قراءة سريعة في المشهد السياسي العربي الراهن

عبيدلي العبيدلي

جردة سريعة لما تتناقله وسائل الإعلام العربية والدولية عن الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط، تزود المراقب بقدرة على قراءة المشهد العربي الحالي، واستقراء تطوراته القريبة القادمة.

في ليبيا تنقل وسائل الإعلام عن القائد العام للجيش الليبي الفريق أول خليفة حفتر، تأكيده على أنه يستبعد "إجراء حوار مع المجموعات الإرهابية المتطرفة في ليبيا، متعهداً بالقضاء على هذه المجموعات في غضون شهر، (مضيفا) نريد دولة واحدة فيها جيش واحد، وشرطة واحدة يقوم الجميع بتنفيذ كل مهامه في إرساء العدل والمساواة، كي يعيش الشعب الليبي في أمن واستقرار".

في السودان، تحذر السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور من أن "غياب المحاسبة في جنوب السودان عن "فظائع وعنف جنسي وتجنيد أطفال للقتال ومقابر جماعية يعرقل مسعى للسلام في جنوب السودان".

وفي مصر تنفجر "عبوة ناسفة في قاعدة برج محطة تقوية الإرسال الخاصة بالتليفزيون، على طريق الفيوم-بني سويف، بمركز الفيوم، بينما تمكن خبراء المفرقعات من إبطال مفعول 4 عبوات ناسفة أخرى بنفس المكان".

ومن سوريا أعلنت دمشق عن "إسقاط الدفاعات الجوية طائرة استطلاع أمريكية كانت تحلق فوق منطقة اللاذقية شمال غربي البلاد". وفي السياق ذاته أفاد مصدر عسكري أمريكي الثلاثاء أن الولايات المتحدة "فقدت الاتصال بطائرة من دون طيار في سوريا، من دون أن يؤكد أن الطائرة أسقطتها الدفاعات الجوية السورية". وحول الوضع في سوريا، أيضا، يؤكد رئيس وزراء تركيا، أحمد داود أوغلو معارضته "أي مفاوضات مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مشيرا إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، (مضيفا) أن مصافحة الأسد مثل مصافحة (الزعيم النازي أدولف) هتلر". ومن طهران يصرح رئيس مؤسسة الطاقة النووية الإيرانية، علي أكبر صالحي، "أن طهران توصلت لاتفاق بشأن ٩٠٪ من المسائل الفنية، المتعلقة بالبرنامج النووي، مع دول مجموعة 5+1. وأن هناك اختلافا في وجهات النظر بشأن مسألة هامة جدا، وأنهم يعملون على التوصل لاتفاق بشأنها خلال المباحثات".

أما في تل أبيب، فقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، خلال زيارة المستشارة الألمانية انغيلا ميركل لإسرائيل، عن "قلقه حيال مسار المفاوضات النووية بين الدول الكبرى وإيران، مضيفا، أن إيران تحصل على كل شيء ولا تعطي شيئا عمليا (...) انظر بقلق الى كون إيران تعتقد انها تستطيع تنفيذ خطتها لتصبح بلدا قريبا من العتبة النووية".

قراءة المشهد العربي تحذر باستمرار من غرق البلدان العربية في موجات متتالية من التعثر تعبر عن نفسها في مظاهر مختلفة، كما تعكسها الأحداث وتصريحات المسؤولين، يمكن رصد الأهم منها في النقاط التالية:

1. تخبط ملحوظ في تحديد الأولويات، على المستويين القطري الضيق، والقومي الأكثر اتساعا. فما تزال قيادات القوى العربية السياسية بمختلف مشاربها الفكرية، وتعدد برامجها السياسية، لا تستطيع أن تنظر إلى ما هو أبعد من أنفها، ومن ثم فهي غارقة في مواجهة التحديات اليومية الصغيرة التي، شاءت أم أبت، تجردها من القدرة على رؤية المشهد السياسي من منظار أشمل، وبالتالي تحول دون خروجها من دوامة مشكلاتها اليومية المتناهية الصغر، بالمعيار السياسي.

2. وصول مساعي الحوار، بأشكال مختلفة، بين القوى المتصارعة على السلطة، إلى طرق مسدودة، رغم عدم وجود تباين جوهري في مشروعاتها السياسية، يبرر مثل تلك الصراعات في سلوكها اليومي. هذا ما تؤكده تصريحات من يتصدرون المشهد السياسي. وهذا ما يشير أيضا إلى استمرار النزيف العربي الداخلي بسبب إصرار كل طرف على الاستئثار بما في حوزته، ورفضه القاطع للتوصل إلى اتفاق وسط، مع الآخرين.

3. استمرار العمليات العسكرية بين القوى المتناحرة، آخذة أشكال متنوعة، تمتد من الصدامات الحربية بين قوى عسكرية منظمة وشبه منظمة، كي تصل إلى تفجيرات متناثرة بين الحين والآخر في أماكن متباعدة، ربما تكون تأثيراتها التدميرية قزمة، لكن انعكاساتها السياسية خطيرة ومربكة لأي مشروع تصالحي على مستوى القطر الواحد، ناهيك عن أي مشروع تنسيقي على المستوى الإقليمي.

4. تقدم القوى الإقليمية المحيطة ومن أهمها تركيا وإيران وإسرائيل على طريق مشروعات استراتيجية أكثر أهمية، وهذا ما تشهد له تصريحا أوغلو، وصالحي، ونتنياهو على التوالي. فجميع تلك الدول، تراقب تطورات الأوضاع السياسية العربية، وتحاول على نحو منفرد، وفيما بينها، أيضا، الوصول إلى صيغة تضمن تفوقها على أي مشروع عربي، ولذا فكل منها يعمل بطريقته الخاصة، وبإمكانياته الذاتية، من أجل الاحتفاظ بمواقع التفوق على أي دولة عربية، أو تجمع إقليمي عريي، مهما كان ذلك التفوق آنيا، أو محدودا.

5. استمرار الدول الغربية، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، في مراقبة الأوضاع العربية عن كثب، وترتيب أولوياتها وفقا لما تتطلبه مصالحها الاستراتيجية على المستوى الدولي، وليس ما جاء في تصريحات باور، إلا أحد الأدلة الدامغة على تلك المتابعة التي لا تغوص في صغائر الأمور، لكنها لا تهمل التفاصيل الخاصة بكل بلد على حدة، دون ان تفقد بوصلة المتابعة الشاملة.

في ضوء كل ذلك، ربما آن الأوان كي تعيد القوى السياسية العربية القطرية وحتى الإقليمية في استراتيجياتها، وقبل ذلك في توجهاتها اليومية كي تخرج من هذا التعثر، ليس بشكل أعرج، وإنما على نحو سليم، وضمن رؤية شاملة متكاملة قابلة للتطبيق، بدلا من الاستمرار في الغرق في أوحال الواقع الراهن.

تعليق عبر الفيس بوك