مجلس الشورى.. انتخابات التعبير عن الإرادات

د. سيف بن ناصر المعمري

تأتي انتخابات مجلس الشورى للدورة الثامنة ليست كأي انتخابات شهدتها البلد منذ قيام المجلس في بداية العقد الأخير من القرن العشرين، فعقدين ونصف من عمر التحوّل إلى مشاركة شعبية في صنع القرار في عمان تجعلنا ننظر إلى انتخابات هذه الدورة بشكل مختلف منطلقين في ذلك من عدة معطيات لا يمكن تجاهلها في اللحظة الراهنة التي بدأ فيها موسم الانتخابات:

أول هذه المعطيات مرتبطة بنضج الوعي الديمقراطي، حيث إن النضج الديمقراطي مرتبط دائما بتراكم التجربة في عملية الأهلية في الترشح للمسؤوليات العامة وأيضا النضج في عملية الاختيار القائم على مراعاة المصلحة الوطنية بدلا من المصالح الفئوية الضيقة، وبالتالي فإن هذا النضج يفترض أنّه قاد إلى بناء وعي ديمقراطي يقود الجميع إلى اتخاذ قرارات أساسها المصلحة العامة، ولكن السؤال الآن هل قاد هذا التراكم إلى بناء الوعي المنشود الذي يقود إلى انتخابات ديمقراطية تثمر عن أعضاء قادرين على قيادة مجلس مهمته الرئيسية هي التشريع والرقابة؟ الإجابة عن هذا السؤال هو ما يأمل من هذه الانتخابات لكي تعكس هذا التحول وتعطي اطمئنانا للجميع بأنّ الجميع يشعر بالمسؤولية في هذا البلد.

وثاني هذه المنطلقات يرتبط بالتعبير عن الثقة في جدوى المسار الديمقراطي الذي يمثله مجلس الشورى، هذه الثقة مرتبطة بعدم الرضا عن الدور الذي قام به المجلس في الدورة الحالية التي كانت الدورة الأولى التي أصبحت فيها للمجلس أدوار تشريعية ورقابية، ومع ذلك لم يكن ذلك كفيلا برفع درجة الثقة في دور المجلس في ترشيد عمل السلطة التنفيذية التي لا تزال حتى الآن بعيدة عن أي تقييد لقراراتها وسياساتها التي يراها البعض لا تخدم التحولات التي تشهدها البلد في السنوات الأخيرة، وهذه الحالة من عدم اليقين حول أداء المجلس تلقي بظلالها على الانتخابات القادمة، فربما تؤدي إلى ضعف إقبال النخب والشباب على الانتخابات مما يبرز تحديًا كبيرًا في طريق هذا التحوّل الديمقراطي.. لدى القطاع العريض في البلد..

وثالث المنطلقات يرتبط بالمرشحين لعضوية المجلس والذين كان معظمهم في الدورات السبع الماضية من ضمن وجهاء وشيوخ القبائل الذين اعتبروا أنفسهم الأجدر لعضوية المجلس بحكم مكانتهم القبلية بغض النظر عن كفاءتهم في الجوانب الأخرى التي تتطلبها عضوية المجلس والتي تقتضي تمتع المرشحين بمهارات متعددة لغوية وعلمية وتكنولوجية حتى يتمكنوا من القيام بمهمتهم على أكمل وجه، وبالتالي هل تثبت الانتخابات الحالية أن الوعي تغيّر، وأنّ الخيرات ستقود إلى وجود مرشحين مختلفين في مؤهلاتهم وأوضاعهم الاجتماعية بما يعكس تغييرا للمجتمع.. وارتكازه على الكفاءة بدلا من الوجاهة، هذا السؤال على قدر كبير من الأهمية، والإجابة الإيجابية عليه سوف يجعل الديمقراطية في البلد معبرة عن مواطنة مسؤولة ومشاركة واعية. أمّا إذا كانت الإجابة بالنفي فذلك حتما لابد أن يقود إلى عملية مراجعة حقيقية للمسار؛ فوجود المؤسسات الديمقراطية لا يجعل الديمقراطية قوية إلا بانتخاب أعضاء قادرين على توظيفها لخدمة المصلحة الوطنية في ظل هذه التحديات والتحولات التي تشهدها المنطقة والعالم.

ورابع هذه المنطلقات مرتبط بالمجتمع المدني في عمان ودوره في تعزيز أسس الديمقراطية، فمؤسسات المجتمع المدني "حجر الأساس" للديمقراطية، من خلال ممارستها لهذه العمليات في إدارتها وأهدافها وتعاطيها مع الشأن العام، وبالتالي هل ستجري انتخابات الشورى القادمة بدون مشاركة واعية من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات العمالية، والفرق الثقافية والفكرية الناشطة في مختلف أرجاء البلاد سواء من خلال تقديم مرشحين ودعمهم، أو من خلال قيادة عملية بناء وعي يسهم في الوصول إلى خيارات مناسبة؟ هذا أيضًا سؤال جوهري وتحد مهم للانتخابات القادمة، فالمجتمع المدني عادة يقوم بدور كبير في تسريع عملية التحول الديمقراطي وإنضاج الممارسات القائمة، وتفعيل صلاحيات المجلس بوعي ومسؤولية.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك