الشورى.. انتخاب الكفاءة أم انتخاب الوجاهة؟!

د. سيف المعمري

لا تزال الشورى العمانية تتطور منذ بدايتها خلال عقدين من الزمان، شهدت خلالها كثيرا من التطور سواء على مستوى التشريع والإدارة، أو على مستوى المشاركة الشعبية، أو على مستوى نوعية المترشحين، أو على مستوى الدعاية التي يستخدمونها، هذا التطور يعكس المسيرة العمانية الجادة لإرساء مشاركة ديمقراطية منضبطة تلتزم بضوابط وقواعد تساعدها على بناء شراكة شعبية في عملية اتخاذ القرار الوطني بما يكفل تحقيق تنمية وطنيّة وفق اتفاق وإجماع وطني يكفل لها ضمانات النجاح.

إنّ فاعلية هذا المجلس تعتمد بدرجة كبيرة على مستوى كفاءة أعضائه، وهذه الكفاءة كانت على مختلف موائد النقاش خلال السنوات الماضية، حيث طرح الجميع أسئلتهم حول مستوى قدرة الأعضاء الحاليين على قيادة أهم مجلس في البلد في مرحلة مهمة من مراحل مراجعة مسار المواطنة ودولة المؤسسات التي ترتكز في المقام الأول على التشريع العادل والمتطور والحاكم لحقوق المواطنين ومسؤولياتهم، وكانت الإجابة عن أسئلة الكفاءة غير مرضية خلال الدورة الحالية، ليس انتقاصًا من أحد، ولا تقليلا من الجهد الذي حاول بعض الأعضاء بذله لتأدية واجب العضوية، لكن ربما لأنّ المهمة أكبر مما اعتقد البعض أو ربما لأنّ المضمون الذي تمّ تناوله فاق قدرة بعض الأعضاء، أو ربما هي عملية سياسية تتطلب مهارات دقيقة جدًا لم تتوافر لدى كثير من الأعضاء، فهل جعل هذا المواطنين يشعرون أنّ العمل البرلماني لا يجب أن ينتخب له أي أحد؟ سؤال على قدر كبير من الأهمية ونحن في مرحلة الانتخابات مرة أخرى، نريد من خلالها إلا نكرر الأخطاء، ونريد من خلالها إلا نساهم في تسطيح الممارسات الديمقراطية، نريد من خلالها أن نبني مسارًا وطنيًا ديمقراطياً، نؤمن من خلاله تعزيز حاضرنا ومستقبلنا، لا نريد يوماً أن تكون خيارتنا هي من تضعف الديمقراطية، فلا خير في جيل متعلم ومثقف إن كان هذا دوره، ولا خير في ديمقراطية لا تنشأ وتمارس وفق الكفاءة التي يحملها العضو الذي نقوم بانتخابه.

إنّ سيطرة الرغبة لدى البعض للوصول إلى كرسي الشورى تنسيهم التفكر قليلا في الأداور المتوقعة من هذا العضو، والأمر نفسه ينطبق أيضا على الناخب الذي قد تسيطر عليه النزعة القبلية فتجعله ينصر ابن قبيلته للوصول إلى المجلس سواء استحق أو لم يستحق شرف تمثيل المجتمع في مجلس القرارات المصيرية، إنّ عضو مجلس الشورى يجب أن يتمتع بالخبرة والكفاءة للتعامل مع الجوانب التشريعية والرقابية التي تتطلبها أعمال مجلس الشورى خلال هذه المرحلة، كالمعرفة بالتشريعات والقوانين المختلفة في السلطنة، والمعرفة بأهداف ومسؤوليات وسياسات المؤسسات الحكوميّة المختلفة ليتمكن من ممارسة الدور الرقابي لعضو المجلس، والثقافة العالية، كما أنّه لابد له قبل أن يكون متحدثاً لبقاً أن يكون متابعاً ومنصتاً جيداً، وقادرا على قراءة الأحداث وكذلك ما يدور في المجتمع، ومطلعا بشكل مستمر على المستجدات، عليه أن يقرأ ويرفع من مستوى معرفته في الجوانب الأخرى ويستعين بالخبراء من أفراد المجتمع عند دراسته لجانب غير متخصص فيه، فعضو المجلس مرآة عاكسة لرؤى المجتمع، ويجب أن يكونا مستعدًا لمناقشة القضايا المختلفة التي تناقش تحت قبة المجلس، ولابد أن تكون لديه معرفة جيدة وفهما بالجوانب القانونية، علاوة على ذلك عليه أن يكون اجتماعيًا ليتمكن من الاستفادة من الكفاءات المختلفة من أبناء المجتمع وكذلك استقراء تطلعات ورغبات أفراد المجتمع في الجوانب المختلفة، وذلك من خلال التواصل مع المجتمع بالطرق المختلفة، وعليه أن يدرك جيداً كيفية التعامل والتعاطي مع الإعلام لأنه بلا شك سيكون محط أنظار الإعلام وعليه أن يحسن استغلال فرص الظهور الإعلاميّة لإيصال الرسائل التي تخدم أهداف مجلس الشورى، أيضًا عضو المجلس لابد له أن يدرك سياسة بلده في الجوانب المختلفة، لأنه يمثل بلده عند الظهور في الإعلام أو من خلال مهامه الرسميّة خارج الوطن، بل وحتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهو مسؤول عن أقواله التي قد تأخذ في بعض الأحيان كوجهة نظر رسميّة.

ولذا لابد أن يسأل المترشّح إلى المجلس نفسه العديد من الأسئلة وبشفافية ومصداقية؛ لأنّها سوف تساعده على اتخاذ قرار بالترشح أو التراجع؛ فالهدف يجب أن يكون وطنياً لا شخصياً ينتهي بالوصول إلى المجلس، ومنها المهارات اللغوية، وأعني هنا قدرة المترشح على توظيف اللغة في التواصل مع مختلف أفراد المجتمع ومؤسساته، هذه اللغة تتطلب قدرة في اختيار الكلمات المناسبة في التعامل مع المواقف المختلفة، وهي لغة يجب أن تكون مؤثرة ومناسبة للمواقف التي تستخدم فيها، بحيث تساعد على نقل الرسالة دون مبالغة أو إساءة لأحد. وحتى ينجح مجلس الشورى في مواكبة الاتجاه الحكومي والشعبي نحو توظيف التكنولوجيا بمختلف وسائطها في مختلف المؤسسات والمواقف لابد أن يكون لدى الأعضاء مهارات تكنولوجية تمكنهم من أداء المسؤوليات المنوطة بهم، فلا يعقل اليوم أن يكون عضو مجلس الشورى أو أي فرد يؤدي مسؤولية وطنية بهذه الأهميّة وليس لديه مهارات تكنولوجية في زمن يشهد فيه العالم تطورا كبيرا في توظيف التكنولوجيا، وفي وقت تستخدم فيه كثير من برلمانات العالم التكنولوجيا على نطاق واسع، علاوة على تلك المهارات تبرز المهارات الاجتماعيّة لعضو مجلس الشورى حيث إنه لابد أن يتمتع بقدر كبير من فهم مجتمع الولاية المترشح عنها، كما أنّ المهارات القانونيّة أساسيّة لعضو المجلس لأنّ مهمته الرئيسية في المجلس هي التشريع والرقابة التي تتطلب القدرة على قراءة درجة التزام المؤسسات بالقوانين أو تجاوزها.

إنّ قرار الترشح لمجلس الشورى ليس قراراً سهلاً يؤخذ على عجل من قبل بعض الأفراد، بل لابد أن يؤخذ بعد الإطلاع على العديد من المعطيات المتعلقة بالمترشّح ومهاراته وقدراته المعنوية والمادية والثقافية، ومكانته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنّ هذا القرار يجب أن يؤخذ في ضوء متابعة والاطلاع الكافي لمهام مجلس الشورى وأعبائه، وأيضًا في ضوء شروط وضوابط قانون انتخابات أعضاء مجلس الشورى، كما أنّه لا بد من مراعاة المسؤولية الوطنية في اتخاذ هذا القرار فالبلد تعول كثيرا على أعضاء مجلس الشورى وصلاحياتهم في توجيه مسيرة التنمية الوطنية وتعزيزها في المرحلة القادمة التي يتوقع أن تشهد كثيرا من التحديات والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية، ولذا بقدر تواجد أعضاء على قدر كبير من المسؤولية بقدر ما تكون البلد قادرة على التعامل مع هذه المتغيرات، إنّ هذه الانتخابات تعتبر أساسًا لتقرير مدى وعي شعب بأكمله لقيمة الصندوق ولقيمة المجلس والديمقراطية، فإما أن نثبت أننا شعب ننتخب الكفاءة أو أننا شعب ينتخب الوجاهة، ولو انتخبنا الأولى فذلك تعبير عن مسؤولية وطنية، وحرص وأمانة على حق من أهم حقوق المواطنة، ولو انتخبنا الوجاهة فعلينا أن نتحمل نتائج قراراتنا وضعف الوعي لدينا، فالتاريخ يقول لنا اليوم إنّ الكفاءة وحدها من تصنع التقدّم، وأنّ الوجاهة لها تقديرها في المقام الذي لا يرتبط بمسؤولية كتلك التي نأمل أن يؤديها مجلس الشورى.

تعليق عبر الفيس بوك