأفكار في المُجتمع وعرض الأفكار المختلفة، والعمل على التوسع في المنابر التي تتيح طرح الأفكار وتبادلها ومناقشتها للوصول إلى الرأي الأمثل الذي يخدم القضية محل النقاش..

ولا شك أنّ الإعلام العُماني بأشكاله المختلفة، يلعب دورًا مهمًا وإيجابيًا في طرح الآراء والأفكار حول مختلف القضايا المُجتمعية وهناك الكثير من صفحات الرأي في صحفنا اليوم تشع فكرًا وحيوية، كما أنّ البرامج الحوارية في التلفزيون والإذاعة تقوم بدورها في إثراء ساحة الطرح إزاء كافة قضايا الوطن وهموم المُجتمع..

وهناك ينبغي تعزيز هذا الحوار المُجتمعي في مُختلف وسائل الإعلام عبر طرح المواضيع الهادفة التي تعني مسارنا التنموي وإعطاء المزيد من الفرص للشباب والأسماء الجديدة لتبرز وتُعبِّر عن آرائها كونها الشريحة الأكبر في المُجتمع والتي يُعوَّل عليها في تشرُّب القيم الحوارية الأصيلة وتفعيلها لخدمة الوطن حاضرًا ومستقبلاً..

ويُمكن لمجلس الشُّورى أن يقوم بدورٍ أوسع في مجال تعزيز الحوار المُجتمعي وتقريب وجهات النَّظر بين الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين ويُمكن للولاة في مختلف الولايات الدعوة إلى "سبلة السبت" لإحياء موروثٍ عُماني في الحوار والتشاور، وبما يُعزز التواصل بين الأجيال.

وتبقى أهمية الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي كمنبرٍ إعلامي واسع الانتشار، حيث الجميع مدعو إلى تعزيز ثقافة الحوار عبرها بما يخدم المُجتمع..

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي من القوة والتأثير بمكان، الأمر الذي لم يعد مقبولاً معه، أن تتجاهل مؤسساتنا الحكومية هذه الوسائل بل عليها أن تستثمرها في إقامة حوارٍ بناءٍ مع شركائها لتطوير العمل والارتقاء بالأداء..

ونخلص إلى أنّه تكمُن في الحوار الجاد أسباب التَّقدم، وعبره يستطيع مجتمعنا تحقيق المزيد من التلاحم الفعَّال بين مختلف أطياف المُجتمع بما يخدم مسارنا النهضوي.

تعليق عبر الفيس بوك