رياضة المؤسسات

 

 

المعتصم البوسعيدي

 

تُطالعنا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بالعديد من الأنشطة الرياضية التي تقام في المؤسسات العامة والخاصة ولعل الغايات التي تنطلق منها هذه الأنشطة والفعاليات تشمل أكثر ما تشمل العمل الإداري المناط به إيجاد بيئة العمل التفاعلية ذات التآلف واللحمة الواحدة وكسر الروتين القاتل، إضافة إلى بناء الموظف صحيًا وهو ما يعزز الإنتاج ويتيح استثمار طاقات الموظفين على الوجه الأكمل.

 

كل مؤسسة بكل تأكيد لها رؤية في هذا الجانب، والتطور الإداري أثبت أن الشعور بالانتماء يعتمد في نظرة الموظف الإنسانية ـ إن صح التعبير ـ اتجاه مؤسسته وما تقدمه له من خدمات أو ما توفره بعيدًا عن حقوقه المكتسبة في "عقد العمل" لهذا نجد عمالقة المؤسسات "كجوجل" مثلا تعتمد كثيرًا على مناخ العمل ومدى إرضاء الموظف، وتقوم الرياضة بجزء من هذا الدور من حيث توفير الشركة للمرافق والأدوات الرياضية وممارسة الرياضة التي يحب من مقر عمله، كما أن للرياضة دور كبير في المؤسسة للوقاية من الأمراض والممارسات والسلوكيات الخاطئة وقد ذكرت شرطة دبي في إحصائية بصحيفة "الرؤية" الإماراتية في يناير من هذا العام أن الرياضة توفر الشعور بالرضا والارتياح والسعادة بنسبة 90% لنزلاء المؤسسات العقابية وتغير السلوك الصحي بشكل إيجابي بنسبة 89%، والاجتماعي بنسبة 85%، وبنسبة 88 % للنوم والاستيقاظ المبكر.

 

إن قياس أهمية الرياضة في المؤسسات يتضح جليًا في حالة تماهي الرياضة مع المؤسسة العلمية على وجه الخصوص والمدارس بالتحديد، ونلاحظ في الشأن المحلي كثرة المطالبات بالرياضة المدرسية وضرورة رسم سياسة واضحة تتيح بالفعل استثمار النشء وتربيته على نهج رياضي سليم، وقد استفزني الأسبوع الماضِ وأنا بدورة تُعنى بالصحافة إدراج الرياضة كموضوع من مواضيع التسلية والترفيه الأمر الذي قادني لقول الدكتور علي الخطيب: "هناك وجهتي نظر متباينتين بشأن أهمية الرياضة المدرسية ـ على وجه التحديد ـ وفوائدها على الطلبة؛ واحدة تشيد بالرياضة لأنها تحمل الأهداف العامة نفسها للتربية والتعليم وأخرى تدعي أن الرياضة هي مؤسسة للترفيه (ويطلق عليها تسمية النشاط اللامنهجي) ما يقتضي فصلها تماماً عن التعليم" إلا أن معطيات الرياضة أفرزت تأثيرها القوي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًَا على نحو الفرحة التي رسمها المنتخب العراقي إبان فوزه بكأس أمم آسيا في العام 2007م والعراق يعيش ما يعيش من القتل والإرهاب، وكمية المبالغ الهائلة في الاستثمار الرياضي وسعي الدول والمؤسسات العملاقة لشراء الأندية وتوقيع حقوق الرعاية، والشعارات النبيلة للرياضة والأعمال الخيرية في مكافحة الفقر والمرض والجوع، ومن ثم فإن الرياضة المدرسية يمكنها تغيير نظرة الترفيه والتسلية بشرط مواجهتها للتحديات والصعوبات التي تتجلى في ضعف ثقافة أولياء الأمور والهيئة التدريسية على حد سواء بأهمية الرياضة وتأثيرها على المدى البعيد وكيف لها أن تكون في صلب المنهج الدراسي ولا تتعارض مع التحصيل العلمي، إضافة لعدم توفر الإمكانيات اللازمة وغياب التخصصية اللاغية للعبء التدريسي للمعلم "المزدحم" بجدول أعمال لا حصر لها، وهو ما نلاحظه في الأنشطة المدرسية التي يغلُبها عدم وضوح الأهداف.

 

غياب الاحتراف في رياضتنا يبرز أهمية دور الرياضة بالمؤسسات أو العكس التي لا تحدها أُطر تفرز استفادة حقيقية على المستوى الأعلى، فالدورات الرياضية للمؤسسات خاصة دورات وبطولات كرة القدم وبالرغم من واقعها الجميل في الجانب الذي يخص المؤسسة، إلا أنّ الصورة القاتمة تتمثل في الجانب المقابل للاتحادات الرياضية وكيف لها أن تعد رياضيًا هاويا "تتناوشه" ممارسة اللعبة على أكثر من صعيد وبعشوائية التأهيل والتدريب وحتى الممارسة، كما أن اللاعب لا يحميه قانون في هذا الموضوع ونحن نرى كيف أندية عالمية تـُلزم الدول على دفع حقوق لاعبيها الذين يصابون أثناء تمثيلهم لمنتخب بلدانهم.

 

الكثير من المؤسسات تتغنى بدورها الرائد في ممارسة الرياضة وإقامة الفعاليات الرياضية لموظفيها أو للمجتمع وهو أمر جيد في البُعد الاجتماعي والتثقيفي، ولكن الحديث في موضوع ما تقدمه المؤسسة للرياضي المتحقق أو الموهبة الصاعدة الذي يفترض أن يتمازج لتطلعات صناعة البطل الوطني القادر على تحقيق الإنجاز الرياضي المنشود في المحافل الدولية وبالتالي فإنّ تنفيذ ذلك يبدأ من أهمية وجود تنسيق واضح بين المؤسسة العامة والخاصة مع المؤسسة المعنية بالرياضة، ويحتم علينا ـ محليًا ـ صياغة الهيكل الرياضي وإلغاء الازدواجية وترتيب الأولويات والتركيز على التخصصية، وبالتأكيد لو وجد الاحتراف فإن ذلك سيحرق مسافات طويلة من العمل المؤسسي الذي يتلبس دائمًا بالبيروقراطية حتى في أبسط الأمور، وما تعانيه المنتخبات في مسألة التفريغ لدليل ومثال حي على ذلك.

 

الحديث عن رياضة المؤسسات وتأثيرها السلبي لا يُلغي أهمية هذا الأمر في كل مؤسسة ووجوده هو نجاح إداري من صميم العمل، بل وعامل مهم لتحقيق المؤسسة لأيّ إنجاز لأنه يمثل أحد الدوافع التي تحفز الموظف للمثابرة والإبداع والابتكار، والدوافع كما هو معلوم الخطوة الأولى للنجاح أو كما ذكرها المحاضر والمدرب العالمي المرحوم الدكتور إبراهيم الفقي بأنّها تمثل المفتاح الأول من "المفاتيح العشرة للنجاح " وقد قال (دينيس ويتلي) مؤلف كتاب (سيكولوجية الدوافع): "تتحكم قوة رغباتنا في دوافعنا وبالتالي في تصرفاتنا" والمؤسسة تلعب هنا دور الدوافع الخارجية عن طريق الرياضة التي تشكل أثيرا غنيا جدًا بموجات الإيجابية.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة