مهما أحببناك فنحن مقصرون..


عائشة البلوشية

يذكر في السرد التأريخي في عالمنا الإسلامي أنّه في عهد الخليفة الذي لقب بخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز بلغ الأمن والأمان أعلى درجاته، حيث أرخى الإسلام ظلاله على جزيرة العرب وما حولها، وأرسى بحكمته وعدله دعائم دولة إسلامية قوية في جميع جوانبها، لدرجة أنّ المرأة كانت ترتحل وحيدة على راحلتها من البصرة إلى المدينة المنورة دون أن يتعرض إليها قاطع طريق، كانت هذه الذكريات تدور بخلدي وأننا وصلنا إلى هذا المستوى من الأمن والأمان عندما كنت في طريقي لمهمة عمل من محافظة مسقط إلى محافظة الظاهرة مرورًا بمحافظة الداخلية، حيث كان الغيم يكسو صفحة السماء في أجواء استثنائية متصلة، وأثير إذاعة عمان يبث إلينا برنامجه المباشر، واتصاﻻت المواطنين تنهمر كالغيث الهتان بفرح وحبور ابتهاجًا بالمقدم الميمون، كل يُسابق الآخر ليوصل صوته بدعاء وحمد وكلمات صادقة نابعة من القلب، وعيني ترقب ذلك الجمال من خلق الله، وعندما وصلت المركبة إلى أكثر منطقة تأخذ بلبي في هذا الطريق، حيث تمتزج عظمة الخالق بمهمة الإنسان الحقيقية في عمارة الأرض، أﻻ وهي المنطقة التي تلي "منال" وقبل دخولك إلى "سمائل" وأنت قادم من محافظة مسقط، عندها ترى تلك الراسيات كالأوتاد العملاقة، ويخترقها طريق شقته يد النهضة المباركة، ربما مرّ عليه الكثير منكم على عجالة، مرور الكرام، لكنه بالنسبة لي آية عظيمة من آيات الخالق، حيث منَّ علينا بهذه الطبيعة الساحرة، وبولي أمر أطال الله في عمره، يبحث لنا عن كل ما يسعدنا ويحول الحياة إلى رخاء، حاولت أن أحمد الله بأبلغ ما استحضره في تلك اللحظة من مفردات الحمد ﻷننا في نعمة وأيّ نعمة...نسافر عبر محافظات سلطنتنا الحبيبة فرادى وجماعات مطمئنين هانئين ﻻ يُعكِّر صفو ارتحالنا سوى ما نستجره من طاقات سلبية ﻷنفسنا، طرق معبدة وسبل مواصلات متوفرة والأهم من ذلك كله أمن وأمان وطمأنينة، وإنسان عماني كان مضرب المثل بأخلاقه دونًا عن كل العرب لخير من وطئ الثرى عليه أفضل الصﻻة وأزكى التسليم وآله، هذا العماني الذي يلبس الدشداشة العمانية البيضاء، ويلبس قلبه البياض لكل من حوله وما حوله، فقلت في نفسي "بلدة طيبة ورب غفور"، اللهم أدم علينا النعم واحفظها من الزوال...
يدور القصف حولنا والمنازعات والخلافات، ويعيش العالم ما بين مترقب ومراقب ومتخوف وخائف، وعمان تعيش السكينة والطمأنينة في ترنيمة جميلة المقام، ينأى بها - كما قال سماحة العلامة الشيخ أحمد الخليلي- مليكها عن الفتن، وإن كنت أحاول أﻻ أقحم نفسي في مجال التحليلات السياسية أو التنظير العسكري، ولكنني أنوه به هنا من باب الحمد لله وحده ﻻ شريك له، ﻷنّه أنعم علينا بسلطان حكيم، وضاعف لنا النعمة بأن أعاد لنا هذا السلطان الغالي متوجاً بإكليل الصحة والعافية، فتزاحمت الآﻻء في رأسي، ولم أعد أدري بأيها أبدأ حامدة ربي، ولكنني اجتهدت وأسأل الله القبول...
وتساؤلي هل نحبه ﻷنّه هو ولي أمرنا وسلطاننا؟ أم نحبه ﻷنّه وفّر ويوفر لنا سبل العيش الكريم؟ أم نحبه ﻷنه صنع لعمان شخصية عالمية ذات بصمة واضحة المعالم؟ أم نحبه ﻷنه أحب شعبه بقلبه العظيم فسخر له عقله الحكيم؟ أم نحبه ﻷنه يحنو علينا فيبعدنا عن الهذيان الصاخب الدائر؟ كم أبكاني - وأجزم أن كل من استمع له كان كحالي- ذلك الطفل "سعيد بن الأزهر" ذو الأعوام السبعة، وهو على أثير الإذاعة يقول بأنّه يريد أن يصبح معلماً، كي يعلم الأطفال في المستقبل كل شيء يتعلق بـ"بابا قابوس" ﻷنّ قابوس منهاج يدرس، وما أروع براءته وهو ينشد لبابا قابوس ﻷنّه كان في جمهورية ألمانيا في العيد الوطني الرابع والأربعين ولم يسمع النشيد!، فطوبى ﻷم أنشأته وأب رباه، فهذا الغرس الطيب في قلوب فلذات الأكباد يدل على أننا نتنفس حب وطننا وقائدنا معهم ونعيشه بهم، فمثلما غرس فينا أهلونا الذين شهدوا انبلاج فجر الثالث والعشرين من يوليو المجيد، قيمة نعمة سلطان عظيم نذر نفسه وراحته لعمان، ووطن نفديه بالغالي والنفيس، قمنا بدورنا نحن من تنعمنا بنعم النهضة بغرس هذا الحب في نفوس أبنائنا، وها هم أطفال اليوم الذين شهدوا سطوع شمس الثالث والعشرين من مارس 2015م، يريدون أن يؤرخوا اللحظة وعظيم الشعور في نفوس أبنائهم؛ وأقول لابني سعيد هذا بأن قابوس ليس مجرد منهاج، إنّه يا بني صرح عملاق متفرد مُتعدد المدارس، وبأننا كعمانيين مهما أحببنا قابوس فنحن سنظل مقصرين جداً جدًا، لذلك يجب أن نسابق الزمن معه لكي ننجز أكثر ونبني ونعطي وطننا أكثر، ﻷننا بذلك قد نصل إلى التعبير عن عُشر حبنا له أو العشير أو جزءًا من العُشر، فلله درك يا سيدي كم غلفتنا بجميل وجمائل، وجعلت بيننا وبين الوصول لكمال حبك حائل..

توقيع: "اللهم لك الحمد من قبل ومن بعد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك أن جعلتنا مسلمين عمانيين".


تعليق عبر الفيس بوك