البحث عن "عربي"

فؤاد أبو حجلة

ليعذرنا السيد نبيل العربي وجماعته في جامعته، فليس المقصود في هذا التناول الإساءة، من قريب أو من بعيد، إلى دور الجامعة العربية وإنجازاتها العبقرية خلال عقود طويلة من "العمل العربي المشترك" في هذا الإطار الجامع الذي تأسس بمباركة بريطانية قبل سبعين سنة.

وليعذرنا السيد أحمد بن حلي والموظفون الكبار في مقر الجامعة، فليس المقصود الاستخفاف بتصريحاتهم حول تفاؤل الشعوب العربية بنتائج القمم المبجلة، ولا المس، لا سمح الله، بالعلاقة العضوية بين النظام الرسمي العربي والشعوب التي ترفل في ثوب الأمن والسلم والرفاه في الدول العربية.

كل ما في الأمر أنني سمعت في تصريحات الدبلوماسيين العرب خلال هذا الأسبوع وصفا جديدًا للإنسان في منطقتنا هو "المواطن العربي". وقد أعجبتني التسمية، وأعجبتني كثيرًا قدرة الدبلوماسيين على توظيف مفردات اللغة وتشكيلها في مصطلحات وتسميات مدهشة منها "المواطن العربي"، خاصة وأنّ الكلمتين لا تجتمعان في وصف واحد أو اسم واحد.

في البداية قادني حسن الظن والنية إلى الاعتقاد بأنني جاهل وغير متابع، ولم أنتبه إلى قيام الوحدة العربية وتشكل الوعي القومي في الشارع العربي، وخجلت من تقصيري في رصد هذا التحول الكبير والخطير. لذا قررت النزول إلى الشارع للتعرف على "المواطن العربي" ولكي أصافحه وأشد على يديه وأستلهم قناعاته ومعتقداته وأفكاره الخلاقة لكي أتمثله.. وأصير "مواطنا عربيا".

بحثت كثيرا عمّا تحدث عنه السيد بن حلي وجماعته.. فتشت في الشوارع وفي المقاهي وفي الوزارات وفي مكاتب الشركات.. والمراكز الحدودية، فلم أجدا أحدا. لكنني وجدت مواطنين كثيرين مثلي لم يعد يعنيهم أن يكونوا عربًا في زمن الولاءات المشتتة والانحيازات الموزعة بين الولايات المتحدة وأوروبا وإيران وتركيا.

وجدت عربًا أمريكيين وعربًا إيرانيين وعربًا عثمانيين.. ولم أجد عربًا إسرائيليين وإن كنت لمحت بعض هذا الهوى المشبوه لدى من يخشون إعلان إعجابهم بنموذج "أولاد العم".

هناك ملايين المواطنين الذين ينتسبون إلى الدولة الوطنية في تعريفها وواقعها القطري القاصر، وهناك ملايين المواطنين الذين ينتسبون إلى الأمّة الإسلاميّة ويعتبرون الدين قوميّة ولا يعترفون بالجغرافيا كلها كما يختارون شطب نصف التاريخ، وهناك ملايين من الباحثين عن تأشيرات الخروج من المحيط العربي لكي يجدوا "الحياة" في الغرب، وهناك الملايين من الحائرين في وصف هويّاتهم أو تعريفها، لكن لا وجود حقيقي لـ "مواطن عربي" في بلادنا.

أين هو "المواطن العربي" الذي يتحدّث عنه السيّد العربي ونائبه بن حلي؟ هل هو في بلادنا أم في بلاد أخرى أو كوكب آخر؟

هل يمكن أن يكون "المواطن العربي" المقصود هو المهاجر العربي المولود في أمريكا أو فرنسا أو تشيلي مثلا؟

لنكن موضوعيين وصادقين ولنعترف بأننا نجحنا في قتل أمتنا وتمكنا من اغتيال الشخصيّة القومية في وطن يسترخي بتكاسل بين الماء والماء وينام على موسيقى الاقتتال في ترابه المحروق بالمؤامرات والعصبيات القبليّة والطائفيّة.. والولاء الأعمى للفوضى الأمريكية "الخناقة".

هل "المواطن العربي" هو الإنسان الذي يبحث عن رغيف الخبز ولا يجده، ويبحث عن حريته فلا يستطيع تعريفها إلا في مركز الأمن، ويبحث عن تأشيرة زيارة إلى بلد عربي فلا يحصل عليها؟

هل "المواطن العربي" هو السوري الذي يقاتل سوريا أم اليمني الذي يقتل يمنيًا، أم الليبي الذي يحاصر ليبيا، أم العراقي الذي ينتهك حق عراقي من غير طائفته.. في الحياة؟

هل "المواطن العربي" هو الذي يشارك أمريكا في الحرب على الإرهاب أم الذي يشارك أمريكا في الحرب على النظم التي يستهدفها الإرهاب؟

هل "المواطن العربي" هو الذي يعادي أمريكا أم الذي يعادي إيران؟

وأخيرًا "هل المواطن العربي" هو الذي ينسى أن فلسطين ما تزال محتلة وأنّ دولا أخرى على الطريق؟

"العربي" هو كل هؤلاء.. وعندما يصير مواطنا يتغيّر الحال.

تعليق عبر الفيس بوك