الهجرة غير الشرعية.. العدو القادم

عبيدلي العبيدلي

أعلنت الأمم المتحدة قبل يومين "أن 800 مهاجر غير شرعي لقوا مصرعهم إثر غرق سفينتهم قبالة السواحل الليبية.. مشيرة إلى أنَّ هذه الحصيلة استقتها من 27 شخصا نجوا من الكارثة ووصلوا إلى مرفأ كاتانيا في صقلية". وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ايطاليا كارلوتا سامي: "أجرينا مقارنات بين إفادات (الناجين)، كان هناك أكثر بقليل من 800 شخص على متن السفينة، بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاما. كان هناك سوريون، وحوالي 150 اريتريا، وصوماليون".

وتصاعدت أخبار ما أصبح يعرف باسم "الهجرة غير الشرعية"، خاصة تلك التي تنطلق من شواطئ بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط العربية، وباتت تشكل مشكلة عويصة للبلدان المرسلة والمتلقية على حد سواء. ومن الطبيعي أن يتضاعف عدد تلك الرحلات، وعدد من يركبونها، يدفعهم في ذلك عوامل كثيرة، من بين الأهم فيها، اندلاع الحروب في البلدان المرسلة، وانتشار البطالة في صفوف سكانها، وخاصة الشباب منهم، أو تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وحينها تشكل الهجرة إلى الخارج الملاذ الوحيد في ذهن ضحايا تلك الأوضاع.

ووفقا لإحصائيات المفوضية العليا للاجئين الأمم المتحدة، فإن "أكثر من 4600 سوري وصلوا بحرا إلى إيطاليا منذ شهر يناير وحتى أكتوبر 2013 بينهم أكثر من ثلاثة آلاف في شهر أغسطس فقط".

وعلى الصعيد العربي، تؤكد صحيفة الجارديان البريطانية في عددها الصادر في 9 أكتوبر 2014، أنَّ "الإضرابات وعدم المساواة في الوطن العربي تحول البحر الأبيض المتوسط لبحر الموت الأوروبي، إثر إقبال الشباب العربي على الهجرة غير الشرعية كحل للهروب من معاناتهم في بلادهم، (مضيفة بأن) أكثر من 3 آلاف لاجئي ومهاجر قتل خلال العام 2014 في محاولة للهروب من الحروب والفقر اللذان يفتكان بالقارة الأفريقية والشرق الأوسط، في إشارة إلى أن البحر الأبيض تحول إلى أيقونة لموت المهاجرين في أوروبا".

وبسبب الإقبال على هذا النوع من الهروب الجماعي الباحث عن حل لأزمته، راجت "تجارة الهجرة غير الشرعية"، وأصبحتْ تخضع لقوانين مافيات دولية غاية في التنظيم وتمتلك القدرة على التسلل في صفوف الدوائر الحاكمة لتسهيل مهمات التهريب والتحايل على القوانين. وتتراوح كلفة عمليات التهريب بين بلد وأخرى، ووفقا لوكالة "فرانس برس"، تعتبر "مصر الدولة الأقل كلفة حيث تتراوح كلفة الفرد بين 1500 و900 دولار أمريكي". وغالبا، كما تؤكد بعض المصادر الدولية "ما يدفع المهاجرون السوريون ثمن الصراعات بين عصابات الهجرة غير الشرعية التي يعمد أفراد منها إلى إغراق المراكب التي تبحر بواسطة عصابة أخرى".

ولا يقتصر الأمر على الفئة الشابة، عند الحديث عن الهجرة غير الشرعية. هذا ما تؤكده أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة المصري عزة العشماوي حين تقول: "إن أكثر الفئات ضحايا الهجرة غير الشرعية هم الأطفال والقصر ممن يستغلهم السماسرة والمجرمون، مستغلين فقر الأسر، وحالة الضعف والحاجة وغياب وعي الأسر بخطورة الجرم الذين يرتكبونه بالزج بأطفالهم في هذه المغامرة التي تؤدي بحياة أطفالهم، وتعرضهم لكافة المخاطر والتي يضيع معها مستقبلهم وحياتهم في بعض الأحيان".

ومن أخطر الأمراض الاجتماعية التي تولدها الهجرة للخارج هربا من الأوضاع الداخلية المتردية هو تخلخل التركيبة السكانية بسبب النزوح غير المنظم، خاصة في صفوف الشباب. هذا ما حذرت منه دراسة نشرها موقع العنكبوت (http://www.alankabout.com/lebanon_news/28204.html) بشأن المجتمع اللبناني الذي بات يعاني مما "يسميه الديموغرافيون عملية التعمير أو التعمُّر؛ أي ارتفاع نسبة كبار السن من مجموع السكان وانخفاض نسبة الأطفال (ومن ثم الشباب) في التركيبة العمرية للسكان؛ فمعدل عمر اللبناني المقيم مثلاً ارتفع من أقل من 19 سنة العام 1970 إلى أكثر من ثلاثين سنة اليوم، ومن المنتظر أن يصل إلى 45 سنة في 2040؛ أي بعد أقل من ثلاثة عقود... (وفي هذا السياق) أصبح عدد كبار السن (65 سنة وما فوق) الذي كان يشكل السنة 1970 أقل من 12 في المئة من عدد الأطفال (أقل من 15 سنة) يشكل 35 في المئة، وسيتجاوز عدد المسنين عدد الأطفال بعد أقل من ثلاثة عقود من الزمن؛ إذ تكون نسبة كبار السن من مجموع السكان قد ارتفعت من أقل من 8 في المئة اليوم إلى أكثر من 16 في المئة سنة 2040، بينما انخفضت نسبة صغار السن من 43 في المئة اليوم إلى أقل من 16 في المئة خلال المدة عينها".

وباختصار شديد، تطل الهجرة غير الشرعية على البلدان العربية كعدو قادم من الخارج تشجعه الأوضاع الداخلية المتردية، فطالما استمرت الأوضاع على النحو الذي هي عليه الآن، ستجد مافيات هذه التجارة ضالتها في شباب يائس يبحث عن فرص عمل، وفئة أخرى محبطة غير قادرة على التأقلم مع سوء الأوضاع السياسية جراء سياسات القهر والتمييز التي تمارس بحقها، دون أن نستثني من القائمة تلك الفئة المبدعة التي تخفق الأوضاع المتخلفة في بلدانها في إشباع طموحاتها العلمية والابتكارية.

محصلة كل ذلك، نزيف داخلي غير ملموس، لا يقود إلا نحو طريق واحد هو تحلل المجتمع بشكل تدريجي، والوقوع في أسر قوى دولية متربصة به، كي تواصل امتصاصها لأفضل ثمراته وهي شبابه المحبط الباحث عن بصيص نور يثير لأمل في نفوسه.

... سلاح ومعارك مواجهة عدو من مستوى الهجرة غير الشرعية مختلف عما عهدناه من أسلحة وحروب، لكن ذلك لا يعفينا من التهيؤ، هذا إن شئنا حماية أنفسنا، والدفاع عن حدودنا.

تعليق عبر الفيس بوك