إشراقة النور والميلاد الثاني لعمان

صالح البلوشي

ما أشبه الليلة بالبارحة؛ بين الثالث والعشرين من يوليو المجيد سنة 1970، والثالث والعشرين من مارس الخير عام 2015.. أهازيج فرحٍ ودموعٍ وبُكاء، رقصات حبٍ وعشقٍ وولاء. ومسيرات وطنية تجوب طول البلاد وعرضها، وهي ترفع صُور صاحب الجلالة المعظم -حفظه الله ورعاه. وشعارات الحب والولاء للقائد والوطن. المشهد الأول كان قد جسَّد ميلاد النهضة العمانية المباركة، عندما أعلن عن تسلم صاحب جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- مقاليد الحكم في البلاد عام 1970 وعودته إلى مسقط من صلالة؛ ففي تلك الأيام التي لا تنساها الذاكرة العمانية، كان الشعب العماني في داخل عمان وخارجها يسأل الله آناء الليل وأطراف النهار، ويتضرع إليه بالدعاء والصلاة والبكاء، أن يُشرق فجر جديد على عمان، فجر ينعم فيه الشعب بالأمن والخير والرخاء، بعد سنوات طويلة من الشقاء والحرمان والبقاء خارج التاريخ، حتى استجاب الله لدعاء هذا الشعب، ومَنّ عليه بهذا القائد الوطني العظيم.

ما أشبه تلك الليلة بعودة السلطان الظافرة، مساء الإثنين الماضي، من ألمانيا الاتحادية وهو يرفل بثوب الصحة والعافية؛ حيث جَسَّدت عودته المظفرة الميلاد الثاني لعمان، النهضة الثانية لهذا البلد العظيم، وهذا الشعب الأبي، وجاء استكمالا للإطلالة السامية لجلالة السلطان المعظم في الخامس من نوفمبر المجيد الماضي، عندما خاطب أبناء شعبه الأبي، ووجه إليهم التهاني والتبريكات بمناسبة العيد الوطني الرابع والأربعين المجيد، ومخاطبا إياهم بأنه لن يكون بينهم هذا العام، بسبب البرنامج الطبي الذي كان جلالته يخضع له. في ذلك اليوم التاريخي من عمان انهمرت الدموع من أبناء الشعب، دموع حزنٍ وفرحٍ معا، حزن؛ بسبب شعورهم بالحرمان من رؤية القائد بينهم في عيدهم الوطني، الذي يحدث لأول مرة منذ عام 1970. وفرح؛ بسبب رؤية جلالته والاطمئنان على صحته وسلامته.

وبعد أشهر من الانتظار وترقب وصول جلالته المفدى إلى أرض الوطن سالما ومعافى، جاءت بشائر الخير في اليوم الوطني التاريخي الخالد، الذي ستظل الذاكرة العمانية تحتفظ به إلى الأبد، إنه الثالث والعشرون من مارس المجيد، اليوم الذي كان ينتظره العمانيون منذ ثمانية أشهر كاملة، ليس العمانيون فحسب، بل العرب أيضا، والعالم أجمع، نعم؛ ولا أقول ذلك جزافا أو مبالغة، فلم يعد السلطان المعظم -أمد الله في عمره- ملكا للعمانيين فقط، وإنما أصبح شخصية عالمية له وزنه في عالم السياسة، وإليه يتوجه الجميع من أجل حل كثير من القضايا الإقليمية والدولية؛ فقد كان -حفظه الله- حتى وهو في مقر إقامته في ألمانيا الاتحادية أثناء رحلته العلاجية، يستقبل الوفود من بعض الدول من أجل طلب وساطة، أو مشورة، أو رأي، في بعض القضايا الإقليمية والدولية، ومن ذلك زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى جلالته في مقر إقامته بمنطقة جارمش بألمانيا، تلك الزيارة التي جاءت بعدها الأخبار بحدوث تقدم في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة والغرب وإيران، لذلك فإنَّ عودة السلطان وهو بكامل صحته والحمد لله، لم يُثلج صدور أبناء شعبه فحسب، وإنما أثلجت صدور العالم أيضا. وإذا كانت السنوات الأربعة والأربعون الماضية أعواما للبناء والتنمية في المجالات المختلفة، فإن الميلاد الثاني لعمان الذي انبثق بعد عودة جلالته الميمونة إلى أرض الوطن، قد دشن مرحلة جديدة من تاريخ عمان المعاصر، وهذه المرحلة التاريخية من عمر الوطن، تتطلب تضافر جميع الجهود من الحكومة، والقطاع الخاص، والمواطنين، والنخب الفكرية والثقافية في البلد، من أجل العمل على بناء عمان الغد، بروح وطنية مخلصة، بعيدا عن المصالح الفئوية أو الشخصية؛ وذلك لن يتحقق إلا بالعمل المخلص، والابتعاد عن روح الاتكال والأنانية، ووضع مصلحة الوطن والولاء للقائد نصب أعينها، وهدفها الأول.

ولذلك كله، لا عَجَب أنْ توحَّدت قلوب العمانيين جميعا في شمال الوطن وجنوبه، شرقه وغربه؛ لاستقبال القائد المعظم، وهي تهتف وتقول: أبشري قابوس جاء، فلتباركه السماء، واسعدي والتقيه بالدعاء. نعم لقد عاد السلطان، عاد الأب القائد. فمرحبا وألف أهلا أيها الأب والقائد والإنسان.

تعليق عبر الفيس بوك