هل المرأة هي المستهلك الأول؟

زينب الغريبية

لو سألت أي واحد من أفراد المجتمع عمّن الفرد الأكثر استهلاكاً في المجتمع؟ لأجابك بدون تردد أنّها المرأة التي تجعل من الاستهلاك غاية بدلا من أن يكون وسيلة، وأنّها بالتالي سبب أساسي في كثير من الإشكالات الاقتصاديّة التي يمر بها المجتمع، وأن رغبة المرأة في الاستهلاك لا تحدها أزمات مالية أو تراجعات اقتصادية، فالمرأة الخليجية أنفقت خلال فترة أزمات أسواق المال الخليجية عام (2006م) ملياري دولار على أدوات التجميل فقط في السعودية والإمارات، في حين تقتطع المرأة الأردنية (20%) من دخلها الشهري في المتوسط للإنفاق على مستحضرات التجميل، ولذا تُقدر مستوردات الأردن السنوية من مستحضرات التجميل بـ (55) مليون دينار سنوياً، ووصل حجم مبيعات مستحضرات التجميل في المنطقة العربية ثلاثة مليارات دولار عام (2010م).

إنّ ارتباط الظاهرة الاستهلاكية بالمرأة يعود إلى ارتباط كثير من قرارات الاستهلاك الأسرية بها، فالمرأة لها رؤيتها الخاصة في الاستهلاك، فهي تعبر عنه بأنّه محاولة لمواكبة كل جديد بالسوق، من موضات الملابس، إلى الإكسسوارات المتطورة، إلى الديكورات الحديثة للمنازل، إلى ارتياد أماكن الترفيه بشكل دوري، بينما ربما ينظر الآخرون إلى الأمر بأن تزايد دوافع المرأة الاستهلاكيّة مرده نفسي وهو الرغبة في المباهاة، ومجاراة الصديقات أو زميلات العمل، ونتيجة وجود هذه الدوافع ستظل المرأة تلهث وراء كل جديد في السوق، تضللها الإعلانات المتطورة عن سلع بعضها تحتاجها، وأخرى زائدة عن حاجاتها، مما يجعل الأمر رغبة غير عقلانية في الاقتناء، ويقود إلى نتائج مؤثرة على الأسرة والمجتمع الذي ربما يبدأ في التفكير هل المرأة منتجة أم أنّ استهلاكها يفوق معدلات إنتاجها.

وتعتبر القرارات الاستهلاكيّة من أهم التحديات التي تواجه ربّة الأسرة. حيث تظهر أهميّة دور ربة الأسرة بصفتها المسؤولة الأولى عن نمط الاستهلاك العائلي من حيث مسؤوليتها عن عمليات الاختيار والشراء والإعداد والصيانة والانتفاع بالاستهلاك من غذاء وملبس ومسكن.

لقد كنت أحد أعضاء فريق بحثي قام بإجراء دراسة بتمويل من وزارة التنمية الاجتماعية حول أثر المستوى التعليمي والاجتماعي للأم على النمط الاستهلاكي للأسرة العمانية، وكان أحد الأسئلة التي وجهتها هذه الدراسة للعينة من الفئة الأكثر استهلاكا في المجتمع: هل النساء أم الرجال أم الأطفال؟ وظهر من هذه الدراسة الكبيرة التي قامت الوزارة بطباعتها مؤخرا أنّ (57%) من العينة ترجّح أنّ النساء هن الأكثر استهلاكاً في المجتمع ثمّ الأطفال ويليهم الرجال، وهذا الرأي جاء متوافقًا مع نتيجة السؤال الثالث والذي يسأل عمّا إذا كانت المرأة هي أكثر فئات المجتمع استهلاكاً، في حين رأت ما نسبته (29%) أنّ الأطفال هم الأكثر استهلاكاً في المجتمع تليهم النساء فالرجال، ويعود ذلك إلى احتياجات الأطفال في الوقت الحالي من ملابس ومصاريف المدارس لاسيما الذين يذهبون للمدارس الخاصة، وغلاء أسعار احتياجات الأطفال الرضع من (حليب وحفاضات وغيره...) وقد أكدت على هذا المتعلمات تعليماً جامعياً أو عاليا بسبب إيمانهنّ بأهميّة تعليم الأطفال في المدارس الخاصة، وحبهنّ لمظاهر أبنائهنّ كما ذكرت العديد من عينة الدراسة، وكذلك الأرامل والمطلقات كانت لهن نفس النظرة ربما لشعورهنّ المتزايد بالمسؤوليّة تجاه الأبناء كونهنّ العائل الوحيد لهم.

بينما رأت نسبة (2%) من أفراد العينة أنّ الرجال هم الأكثر استهلاكاً ثمّ النساء ثمّ الأطفال، عندما تظهر هذه النسبة القليلة لترى أنّ استهلاك الرجال قليل بالمقارنة مع النساء والأطفال، على الرغم من أنّ الرجال شركاء في وجود مظاهر ترف كبيرة في الأعراس، علاوة على أنّهم يقومون بشراء السيّارات الفارهة وتغيير الهواتف الذكيّة، فمن يقوم بالاستهلاك في هذه الأمور أهي المرأة بمفردها؟ ربما يعود ذلك إلى أنّ المرأة ترى في الاحتياجات النسائية هي الاستهلاك غير المنطقي والزائد عن الحاجة لذا اعتبرت نفسها الأعلى استهلاكاً.

ورأت (5%) من العينة أنّ جميع الفئات متساوية في الاستهلاك، وكانت المستجيبات من البيئة البدويّة الأكثر ميلاً لهذا الاتجاه، ربما بسبب بعدهنّ عن مناطق التسوق والترفيه وبالتالي لا يوجد استهلاك من الجميع، وكما ذكرن بأنّ كثيرا من المصروفات يذهب للحيوان والاحتياجات الأساسية للمنزل.

في الواقع اتفقت عينة الدراسة على أنّ المرأة هي أكثر فئات المجتمع استهلاكاً، إلا أنّ تبريرهنّ لذلك كان مختلفاً، فـ (66%) من جملة العينة ترى أنّ المرأة تستهلك لنفسها بسبب تعدد احتياجاتها بحسب طبيعتها الأنثوية من ملابس واكسسوارات وأدوات تجميل، ومن أمثلته ما ذكرته المستجيبات بأنّ "النساء هنّ الأكثر استهلاكاً بسبب حبهنّ لمواكبة الموضة، والتفاخر بين النساء الأخريات فتتبع الموضة وتسرف في شراء العباءات والأحذية والحقائب"، وأنّ "المرأة استهلاكها أكثر بسبب الحياة المعاصرة للمرأة من استخدام أدوات التجميل والذهاب لصالونات وشراء العطور ومستحضرات التجميل والزينة والملابس".

أمّا ما نسبتهنّ (27%) من هذه الفئة نفسها فيرين أنّ المرأة أكثر استهلاكاً ولكن ليس من أجلها بل من أجل بيتها وأبنائها وزوجها فتظهر وكأنّها هي التي تشتري وتستهلك، حيث ذكرت المؤيدات لهذا الرأي أنّ "المرأة هي من تتحمل شراء الأغراض للمنزل والأطفال والزوج، فتشتري كل أغراضهم، إضافة إلى أنّها هي العنصر المجتمعي الأكثر فاعلية في الأسرة من حيث المشاركات في الواجبات الاجتماعية"، علاوة على ذلك ذكرن أنّ "المرأة تتسوق من أجل البيت والأطفال ونفسها ويظن الجميع بأنّها أكثر استهلاكاً، نعم هي الأكثر شراءً وصرفاً، ولكن ما تشتريه ليس لها فقط"، وفئة ثالثة مثلت (7%) من نفس العينة ترى أنّ المرأة أكثر استهلاكاً من أجل نفسها واحتياجاتها المتزايدة من ناحية ومن أجل أبنائها وبيتها من ناحية أخرى، "فالنساء لديهنّ هوس الموضة والماركات أو تقليدهن على الأقل، وكذلك الأطفال متساوون لديها في الصرف بسبب المدارس الخاصة والملابس وطلباتهم الأخرى"، كما أنّ "النساء قد ينفقن مبالغ كبيرة على الملابس وأدوات التجميل غير الضرورية، وعلى ملابس أولادهن".

على الرغم من أنّ (88%) قد اشتركن في أنّ المرأة أكثر استهلاكًا، إلا أنّ نظرتهنّ للموضوع قد اختلفت كل من وجهة نظرها، واجتمعن على أسباب جعلت من المرأة هي العنصر الأكثر استهلاكاً وأكثر هذه الأسباب وضوحًا في آراء العينة حب المظاهر والتباهي ومجاراة المجتمع وبالذات النساء الآخريات، ومن مثال ذلك أنّ "النساء يحببن المظاهر والتفاخر فهن أكثر استهلاكًا" فهي "أكثر شراء للملابس وتحب تقليد ما تراه في المجتمع من قبل الأخريات".

وأوضحت مجموعة منهن أنّ من أسباب زيادة استهلاك المرأة تأثرها بالإعلانات "فالمرأة أكثر استهلاكاً فهي تحب الشراء وتسرف فيه، وكذلك الإسراف في شراء السلع الاستهلاكيّة بكميّات كبيرة، لانقياد المرأة لإغراءات الإعلانات التجاريّة"، ويرى بعضهنّ أنّ عمل المرأة يعد أحد أسباب زيادة استهلاكها، "فالمرأة لديها زيادة في الاستهلاك بسبب انخراطها في العمل، وحصولها على الراتب، وبالتالي زيادة دخلها الشهري وزيارة قدرتها الشرائية"، وأرجع البعض منهن ذلك إلى رغبة المرأة في الانفتاح "فالمرأة تتأثر بما يعرض في وسائل الإعلام وترغب في الانفتاح بشكل جامح".

ولقد عبّر بعض أفراد العينة عن استيائهنّ من زيادة استهلاك المرأة في المجتمع ووصفنها بغير المبالية، والعبثية في الاستهلاك، "فالمرأة تستهلك أكثر لحاجتها للعطور والملابس والمجوهرات، وتسوقها غير الجيد، فمن الممكن أن تذهب لشراء شيء محدد وتشتري أشياء أخرى غير ضروريّة ولكنّها أعجبتها"، كما أنّ المرأة "أصبحت مسرفة ومبذّرة، وتلهث وراء الموضة والتشكيلات الجديدة من الملابس والعطورات وأدوات التجميل، وما تصرفه المرأة لزينتها على الأعراس يكفي لاستهلاك أسرة بكاملها لمدة شهور، داء انتشر بين النساء ولا نجد له حلا".

نتائج هذه الدراسة تثير تساؤلات حول السؤال الذي يطرحه هذا المقال، هل بالفعل المرأة الأكثر استهلاكا، وتهديدًا لدخل الأسرة، أم أنّها هي الأكثر مسؤولية في قرارات الشراء التي لا تكون إلا في أماكنها ومن أجل أسرتها؟ هل لو ترك المجال للمرأة لأن تتخلى عن هذه المسؤولية ستوافق على ذلك أم أنّها ستصر عليها مما يجعلها عرضة لنظرة المجتمع غير الموضوعية التي تراها المستهلك الأول؟

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك