هلال بن سالم الزيدي
هناك من يعتقد أنّ الحرية هي تجاوز الأخلاق وفعل كل ما يروق للنفس الأمارة بالسوء.. وهناك من يعتقد بأنّ ثروة وثورة الكتابة والأدب لا تتم إلا من خلال التعري في كل الأفعال والأقوال والتجرد من القيم التي فطر الله الناس عليها.. وهناك من ينادي بأنّ وَضع سقفٍ لمسألة النشر والتدوين وفق معايير إنسانية يسفك دم الثقافة ويدمر تقدّمها.. وهناك من يدّعي بأن الأقدمين نشروا الغث والسمين وتعرضوا لكافة الأوصاف اللا أخلاقية وهم يعتبرون قدوة في كافة الأبعاد الحياتية.. وهناك من يريد أن يمنح لمن تسوّل له نفسه الخروج عن معاني الأدب والمعرفة في تنوير العقل وصاية وزاوية من الحرية المقصودة لبلوغ مرحلة الانفلات في وصف التجارب الشخصية واستعراض الجوانب المظلمة في حياتهم وحبكها كأنها ضربا من ضروب الإبداع .. وهناك من يناصر التوجه الذي يريد أن يُنهك ما تبقى من فكر يُعتمد عليه في تبصير الأجيال بشيء يفيدهم لا بشيء يغمسهم في "سوالف " الجنس التي تبني جيلا يسعى إلى التجربة السلبية.. وهناك من يتهم ممن يقف ويتصدى للأفكار الهدامة بأنه رجعي ومتخلف إلى أبعد الحدود.
إنّ الأدب والثقافة وتكويناتها التي تنبثق منها لم تبن بمثل تلك التوجهات التي لا تزيد الطين إلا بِلة وتُعقد من نهوض الأمم وشعوبها، وما وجد في الأثر من سفاهات لا تعد أدبًا ولا يجب أن يدخل في تقييم تلك المراحل لأنّها جاءت وفق هوى النفوس الضعفية التي ترنو إلى تقديم شخوصها أكثر من تقديم الفائدة للمجتمع بكافة أطيافة، وعلى مر العصور كان الأدب مدرسة ومنهاجا للتعلم، والتعلم ظاهرة حضارية تقدم رسائل مفيدة للفرد قبل الأسرة من أجل الحفاظ على هذا التكوين، على الرغم من الهجمات التي تتعرض لها الشعوب العربية وإشباعها بثقافات تُقلل من ترابطها وتجانسها للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية في عموم التوجه، فمن الواجب أن يوجه كل من لديه القدرة على صياغة المفردات وتكوين الأيدولوجيّات التصدي للأفكار الهدامة التي شرذمت الوحدة الإسلامية وباتت قاب قوسين أو أدنى من الاندثار.
فلو تتبع أولئك الذين يدافعون عن حرية الكلمة حضارات الدول وكيف وصلت إلى العالمية من بوابة الأدب لوجدوا أنها بُنيت على مبادئ الدين الإسلامي لكنهم غلفوها بواقع حياتهم وبنوا بها أجيالهم فوصلت إلى الطرف الآخر كنوع من الكنوز في كافة مجالات الحياة. فاليابان مثلا لم تصل إلى ما وصلت إليه عن طريق الدعوة إلى التفسخ في نشر الثقافة والعلم، ودليل ذلك الممارسة التي يمارسونها في تقديم مجتمعاتهم وتأهيل أجيالهم من أجل مجابهة كل الأخطار المحدقة بهم لذلك قدموا ما يليق بالبشرية وما يُعبّر عن ثقافتهم، ولم يُغرقوا في الوصف الجنسي.. كذلك عندما نتحدث عن مبادئ غاندي وكيف وضع حكما وفلسفة للحياة يعتمد عليها العالم جميعا وليس الهنود فقط نجد فيها القدوة، وكثير من أولئك الذين اتجهوا الاتجاه الجنسي في كتاباتهم يسترشدون بتلك الشخصية، هناك وفي نفس المحيط الرؤى الفكرية والاقتصادية التي بنى بها مهاتير محمد ماليزيا أخذت انعكاساتها على الثورة الاقتصادية في كثير من البلدان، على الرغم من وجود هذه الشخصية على مفترق ثقافات إلا أن الكل يسترشد بما وضع من أسس وعلوم.. فهكذا تبنى الثقافات في كافة منابعها ومصابها، لا أن تنظر إلى الإنسان كأنه كائن يُفكر في إشباع شبقه الجنسي ليسرد لنا المتثقفين كيف يعاشر رجل رجلا آخر كمن يدعو إلى خلاف السنن البشرية التي خلق الله عليها الإنسان.. اتقوا الله فيما تكتبون لأنكم مساءلين عن كل حرف تكتبوه.
لست هنا بصدد تنصيب نفسي عن المجتمع لأقف في وجه ممن يدعي الحرية وهي براء منه، وإنما واجب حتمته الرسالة التي ابتغيت أن أخوض غمارها لكي أُقدم ما يفيد المجتمع بناءً على مصداقيّة الرسالة ومهنيتها التي لا يحس بها إلا من عرف مبادئها وأبعادها الإنسانية والاجتماعية والثقافية، ومن البديهي جداً أن نجد التناقض في المجتمع، عندما كان توجهنا في غير محلة، أو عندما أتيحت الفرصة لكثير من الهُواة بأن يُمنحوا مساحات للكتابة وهم بعيدين كل البعد عنها، لذلك كان العبث سيد الموقف فاعتبره الآخرون أو من يريدون أن يوجدوا شرعية لذلك إنه اجتهاد.. لكنه على خلاف ذلك بحكم أنه من جاء من النافذة مندساً، ليس كمن جاء من الباب كعُرفٍ سائد في الإلمام بكل مجريات ومسارات الكتابة.. فالأول يبقى متخبطاً في كافة أفكاره، وربما نظرة المسؤول ساهمت في إعطاء تلك النماذج الخيط والمخيط في تفسير كل ما يحلو لهم. فأحلّوا لأنفسم ما حُرم لغيرهم.. لكن وإن استمروا هؤلاء في مشهد الرسالة إلا أنه سيأتي يوما ستختفي الفقاعة كاختفاء سابقتها.
إلى أولئك .. وهم كُثرُ .. لا تعتقدوا أنكم بلغتم القمة.. لأنها لا تبقى على ما تعتقدون.. وعليكم أن تسجدوا لله سجدة شكر، ومنها تتفكرون، في دوركم الحقيقي، وليس المزيف.. لأن الرسالة أمانة لا يُمحى أثرها.. فخلد اسمك بما يليق بإنسانيتك لا بعكس ذلك.
همسة:
عندما سقطت الذبابة في الكأس.. لم يكن بإرادتها وإنما تطفُلا منها لكي تحظى وتتلذذ بما فيه.. لكنها جنت على نفسها صنيع تطفُلِها.. في المقابل هناك من يقذف بالكأس وما فيه إلى المزبلة ويعيد غسله بالماء سبع مرات والثامنة بالتراب.. وهناك من يُخرجها برفق أو يغمسها لكي يشرب سرها وما تبقى في الكأس من شراب.. فكل يصنع ما يروق له لأنّ الأمر شخصي.. ولا يمكن أن نعمم ذلك.
"ليس لأنك جميلة فقط .. ولكن لأنك متحسسة لما أقول وتقرأين فكري قبل قولي وفعلي.. لذلك أنت متميزة ومميزة بخصالك التي سكنت الشغاف".
*كاتبٌ وإعلامي
abuzaidi2007@hotmail.com