الإنسان الحيوان

فؤاد أبو حجلة

بعيدًا عن داروين ونظريته العلمية في النشوء والتطور، لا أعتقد إطلاقًا أنّ الإنسان كان قردا، وإن كان بعض البشر يتمثلون القرود قي مظهرهم ويقلدونها في حركتهم.

نعم هناك بشر يشبهون القرود، لكن تشبه الإنسان بالحيوان لا ينحصر في هذه الكائنات خفيفة الدم، بل يتجاوزها إلى مخلوقات أخرى منها ما هو مؤذٍ وبشع وقذر كالذباب والبق والضفادع والحمير والخفافيش والعقارب والثعالب.

لدينا مثلاً الإنسان الذبابة وهو الشخص الذي يظل يحوم حول صاحب القرار ويصر على الالتصاق به فيحط مرة على أنفه ومرة على أذنه ومرة يتربع في فنجان قهوته ولا يبعده الهش ولا النش ولا الإهانة.

وهناك الإنسان البق وهو الذي يلتصق بالآخرين ولا يفك التصاقه بهم حتى لو تشبث بأحذيتهم.

ثم هناك الإنسان الضفدع الذي يقضي حياته متقافزاً من شخص إلى آخر ومن موقف إلى نقيضه. ويظل مبحلقاً باندهاش بشع في إنجازات الآخرين وهي الإنجازات التي يعيش في ظلها ويتقمصها عند الضرورة.

من البشر أيضًا من يتمثل الحمار، ليس في صبره وتحمله، ولكن في بلاهته وغبائه واستحالة قدرته على التعلم من أخطاء الآخرين ومن أخطائه، فيقضي حياته مطأطئ الرأس متهدل الأذنين.

هؤلاء لا يؤذون أحداً إلا أنفسهم، ويظل وجودهم بيننا مزعجًا لكنه ليس خطيراً ولا يمثل تهديدًا لحياتنا. لكن آخرين غيرهم يتحولون إلى حيوانات قاتلة، فالمتآمرون والإرهابيون الذين يتشبهون بالخفافيش حين يتحركون في العتمة يقترفون جرائمهم في الظلام ويختبئون في الكهوف السوداء وتظل عيونهم كما قلوبهم عمياء.

وكذلك فإنّ الإنسان العقرب الذي يلدغ القريبين منه هو إنسان حقير لأنه يستغل ثقة الآخرين به واطمئنانهم له. ليسمم حياتهم بلدغه القاتل.

أما الإنسان الثعلب فهو ذلك الكائن الذي يتميز بالذكاء الشرير، ويستغل دهاءه لتحقيق مآربه على حساب الآخرين.

وهناك أنواع أخرى من الإنسان الحيوان كالإنسان النعامة الذي يخبئ رأسه في التراب كي لا يرى الحقيقة والإنسان الدجاجة الذي يشله جبنه عن المبادرة والإنسان الخروف الذي ينساق وراء الآخر حتى لو كان ذباحه. وهناك أيضًا الإنسان الكلب الذي يكون وفيًا لصاحبه ولا يخونه.

ويظل تشبه الإنسان بالحيوان حقيقة مطروحة للبحث في دراسات علم الاجتماع، ومادة مطروقة في الإنتاج الروائي العربي وهو أمر طبيعي لا ينحصر في عرقنا بل يشيع بين أهل الأرض في عوالمها المتقدمة وفي مجتمعاتها البدائية أيضاً.

ما هو أخطر من كل هؤلاء هو الإنسان الشيطان الذي يتمثل إبليس وجنّد نفسه لخدمة الشر أينما عاش وأينما تحرك، وهو، وإن كان يستخدم بعض صفات الخفافيش والعقارب والثعالب، إلا أنّه يفوق الكائنات كلها في قدرته على الأذى، لأنه يتمسك بعادة بشرية خطيرة لا تعرفها الحيوانات، وهي الكذب.

الكذاب دائمًا شيطان ولا يمكن أن ينزع نحو الخير في أي زمان وفي أي مكان. وهو أخطر من الإرهابي لأنه لا يتوب، ولأن الكذب هو أصل الشرور.

ولأن الحياة العربية بلغت من السوء ما يفوق التصور فقد أصبح الكذب حرفة لها مشتغلوها، وانتشر الكذابون بيننا كالبكتيريا الضارة، وهم ينوبون عن الشيطان ويمثلونه في البيوت وفي أماكن العمل وفي الحكومات أيضًا.

لا بأس أن يتشبه الإنسان بالحيوان لكن مشكلته أنه حيوان "ناطق" وهي الصفة التي حرفها البعض ليصبح تعريف الإنسان "حيوان كاذب".

تعليق عبر الفيس بوك