لماذا أنت لست سعيدًا

زينب بنت محمد الغريبية

هل بالفعل أنّ الناس يفقدون الشعور بالسعادة في هذا العصر رغم أنّه العصر الذي أصبحوا يمتلكون فيه كل وسائل الراحة التي افتقدت إليها الأجيال السابقة؟ إنه سؤال يتطلب التفكير لأنه لا يرتبط فقط بالفرد بقدر ما يرتبط أيضًا بمجتمع بأكمله، لأنّ الشعور بالسعادة يجعل الإنسان يعمل بشكل أفضل، ويجعله يقيم علاقات اجتماعية ميزتها التعاون، والإخاء والمحبة، كما أنّه يحسّن صحة الإنسان، ويجعله مندفعًا للحياة يستمتع بكل جزئياتها وتفاصيلها اليومية.

قد يرى البعض أننا عندما نتحدث عن السعادة فنحن نتحدث عن قيمة نسبية في الحياة الإنسانية، تختلف بالنسبة للفرد في مواقف مختلفة، فالشيء الذي يُشعر بالسعادة مثل التفاف الأصدقاء حوله قد لا يكون مصدر سعادة لو زاد عن الحد المعقول، وأثّر في إحساس الإنسان بالخصوصية والاستقلالية، والحصول على أشياء مادية يود الإنسان اقتناءها ربما تثير البهجة في نفس الإنسان ولكن لاحقا لا يكون لها نفس التأثير إذا قارن هذا الإنسان ما يملكه مقارنة بما يملكه صديقه أو صديقتها أو زميله في العمل أو زميلتها، مما يفقد الإنسان متعة السعادة على الرغم من أنه يحظى بكثير من وسائل الراحة العصرية أو الأشياء المادية التي أيضا يتمناها آخرون ويعتقدون أنهم لو حصلوا عليها سوف تكتمل سعادتهم، ولكن هل بالفعل سيكونون كذلك؟ تكشف الدراسات أنّ الإجابة صعبة جدا فقد يجلب لهم المال الذي يحصلون به على الأشياء السعادة وقد لا يجلبها فهو في النهاية مجرد وسيلة، أو وسيط للسعادة ولكن لا يتمكن دائما من جلبها للإنسان.

إنّ السعادة أصبحت مؤثرة جدًا في التنمية في العالم، أو هي الغاية النهائية للتنمية حيث يشعر المواطنون في أي بلد أنّهم سعداء، ونظرًا لهذه العلاقة الشائكة بين السعادة والتنمية، اهتم بها كثير من الباحثين عبر العالم، الذين حاولوا تحديد العوامل التي تجعل الناس سعداء، هل هو المال فقط؟ أم هي عوامل أخرى؟ ومن الدراسات التي أصدرها علماء النفس الأمريكيون حاليُا دراسة بيّنت أنّ المال والشهرة ليست هي وسائل جلب السعادة، فالثراء الفاحش والشهرة التي ترافقه خصوصًا عند غير المعتادين عليها كربح اليانصيب أو الجوائز المالية من البنوك قد تكون منفرة للسعادة، بل إنّها إحدى الباحثات في هذا المجال وتدعى الدكتورة بيدويل؛ وتؤكد أن هناك دلائل وشواهد كثيرة تشير على العدد المتزايد من الأثرياء غير السعداء وعلى الأخص أولئك الذين لم يولدوا وفي فمهم ملاعق الذهب والفضة، وبالتالي يظل السؤال ما الذي يدفع الإنسان إلى أن يكون سعيدا؟ وجد هؤلاء الباحثون أن مصادر السعادة داخلية نابعة من داخل الإنسان ممثل الشعور بالاستقلالية والاعتداد بالذات والرضا عن النفس، وبالتالي هذه مكونات تدفع سعادة الفرد الشخصية إلى أعلى مستوياتها.

لقد استمر علماء النفس يبحثون في مسببات السعادة للإنسان وخرجوا لنا بمعادلة قالوا إنهم توصلوا إليها بعد دراسات استمرت سنوات طويلة، والمعادلة تتكون من الاستمتاع زائد الانغماس زائد المعنى، وبالتالي من يكون منغمسا في هواية ما أو عمل ما سوف يجعله مستمتعا لدرجة السعادة ويمنح معنى لحياته، لأنه عندما ينغمس الانسان في العمل ويشعر أنه يحقق أشياء مميزة بداخله، ويساعد على نمو مؤسسته، وبالتالي ينصح علماء النفس بهذه المعادلة لتحقيق السعادة لأنها تمنح سعادة إضافية بنسبة 10% إلى 15%، وبالتالي نحن بحاجة إلى أن نعيد تقييم درجة انغماسنا في عملنا ودراستنا لأنّ جزءا من فقدان الشعور بالسعادة لدى الكثيرين هي أماكن العمل، وذلك يعود لعدم انغماس كثيرين في الأعمال التي يقومون بها، فمعدل إنتاجية الإنسان العربي اليومية حسب إحصاءات اتحاد التنمية البشرية لا يتعدى 25 دقيقة في اليوم، وهو معدل متدن جدًا، ويشير إلى أن الإنسان لا يستمتع بأعماله، وليس لديه استعداد للانغماس فيها، مما يشعره بعدم السعادة، وكذلك الأمر ينطبق على الدراسة التي يذهب إليها البعض من أجل الحصول على الشهادة وبالتالي فهم لا ينغمسون ويستمتعون بأوقاتها ويجعلون لها معنى كبير في حياتهم يمنحهم السعادة التي ينشدونها، وأمام هذا الشعور بعدم السعادة كيف يمكن تحقيق الاتزان على المستوى الفردي والجماعي؟ هل نغير اتجاهات الفرد أم نغير المؤسسة لتكون داعمة للفرد من أجل تحقيق السعادة؟

هذا سؤال على قدر كبير من الأهمية لأنه مربتط بالدعم الاجتماعي للإنسان حتى يحقق السعادة، ولقد اعتبره تقرير الأمم المتحدة أحد المؤشرات لمقياس السعادة الذي نشرت نتائجها في عام 2013م، بالإضافة إلى مؤشرات تتكون من قوة الدعم المجتمعي ومستوى الفساد والحرية التي يتمتع بها الفرد حيث ظهر من هذا التقرير أنّ الشبكات الاجتماعية القوية هي أحد العوامل القوية للسعادة، وبالتالي كان لابد من مراجعة العلاقات الاجتماعية سواء على نطاق المجتمع أو على مستوى بيئات العمل، لأنّ وجود علاقات وشبكات اجتماعيّة محبطة داخل مؤسسات العمل تولد شعورا بعدم السعادة، مما يعيق الفرد عن الاستمتاع بالعمل، ويجعل الإنتاجيّة تقل؛ مما يكون أثره بالغًا في النمو الاقتصادي للبلد الذي تشرف عليه هذه المؤسسات، وربما يكون مناسبا أن نضع مقياسا لأفضل مؤسسة يشعر فيها الموظفون العمانيون بالسعادة، وأقل مؤسسة توفيرًا لمقوّمات السعادة، لأنّه من أجل تعزيز التنمية لابد من توظيف مدخل بناء السعادة داخل المؤسسات الحكوميّة والتعليمية ليس بمنح الحوافز والمكافآت فوحدها لا تمنح سعادة كما أكدت الدراسات ولكن بالتقدير والاعتراف بالإنجاز وعدم الإقصاء، وبالاهتمام من قبل متخذي القرار.

أمّا على الصعيد الاجتماعي فيبدو أنّ ضعف الإحساس بالسعادة هو نتيجة لتغير المجتمع، وتغير العلاقات الاجتماعية بشكل لم يعد يمنح الفرد كما يرى البعض السعادة نتيجة لسيطرة المقارنات والمباهاة، والشعور بالنقص لما لدى الآخر، مما يضعف من العلاقات الاجتماعيّة الداعمة لتحل محلها العلاقات الاجتماعيّة المحبطة، مما يتطلب إعادة نظر من أجل وجود مجتمع متزن يشعر بالسعادة بالأشياء البسيطة التي يملكها، لا بالتطلع لما عند الآخرين، فالحياة الإنسانية تتفاوت فيها الفروق والإمكانات، وإذا أراد الفرد أن يكون سعيدًا فعليه أن يبدأ في الاستمتاع بتفاصيل الحياة اليومية البسيطة التي يمر بها، لأنّه من لا تمنحه الأشياء البسيطة السعادة فلن تمنحه الأشياء المادية الكبيرة إيّاها، فالسعادة قناعة بأنّي أملك أشياء جميلة قد لا يملكها آخرون، أو لأنّها تتناسب مع إمكانياتي وقدرتي على العمل والكفاح.

قد كشفت الدراسات أنّ أعلى معدلات السعادة لدى الناس توجد في الدول الأسكندنافية حيث جاءت الدنمارك في المرتبة الأولى، ولابد أن نسعى كأفراد وكمجتمع وكحكومة ما الذي جعل الناس في هذا البلد الأعلى سعادة؛ فربما معرفتنا تجعلنا نعمل من أجل تحقيق أعلى معدل سعادة في العالم، وهذا هدف يجب أن يتصدّر قائمة أولويات الخطة الخمسيّة القادمة، كما أنّه لابد أن يكون هدفا لكل فرد يقيّم دوره في تعزيز سعادته وسعادة المجتمع من حوله، لأنّه لا سعادة يمكن أن تحقق بدون وعي على المستوى الفردي.

إنّ تحقيق الشعور بالسعادة يرتبط به كل شيء من تقدم وتنمية واستقرار وإنجاز وابتكار واختراع، فلنبدأ العمل من أجل مجتمع يتمتّع بدرجة عالية من السعادة.

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك