أبشري قابوس جاء

د. محمد بن سعيد الشعشعي

رجعت بي الذاكرة إلى 23 يوليو من عام سبعين عندما انتشر خبر تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم مقاليد الحكم في البلاد، وإن كانت آنذاك وسائل الاتصال بالكاد تكون معدومة فاستخدمت بديلاً عنها طائرات الهيلوكبتر العمودية لتوزيع النشرات المكتوبة على المواطنين المقيمين في الأودية والشعاب وفي القرى والتجمعات البدائية، ولتؤكد هذه النشرات للعمانيين تولي جلالته قيادة عمان خلفًا لأبيه وتناشدهم شد المآزر وتلبية دعوة جلالة السلطان لخدمة عمان ولبناء هذا البلد.

بعد 44 عامًا ونيف يتكرر المشهد مرة أخرى بوصول الطائر الميمون المُقل لعاهل البلاد إلى مطار السيب الدولي في مساء 23 مارس من عام 2015 فمن الطبيعي أن تكون اليوم مشاعر الفرح مختلفة إذا ما أخذنا في الحسبان أن ّوسائل نقل الحدث اختلفت كل الاختلاف عن تلك المستخدمة عام سبعين، فجلالته حفظه الله بنى عمان وبنى الإنسان وشيد البنيان، وطور الاتصال والتواصل مع الإنسانية جمعاء ولا ريب أنّ هذا ينعكس تمامًا في آلية التعبير وفي طرق الاتصال العصرية التي نشاهدها اليوم وأذهلت الجميع.

نهل العمانيون من تقنيات العصر الحديث ومن أمهات العلم والمعرفة العصرية فهم صادقون ومخلصون في كل ما يعبرون به عن سعادتهم بوسائل الاتصال الحديثة لأنالإنسان اليوم ازداد معرفة واطلاعًا والتقنية الحديثة تحتم أن يكون التعبير فيها مختلفا تماما وبما يتناسب مع طبيعة العصر . . لكن مشاعر الحب والولاء والإخلاص هي الصادقة والمضيئة بنور المحبة التي يضيئها سراج المشاعر الفياضة وتحركها قلوب عاهدت الله أن تسير خلف هذا القائد بكل عزيمة وإخلاص ووفاء .. فكان التعبير مختلفًا لأن النهج القابوسي الفطن تعوّد عليه العمانيون طيلة هذه العقود الأربعة وتأبى نفوسهم أن تقبل غيره خصوصًا وأن العالم يعيش في ظروف عصيبة وخطيرة تشتد فيها حاجتنا إلى السلطان قابوس فهو الأب الروحي للشعب، والقائد الهمام والمليك الحكيم الذي حكم مسيرة عمان بنظرة ثاقبة جعلتها تنعم بنعمة الأمن والأمان.

ألا يجوز للعمانيين أن يستخدموا كل أدوات التواصل الاجتماعي من تويتر وانستجرام وفيس بوك وواتس اب .... إلخ في التعبير عن مشاعرهم ولو بكلمات بسيطة ومحدودة تنم ولو بقدر يسير عن مدى حب الشعب لقابوسه، ألا يحق لنا أن نستخدم قنواتنا الإذاعية والتلفزيونية الرسمية والأهلية ونهتف عبر برامجها المباشرة بأسلوب فطري وصادق وبصوت أجش يخرج من حناجر قيد البكاء أوتار حبالها الصوتية لنترجم للقاصي والداني ما يكنه هذا الشعب الوفي من شعور لهذا القائد العظيم.

ثم أليس من واجب صحافتنا المحلية التي أرسى قواعدها مولاي حفظه الله ورسم سياستها بالنهج الصادق المسؤول والمهنية الموضوعية أن تكون حاضرة في هذا الحدث الجلل وأن تشارك فرحة العرس العماني بالتقارير والأحاديث الصحفية والمقالات والأعمدة الوطنية.

من هنا نقول إنّ المنظومة الإعلامية وفضاء عمان المفتوح والرحب جسد بصدق فرحة شعب بعودة زعيم بلاده، بعد ترقب لمدة ثمانية أشهر وأربعة عشر يومًا، ترقب لهذه الإطلالة المباركة لتكون الاحتفالية في 23 مارس ولتضيف لنا يومًا وطنيًا مخلدًا في سجل المناسبات الوطنية التي تحتفل بها السلطنة سنويًا.

فالمتابع للسياسة القابوسية الحكيمة يجد أن النهج الذي انتهجه والدور الذي قام به طوال هذه العقود جعل لقابوس - حفظه الله -هذه المكانة والمنزلة الرفيعة محليا ًوخليجياً وعربيًا ودوليًا فشاركونا جميع الأشقاء والأصدقاء هذه الفرحة العمانية الجياشة

محليًا اعتنى جلالته بالإنسان العماني في كل توجيهاته وخطاباته السامية منذ عام سبعين حتى يومنا هذا، وراهن - حفظه الله- على بناء الإنسان وتنميته فكريًا ومعرفيًا وصحيًا واجتماعيًا واليوم كسب عاهل البلاد الرهان وجنت عمان ثمار الحصاد وهذا ليس بمستغرب والشاهد على القول أن شعوب فاضت وحناجر بكت وقصائد هتفت في حب جلالة السلطان منذ اللحظات الأولى لنزول عاهل البلاد من على سلم الطائرة وما خفي من مشاعر وأحاسيس وطنية كان أعظم.

أما المكانة التي حظي بها جلالته خليجيًا فهي ما جعل تلك الشعوب تشارك العمانيين عزف سيمفونيتهم الوطنية، كان ذلك انطلاقا من معرفتهم بأنّ السلطان قابوس دائمًا حكيم الرأي والمشورة، وفهيم الطرح والمقولة، كسب ود جيرانه ورسم معهم حدود بلاده، وبحكمته جنب دول الخليج وشعوبها الحروب وأبعدهم عن شر الفتنة والطائفية والفرقة المقيتة.

ولم يكن جلالته بعيدًا عن كل القضايا العربية والإسلامية فقد كان مدعمًا للقضية الفلسطينية منذ اعتلائه عرش البلاد وفي السراء والضراء ناهيك عن دعمه لحل المسائل العربية العالقة مثل الحرب العراقية الإيرانية، والحرب العراقية الخليجية، وفي معالجة الحروب اللبنانية وفي تخفيف حدة التوترات بين الأشقاء العرب.

لعمان ولحكمة القائد منزلة مرموقة وعالية عند دول العالم والأصدقاء بفضل سياسة انتهجت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وقامت على نهج مد يد الصداقة والتعاون للإنسانية جمعاء، وعلى مساندة كل المواقف الدولية المحبة للسلام والعدل والتآلف، وكل ما من شأنه أن يجنب المنطقة الدمار ويبعدها عن ويل الحروب والكوارث.

لهذا شارك العالم الشعب العماني فرحته واحتفاليته بعودة مولاي السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وأنعم عليه بالصحة والعافية والعمر المديد.

تعليق عبر الفيس بوك