مارسيل خليفة لـ"الرؤية": دار الأوبرا السلطانية منارة للثقافة الموسيقية في الوطن العربي والعالم

الحرب الأهلية والوحدة دفعاني لتلحين قصائد محمود درويش

افتتاح أكاديمية مارسيل خليفة للموسيقى بالمغرب منتصف العام

الرؤية - شريف صلاح

تصوير/ خالد البوسعيدي

أشاد الفنان اللبناني المخضرم مارسيل خليفة بالدور التنويري البارز لدار الأوبرا السلطانية، مؤكدا أنّ الدار تمثل منارة للثقافة الموسيقية في الوطن العربي والعالم بأسره.

وقال خليفة- في حوار مع "الرؤية"- إنها ليست الزيارة الأولى له إلى درار الأوبرا السلطانية؛ حيث إنه اتيحت له فرصة حضور أحد عروض الموسم الماضي، وقد أثارت دهشته الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في الدار؛ حيث احتفظت بالأصالة العربية والروح العمانية الأصيلة.

وأوضح خليفة أنه انتقل بين الموسيقى كملحن وبين الإنشاد كمغن لأشعار محمود درويش، وقال: "عندما أخذت الشعر العربي الحديث، أخذته كموسيقي ولم آخذه كمغن أو مطرب يريد أن يؤدي عملاً يطرب به الآخرين. وتعاملت مع القصيدة من موقع موسيقي، وكتبت موسيقى موازية للنصوص. وكان للموسيقى دوماً مكانا ووجودا في داخلي. وبتقديري فإن الموسيقى عبرت إلى الناس وقدمت القصيدة، أو أن القصيدة أخذت من الموسيقى وتشابك الاثنان".

وأضاف خليفة أنه عندما قدم أعمالاً موسيقية خالصة، لم يجد مشكلة في تقديمها، وحرص على ذلك منذ بداية عمله في هذا الحقل، من خلال أعمال موسيقية ومقاطع موسيقية قدمها في الأفلام والسينما والمسرح ورقص الباليه وغيره. بيد أنه أدرك في فترة من الفترات، أنه يجب أن تكون هناك أعمال مستقلة لتفادي الخلط بين الموسيقى والأغنية، مشيرا إلى أنه قدم أعمالاً متعددة مثل "جدل" و"ثنائي العود" وكونسيرتو "موسيقى الأندلس" وموسيقى لأعمال راقصة، بجانب وجود رباعي العود أو الموسيقى الأكاديمية المعدة للطلاب.

ونفى خليفة ما يثار عن انفصاله عن الشعر، لكنه يرى أنه يحتاج إلى قضاء بعض الوقت بعيدا عن الشعر، لكنه حث على أهمية الحفاظ على التراث والثقافة الموسيقية في مواجهة الاجتياح الذي تروج له العديد من الفضائيات في المشهد الموسيقي، من خلال أعمال لا تمت للفن بصلة، وهو الأمر الذي أثر بالسلب على عشاق الطرب الأصيل. وقال: "لم نحقق الوحدة العربية في السياسة لكن هذه الفضائيات حققت وحدة في تهميش المواطنين العرب". ويرى خليفة أن ما تشهده الساحة الموسيقية الآن من إسفاف يدق ناقوس الخطر لاتخاذ إجراءات تحترم أذواق الجمهور، وترتقي به، وينبغي عدم إفساح المجال لهذه الفضائيات، وفي المقابل إنتاج أعمال جادة تحافظ على التراث الفني الأصيل.

وانتقد خليفة ما يعانيه الوطن العربي من تلوث سمعي وثقافي خطير، يهدد الوعي الجمعي للمجتمعات العربية، مبديا دهشته من غياب الدعم للجادين، وافتتاح قنوات تلفزيونية ترتقي بالثقافة وتواجه الغزو الفكري والثقافي الرامي إلى التحلل من كافة القيم والمبادئ الراقية.

ويشدد خليفة على أنّ الأغنية العربية تعاني من "وضع صعب"، حيث إن الجوانب التجارية تطغى وبكل قوة على العوامل الفنية والمعايير الموسيقية. لكنه يرى بصيص نور من الأمل في نهاية المطاف، لافتا إلى أن مبادرة "مهرجان العود" تعد خطوة على المسار الصحيح.

درويش والقصائد

ويتطرق خليفة إلى الحديث عن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ويكشف الكثير عن سر علاقته به، وحرصه على تلحين قصائده، قيقول: "هناك حقيقة لا يعلمها الكثيرون هو أنني عندما قمت بتلحين وغناء قصائد محمود درويش لم أفعل ذلك طواعية.. ففي ذلك الوقت كنت مازلت خريجا جديدا من معهد الموسيقى آنذاك، وكنت مجبرا على المكوث في منزلي أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وكنت اختلي لفترات طويلة مع العود، بصحبة دواوين درويش، وفي هذه الأثناء أخذت ألحن بعضا من قصائد درويش، إلى أن قررت السفر إلى فرنسا هربا من ويلات الحرب.

ويزيد: في ذلك الوقت قمت بتلحين قصيدة "وعود من العاصفة"، وهي أول أغنية من قصيدة لمحمود درويش، على الرغم من أنني لم أتعرف وقتها على الشاعر شخصيا، فحينها كنت اعتقد أن هذه القصائد ملكية عامة ولا ضرورة لإعلام الشاعر بنية التلحين". واستعرض خليفة محطات ولقاءات عديدة جمعته مع درويش، وقال: "لسنين طويلة ارتبطت موسيقاي بشعر درويش فتآلفت أعمالنا في ذاكرة الناس حتى صار اسم أحدنا يستذكر آليا الآخر، ولا عجب في ذلك فكل محطات مساري الموسيقي مليئة بالإشارات إلى شعر درويش بدءًا من وعود من العاصفة وصولا إلى سقوط القمر. وحول هذا الألبوم الأخير، يؤكد خليفة أنّ ألبوم "سقوط القمر" بمثابة تحية لمحمود درويش بعد غياب أربع سنوات، حاولت في البداية أن أكتب له شيئا ما، لكن فكرت أن أترك هذا الوقت لاحقا، وبعد أربع سنوات ارتأيت أن أكتب هذا العمل، وكنت أحييه من قصائده ومن موسيقى كتبتها عن القصائد وليس فقط أغنيات، فالألبوم نوع من التحية العميقة لصديقي الذي ذهب بعيدا ولكن بقي معنا شعره.

رامي وبشار

ولخليفة ولدان، رامي وبشار، ويشير إلى أن علاقته بابنيه علاقة إنسانية تخطّت الإطار التقليدي الذي يجمع الأب مع أبنائه، فهي علاقة قائمة على الحوار والبحث عن الجديد والمغاير، مشيرًا إلى أن رامي وبشار يملكان مشروعاً موسيقياً واعدا. وأضاف: "التقينا فنّياً وتكاملت أدوارنا، فكان التقاء مشروعي ومشروعهما، ونحاول دائماً أن نطوّر لغتنا الموسيقية وأدواتنا متجنّبين مطبّ التكرار. فهما ابنا هذا العصر الذي أجدني منجذباً إلى نبضه، ويستهويني الانخراط فيه أكثر فأكثر، وقد رافقتْهما أغنياتي منذ نعومة أظفارهما. ولا يمكن الفصل حالياً بين ما أقدّمه وبين ما يقدّمه رامي وبشار. إننا نشترك في صناعة الحدث وتركيبه، سواء على مستوى الكتابة الموسيقية أو التأليف أو الأداء، ونحن نحضر حاليا لعمل جديد يجمعنا سويا.

وكشف خليفة عن أنه بالفعل يعد العدة لافتتاح أكاديمية مارسيل للفن في المغرب، وقال إنه سيتولى مسؤولية الإشراف على إدارة هذه المؤسسة الأكاديمية، علاوة على أنّ سيقوم بتدريس بعض المستويات فيها، ومن المتوقع أن تستقطب الأكاديمية أسماء فنية ذات وزن كبير وحضور بارز تهتم بالفن والموسيقى سواء في المغرب أو المشرق العربي، ومن بينها أسماء مغربية وأخرى من خارج المغرب، وسيكون من بين اختصاصاتها الاشتغال على جمع وتوثيق الموسيقى المغربية على اختلاف تنوعها وانتمائها، في حين ستشرف وزارة الثقافة المغربية، ومجلس بلدية طنجة على تمويل هذا المشروع الذي يتطلب ميزانية ضخمة، خاصة أنه سيدرس طلابه ومن المتوقع افتتاح الأكاديمية خلال النصف الثاني من العام الجاري.

"الربيع العربي"

ولم يغفل خليفة خلال الحوار التعريج إلى "الربيع العربي" وما يحوم حوله من خلافات في طبيعته ونتائجه، وقال إن الحراك الشعبي في أقطار الوطن العربي كانت نتيجة ضغوط متراكمة، لكنه أوضح أن هذا الحراك يتطلب عملا دؤوبا للمحافظة عليه، لكنه قال إن الانتفاضات الشعبية لا تزال تتطلب مزيدا من الوقت لكي تظهر النتائج الحقيقية المتوقعة. ويؤكد أنه لا يوجد ثورة في العالم نجحت في تغيير الأوضاع بمجرد ضغطة زر. ضرب مثالا بالثورة الجزائرية التي احتاجت إلى 132 سنة من أجل التحضير الداخلي التحرري والجهادي، لكي يصل الشعب إلى تحرير الأرض من المحتل، وقدمت الكثير من الشهداء والعطاء والتضحيات كي تحقق الهدف.

ودعا خليفة إلى محاربة العدو الداخلي وهو الأمية والجهل، فالانظمة المستبدة لا تقدم لشعوبها سوى الجهل والعيش المستمر في حالة من البؤس والقمع وسلب الحريات.

وشدد مارسيل خليفة على أهمية إدراك الوطن العربي بأسره أن الثوارت التي شهدتها المنطقة اخترقها البعض واغتال أحلام الشباب العربي في تأسيس نظام عربي يؤمن بالحريات، لافتا الى ان النظام العالمي الجديد هو نظام موغل في القِدَم، ويعيدنا إلى التوسّع الاستعماري وعودة التيارات الأصولية سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية. واختتم بالقول: "أحزن لرؤية هذا المشهد وأبحث عن منفذ، عن ضوء يلوح في أفقٍ بعيد، إذ ينبغي الاشتغال على ثقافة الحرّية والديمقراطية، وتكريس قواعد وأسس الحرية، والفن بدون حرية يستحيل أن يكون له وجود، والفنان الذي لا يكون حرًا، لا يمكن أن يكون فنانًا على الإطلاق.

تعليق عبر الفيس بوك