القبس السامي في أرض الرياضة

المعتصم البوسعيدي

"كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غدًا سيشرق الفجر على عُمان وعلى أهلها" وأشرقَ فجرها يا سيدي وظهر الحب على الأرض وانثال الوعد عذبًا يروي ظمأ اليباس، ويطهرُ النفوس العطاشَ، ولعمري إن الطيور رفرفت نحو أرضكم وأنت تناجي الشعب في البيان التاريخي الأول بلغة لا يفهمها إلا صناع الحضارة، ثم تذكرهم في خطابك عبر أثير الإذاعة في التاسع من أغسطس من العام 1970م بما قلته عند وصولك لمسقط بعد تولي جلالتك لمقاليد الحكم "إن الحكومة والشعب كالجسد الواحد"

"إن عملية البناء شاقة وتتطلب الكثير من الجهد والتضحيات" وتلكمُ هي البداية التي ما انتهت يا سيدي فالجهد والتضحيات ينصهران من رؤاكم المتجددة، ويدفعان الوطن بأمكنته وبشره نحو عُمان التي حلمتم بها، نحو عُمان التي آمنتم بها، نحو عُمان التي قلتم في عيدها الوطني الأول المجيد "غايتنا النهوض بمستوى شعبنا ورفعة شأن بلادنا" وأكدتم هدفكم السامي بقولكم في العام 1972م "أن نرى عُمان وقد استعادت حضارتها الآفلة وقامت من جديد واحتلت مكانتها العظيمة" وأن ترى " العُماني يعيش في أرضه سعيدًا كريمًا" وحتى يكون كذلك لم "ترم السمكة له" بل "علمته كيف يصطاد" وركزت على تأهيل الشباب وإكسابهم المهارات اللازمة لأنّهم "رجال المستقبل" وأعلنتها صريحة بقبس كان للرياضة نورًا منه حين قلت في خطاب العيد الوطني الثاني المجيد وأنت تسطر بكلماتك المضيئة دور وزارة الشؤون الاجتماعية ــ آنذاك ــ "فلقد أنشأت دائرة خاصة لخدمات الشباب ورعاية وتنظيم نشاطاته الرياضية والاجتماعية والثقافية والفنية".

بعد أن ثُبتت ركائز الدولة وطُهرت البلاد اختار جلالته الانتقال "من فترة تاريخية باتت من تاريخ الماضي إلى مرحلة.." تاريخية حديثة، ساعيًا فيها لتمكين الشباب من استيعاب "حضارة" البلاد "وتراثها التاريخي العظيم" فظهر التشكيل المستقبلي للرياضة العمانية عبر خارطة المشهد "البانورامي" للنهضة، وهذا ما أكده خطاب العيد الوطني السابع المجيد "وفي إطار رعايتنا الخاصة التي نوليها لشبابنا، فقد وافقنا على إعداد دراسة لإنشاء مجمع رياضي كبير، على مستوى عالمي، فضلاً عن خطة وزارة شؤون الشباب للتوسع في تنمية مواهب شبابنا وقدراته وتدريبه" مع الحث على إلهام المواهب والطاقات ببطولات الآباء والأجداد الذين أفنوا أعمارهم للحفاظ على مكتسبات الوطن الضارب في العمق التاريخي.

القدر الجميل للرياضة تجلى في خطاب مولانا بالعيد الوطني الثاني عشر المجيد واكتسى أهمية بالغة ولعب دورا محوريا لإيجاد كونًا لكينونتها الفتية "وسنبدأ خلال العام القادم بإذن الله في إقامة مدينة رياضية متكاملة، كما أنشأنا مجلسًا أعلى للشباب برئاستنا، ونعتزم جعل عام 1983م عامًا للشبيبة العمانية، وتخصيص عيدنا الوطني القادم لشبابنا، وذلك كله بهدف إبراز دور الشباب وإتاحة الفرص أمامه للاضطلاع بهذا الدور على نحو إيجابي وفي كافة المجالات" لله درك يا مولاي فقد حددت المنهج بقبس كلماتك المرسومة في عتمة الأشياء التي كانت لوقت قصير ــ حينها ــ أمنيات عاشق "عذري" أضناه السهر، ثم كان افتتاح جامعة السلطان قابوس خطوة أخرى تعزز من قيمة الشباب والرياضة، ولا ريب أن التعليم هو الأساس الأقوى لدفع الرياضة نحو عالم يحقق أرباح نموه واستمراره بمؤشر متصاعد، وعلى هذا فقد شهد عقد الثمانينيات إنجازات رائعة كذهبية البطل محمد المالكي، وتتويج نادي فنجا بطلاً لكأس مجلس التعاون الخليجي للأندية أبطال الدوري بالبحرين 1989م وهي المرة الأولى والوحيدة حتى الآن.

مع بداية العقد الثالث من النهضة العُمانية المباركة قفزت الأحلام للطموحات التي بينَ جلالته ـ أعزه الله ـ كيفية تحقيقها في العيد الوطني العشرين المجيد "إن الطموحات العظيمة للأمم والشعوب لا تتحقق صدفة أو بالاعتماد على الآخرين، وإنما تتحقق بالاعتماد على النفس والعمل الدؤوب، والجهد الخلاق المبدع" وبمنطق الرياضة فإن "الكرة" أضحت في ملعب الشباب ليتحملوا مسؤولياتهم ويبذلوا الغالي والنفيس "لتسجيل الأهداف" برفع العلم ونيل مراتب الشرف للوطن وللذات وهو أمر يؤكد عليه جلالته في كل آن حيث قال: "فالمسلم الحق يجب أن يكون قوة منتجة يستفيد منها المجتمع" مستشهدًا بقوله تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) قبل أن يُعلن عن عام جديد للشباب في العام 1993م لإبراز دورهم وتوفير العناية لهم، ودعم أنشطتهم الرياضية وغيرها من المجالات، وأعتقد أن رياضة التسعينيات استوعبت مضامين التوجيه السامي فرأينا تطورًا في البنية التحتية واحتضان لفئات المراحل العمرية التي رفعت من سقف الطموحات بوصول منتخب الناشئين لكرة القدم لثالث آسيا في عام 1994م، ثم أتبعه برابع العالم في ملحمة الأكوادور 1995م وتتويج محمد عامر كأفضل لاعب في البطولة وأفضل ناشئ في آسيا في ذات العام، كما نفض المنتخب الأول غبار السنين في بطولات الخليج ابتداءً من كأس الخليج 14 قبل أن يواصل التقدم لمنصات التتويج.

الألفية الجديدة حملت معها بشرى فوز منتخب الناشئين لكرة القدم ببطولة آسيا بتايلند، لتنطلق المسيرة الرياضية كما أراد لها راعيها الأول مولانا السلطان ــ حفظه الله ورعاه ــ الذي أدرك أنّ العمل أصبح لا يحتاج لتوجيهات مباشرة بقدر ما هو مشاريع تنموية قائمة في دولة المؤسسات التي حُددَ مهامها وعملها وهي "ماضية في طريقها المرسوم" نحو المستقبل "الذي ينبغي أن يكون مدار تفكيرنا وتخطيطنا" وذلك بالتسلح "بالعلم والعمل والإدارة الصلبة والدعاء إلى الله بالتوفيق" فازدادت البنية التحتية الرياضية بفضل افتتاح إستاد السيب والسعادة ومجمع البريمي، ومع هذه الألفية أيضًا قدم المنتخب الأول لكرة القدم نفسه بصورة مُدهشة كللها بالفوز التاريخي بكأس الخليج في العام 2009م، إضافة لفوز أولمبي الكرة بالبطولة الخليجية لأول مرة عام 2011م، علاوة على استضافة البطولات المهمة كالبطولة الأولمبية للشواطئ التي حققت نجاحات كبيرة على كافة الأصعدة فنيًا وإداريًا وحتى سياحيًا، كما ظهر على أرض الرياضة أبطال متحققين كـعلي الحبسي وحاجي شعبان وبركات الحارثي وغيرهم، وفي خضم الاحتفال بأربعينية النهضة المباركة ظهر سيد البلاد ليقدم الدرس الإنساني بتواضع العظماء "إن لعُمان تاريخًا عريقًا ومبادئ راسخة منذ عصور مضت، وما قمنا به هو تأكيد تلكم المبادئ والتعبير عنها بلغة العصر" بل ما قمتم به ــ يا سيدي ــ هو التاريخ الجديد المكتوب بماء الذهب والذي فاق توقعات الجميع في زمن تعتصره المآسي ويرزح تحت وطأة الموت والألم ويشتعل بمتناقضاته على صفيح ساخن، فكانت حكمتكم ــ ولا زالت ــ ميزان العدل الذي استقامت به الأمة وأصلحت أحوالها بالقسط (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) واليوم وإذ تعود للوطن بعد غياب "جسدي" لا أكثر، فقد ازدانت رياضتنا ببطولة غالية عزز من خلالها منتخبنا الوطني للكرة الشاطئية فرحة "الدنيا" بعودتك، حينما حققَ البطولة الآسيوية مغردًا بما نحمله إليكَ من مشاعر "أبشري قابوس جاء" والرياضة إذ لا تسعفها بلاغة الكلم ولا دفقة القلم لكتابة ــ ولو ــ "قيد أنملة" من حقك علينا، إلا إنها ترسل إليكَ من أرضها المنيرة بقبس رعايتك الكريمة لها، والمستظلة بأشجار خطبك الوارفة طوال أربعة وخمسين عامًا، ترسل إليكَ عهد الولاء "ماضون خلفك" للغدِ القادم متسلحينَ "بالأسباب التي تعلمها" لنجعلكَ سعيدًا ــ يا سيدي ــ كما أسعدتنا منذ توليت أمرنا ـ بأمر الله ـ ولا زلت تسعدنا في يومنا وغدنا، وليطمئن قلبكَ لمستقبل عُمان التي معك عُدنا "للمحل المرموق" بين الأمم وسنبقى كذلك ــ بإذن الله ــ وعلى نهجك ندعو بدعائك الدائم "ربنا عليك توكلنا، فأكتب لنا التوفيق والنجاح في أعمالنا وهيئ لنا من أمرنا رشدا، فأنت نعم المولى ونعم النصير" اللهم آمين.

تعليق عبر الفيس بوك