من يحكم أمريكا في 2016 ؟

ناصر أبو عون

مع نهاية ولاية أحد حكّام الولايات المتحدة الأمريكية تتنافس الصحف العربية في صناعة ضجيج إعلامي مصطنع لإغراق المواطن العربي في (بحر من التحليلات اللاعلمية)، و(الرؤى اللاسياسية) لمستقبل الأمة العربية في ظل القيادة الجديدة للبيت الأبيض، وتبدأ بعض المنابر الصحفية في بث روح التفاؤل في نفوسنا، وتعقد الآمال على الحاكم الأمريكي الجديد في وضع حدٍّ لمعاناة شعوبنا العربية، ونهاية قريبة للقضية الفلسطينية، وتبدأ حملة ترويجية لها مجانية أو مدفوعة وتتحدث عن تاريخه النضالي في سبيل أمتنا العربية والإسلامية، وصراعه مع الصقور من أجل التوصل إلى حلٍّ شامل وعادل لقضايانا المزمنة. وعلى المقلب الآخر تجد بعض الصحف والفضائيات العربية يُبشر المواطن العربي بالمنِّ والسلوى إذا جاء الديمقراطيون إلى الحكم، وعلى النقيض من هذه الصورة الوردية نقرأ في صحف أخرى كُتابا يتوعدون المواطن العربي بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا وصل مرشح الجمهوريين إلى سُدَّة الحكم. والحقيقة أن هذا السيل الجارف من المقالات واللغط الإعلامي عبر الفضائيات ليس إلا تُرّهات وخزعبلات، وشخبطات كهنة الصحافة العربية، وبعض الذين أصابتهم نفحة من الرغبة المحمومة في تسويد الصفحات وتدبيج المقالات تحت مسمى المقالات، ولا تنتسب للتحليل العلمي ولا تمت للواقع بصلة. وللأسف يقع كثير من القراء في هذه الفخاخ وينساق وراء هذه الآراء ويبني قصورا من الرمال في صحرائنا العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج. وتأتي الانتخابات الأمريكية دورة تتلوها دورة بنتائج صادمة وتؤكد على حقيقة واحدة ألا وهي(جهلنا المفرط بالواقع الأمريكي وأدبيات السياسة الأمريكية)، وننسى ونتغافل الحقائق والوقائع على الأرض والتي تصرخ في وجوهنا مؤكدة أن (الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات) بالمعنى القاموسي للكلمة.

وخلافاً لما تروجه الصحافة الصفراء تؤكد الدراسات والتقارير والوقائع على الأرض أن الرئيس الأمريكي والذي يقف على رأس قمة مؤسسة الحكم ليس له مطلق الحرية في اتخاذ القرار، وأن اليد الطولى في رسم السياسات واتخاذ القرارات المصيرية وحتى القرارات التي يظن البعض أنّها من توافه الأمور لا تخرج إلى حيز التنفيذ دون أن تمر على مؤسسات وأجهزة الدولة وتخضع للبحوث والدراسات واستطلاعات رأي النخبة وقياسات الرأي العام. وأن هامش حركته السياسية أضيق من المسافة بين إصبعين من أصابع يده وهو مجرد رمز اقتضته التقاليد والبروتوكولات المرسومة من قِبَل المؤسسات السياسية والاقتصادية.

والوصول إلى البيت الأبيض واعتلاء سدة الحكم له اشتراطات قاسية تضعها العديد من مؤسسات الدولة وتشارك فيها بعض المؤسسات المتنفذة (اللوبيات)، و(جماعات الضغط) وخاصةً الأكثر سيطرة على سوق المال والإعلام. باعتبارهم شركاء في الحكم (مواطنون لا رعايا) والرغبة التي يبديها البعض، والحلم الذي يراود كثيرين برئاسة (الولايات المتحدة الأمريكية) القوة العسكرية الكبرى في العالم لابد له وأن يأتي (مقرونا)، وطبق (مواصفات) مؤسسات الدولة الأمريكية ومجرد التفكير في الخروج على بنود الكتالوج المرسوم من قِبَل المؤسسات والمنظمات الأمريكية لأيّ رئيس يجلس في مكتبه البيضاوي بالبيت الأبيض سيكون من شأنه خسرانه حلم الزعامة. فليس كل السياسيين مثل رالف نادر ورونبول،اللذين ضحيا بالزعامة في سبيل المبادئ والإخلاص للوطن، وللقيم الأمريكية الحقيقية. فالثابت والأكيد في السياسة الأمريكية هي أنهم يرون مصالحهم قبل كل شيء!! فالقاعدة لدى المسؤول الحكومي والمواطن العادي يمكن اختصارها في جملة واحدة هي: (لا صديق دائم ولا عدو دائم ولكن مصالح دائمة!!).

ومن يبحث عن معلومات أكثر حول السياسات الأمريكية الداخلية نحيله إلى رزنامة من المؤلفات لأكاديميين ومتخصصين أمريكيين وخبراء في مواقع صنع القرار الأمريكي داخليًا وخارجيًا ومن أهمها كتاب (ممولو الرؤساء.. العلاقة الخفية التي تدير القوة الأمريكية) للكاتبة الأمريكية نومي برينس والتي عملت كعضو منتدب في بنك جولدمان ساكس وكعضو منتدب أول في بير ستيرنز،‏ وذلك بعد أن عملت كخبير استراتيجي بارز في بنك ليمان برازرز ومحللة اقتصادية في بنك تشيس مانهاتن. وكتابها يحكي لنا عبر عملية سرد موسعة كيف تدير جماعة من الصفوة الاقتصاد والحكومة الأمريكية وكيف يحددون أيضًا السياسة الداخلية والخارجية في واشنطن وكيف يشكلون تاريخ العالم على حد قولها.

واستعانت المؤلفة على إنجاز هذا الكتاب بأرشيف من الوثائق الرئاسية الأمريكية للعلاقة التي ترجع لمائة عام مضت بين (البيت الأبيض ووول ستريت) وتحلل تأثير المال على السياسة الأمريكية. وكما قال توماس فيرجسون أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس (إنه كتاب مكتوب بعناية ويجب أن يقرأه كل المهتمين بالسياسة والاقتصاد.) وتشرح المؤلفة كيف نجحت النخبة الحاكمة في أمريكا والتي تدير أمريكا عبر العديد من مؤسسات المال والإعلام في الإبقاء على نفس الممولين للبيت الأبيض عبر التاريخ وإتباعهم المواقف نفسها؟ وكيف يستميلون رؤساء الولايات المتحدة بغض النظر عن انتمائهم الحزبي رغم تنوع انتماؤهم للحزب الديمقراطي أو الجمهوري ويستكشف الكتاب (التداعيات العالمية المثيرة للقلق لنظام الولايات المتحدة الذي يفتقر للحواجز بين الوظائف العامة والمال).

الغريب أن كثيرًا من الكتّاب الليبراليين العرب يحاولون تسويق (الوجه الديمقراطي) لأمريكا والدعاية والترويج له وخداع القراء العرب، بل من الغريب نراهم يطالبون بديمقراطية لشعوبنا العربية وفق النموذج الأمريكي. لكن من يدرس الواقع الأمريكي يكتشف حقائق صادمة رغم أنّها واضحة وضوح الشمس ومن هذه الحقائق أنّ (الديمقراطية الأمريكية وهْمٌ وسراب ولا وجود لها في الوقائع على الأرض)، وهي (مجرد حلية وديكور) لزوم تكملة الصورة الوردية للعم سام. ومن الشواهد الدالة على هذا الرأي ما أكدته الأحداث العالمية والمحلية وتواترت عليه الأخبار؛ فمن بين 43 رئيسًا للولايات المتحدة هناك 38 رئيسًا ينحدرون من (دماء زرقاء ملكية)، وأصول أرستقراطية وجميعهم ينتسبون إلى 12 عائلة فقط تتبادل كرسي الحكم في الولايات المتحدة وعضوية مجلسي الشيوخ والنواب ومجالس الولايات وصولاً إلى الكرسي الأكبر في البيت الأبيض ويتداولون المنافع والمصالح، بل ويتقاسمون الثروات، ولا مكان بينهم للمقهورين القادمين من أصقاع العالم المترامية إلى بلاد العم سام إلا الفتات.

وخير دليل على هذا حالة الرئيس القادم والمتوقع دخوله إلى البيت الأبيض (جيب بوش) حيث تؤكد التقارير الصحفية أنّ الرئيس القادم للولايات المتحدة سيكون من نصيب الحزب الجمهوري هذه الجولة، وتتفق التقارير الصحفية والتي تبثها الآلة الدعائية الأمريكية على أنّ منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016 محتوم لصالح السياسي الأمريكي جيب بوش الذي شغل منصب حاكم ولاية فلوريدا من 1999-2007، وهو شخصية بارزة في عائلة بوش، فهو الابن الثاني للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب والسيدة الأولى السابقة باربرا بوش، والأخ الأصغر للرئيس السابق جورج دبليو بوش. وقد بدأ القيام بخطوات عملية للترشح لمنصب الرئاسة حيث أعلن في صفحته على موقع (فيسبوك) قائلا:(قررتُ أن استكشف جدياً إمكانية أن أكون مرشحًا لرئاسة الولايات المتحدة)،وانطلاقا نحو هذا الهدف بدأ المشوار بالخطوة التقليدية التي يقوم بها جميع مرشحو الرئاسة الأمريكيين، وتُعدّ المرحلة الأولى نحو الترشح رسميًا والاستعداد لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 فقدم استقالته من كل المناصب التي يشغلها في الشركات والمنظمات، بما في ذلك منصبه في مجلس إدارة المؤسسة التعليمية التي أنشأها بنفسه، وهو ما يؤكد أنه يضع هذا المنصب هدفًا له منذ فترة. طبقاً لتعبير صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ومن المحتمل أن يدخل السباق معه نحو البيت الأبيض وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ممثلة للحزب الديمقراطي وزوجة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. وكل ما سبق ليس بجديد على الحياة السياسية الأمريكية وليس من المثير نقاط الضعف في مسيرته المهنية وسيرته الشخصية وما أظهره تاريخه الدراسي بأنّه غير متفوق دراسيًا. واعترافه شخصيًا بأنه كان مدمناً للمخدرات والمشروبات الكحولية. على حد تعبير مجلة (تايم الأمريكية).

والحقيقة أنّ (جيب بوش) يستعد إلى المجيء لسدة الحكم من (بوابة ملكية)، تؤمن بنخبوية الحكام وبمبدأ توارث الحكم وتداوله بين مجموعة من العائلات المنحدرة من سلالات أرستقراطية تربطها (شفرة وراثية)، وشراكة في (الثروة والسلطة)، وتتدثر برأس المال، وتشد أواصرها إمبراطورية المال والأعمال. وأبناؤها لا يلتحقون بمدارس الشعب، ولا ينخرطون بالأنشطة المدرسية التي يقبل عليها أطفال الطبقات الدنيا والمتوسطة على نحو ما كشف لنا التاريخ الدراسي للرئيس الأمريكي القادم (جيب بوش) الذي التحق منذ نعومة أظافره بمدرسة داخلية للنخبة في ولاية ماساتشوستس.

وسواء جاء جيب بوش أو كلينتون في 2016 أو جاء غيرهما في 2050 أو غيره فلن يتغير من الواقع الأمريكي شيء على صعيد السياسة الأمريكية وجذورها الضاربة بجذورها في الثقافة الأمريكية، ولن تتبدل ملامح الوجه الأمريكي البرجماتي في ذاكرة العالم وتبقى قناعة (حقيقة مسلّم) بها لدى المطلعين والمتابعين للتاريخ الأمريكي المعاصر يمكن تلخيصها في العبارة التالية:(الأمريكيون يرون مصالحهم قبل كل شيء!!)والقاعدة التي ينطلق منها المسؤول الحكومي والمواطن العادي في الولايات المتحدة الأمريكية يمكننا إيجازها في جملة واحدة هي: (لا صديق دائم ولا عدو دائم ولكن مصالح دائمة !!).

Nasser_oon@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك