زينب محمد الغريبية
اقترب موسم معرض الكتاب وازدحمت المطابع بطباعة المنشورات الورقية من كتب وغيرها للمؤسسات الحكومية أو للأشخاص، تأخرت في طباعة ما لديّ بسبب ظروف فنية مررت بها، وقد كنت أضمن أن أجد دورا للطباعة بحكم علاقتي الوطيدة مع مديرة إحدى المطابع هنا في البلد، فكم تعاملنا سويا وطبعت كل مطبوعاتي السابقة لديهم فأنا زبونة دائمة، إلا أنه للأسف لا اعتراف في بلدنا بهذا الموضوع، فالمستهلك ورضاه هو آخر ما تفكر به المؤسسة أو مقدم الخدمات. فدائمًا ما ينظر إليه بأنه هو المحتاج، وسوف يضطر المستهلك للتعامل مع تلك المؤسسات أيا كانت المعاملة أو جودة الخدمات المقدمة؛ فالمستهلك المسكين لا يجد البديل ومضطر للتعامل مع هكذا أوضاع، هذا ما خلفته قلة المنافسة الموجودة في سوقنا للأسف. فالخدمات حكر على أشخاص معينين هم من يتحكمون في رقاب النّاس.
كان ردها عليّ بمثابة صاعقة هبطت على رأسي، فقد ردت علي بكل جفاف عندما سألتها هل ستجدين لي مكانا لطباعة منتجي، قالت:"لا" بدون مقدمات ولا اعتذار ولا تودد. لم أزد عليها كلمة واحدة، ولم أستسلم لردها، ولم أتوقف عند حدود تحكم شركاتنا، توجهت نحو دولة مجاورة حيث تتنوع الأسواق وتتناغم، لتقدم لك ما لذ وطاب، ومن المفارقات الجميلة التي علمتني معنى كبيرًا من معاني الحياة أن وجدت "سمر".
سمر تلك الفتاة الرائعة التي تعمل بكل جد وإخلاص، تجدها في نهاية يوم العمل في السادسة مساء في نفس حالة النشاط والعطاء عندما تجدها في بداية اليوم صباحًا، تعمل في مؤسسة كبيرة، لديها معاملات ضخمة، وأعمال جمة، وتطبع لمؤسسات كثيرة داخل البلد وخارجها، ولكنك تجدها تتعامل معك وكأنك زبونها الوحيد، تعطيك وقتك الكافي لمعرفة كل ما لك وما عليك، أكملنا كافة المعاملات من خلال البريد الإلكتروني"الإيميل"، وبرنامج إلكتروني خاص بمطابعهم لاعتماد النسخ النهائية للطباعة، وتحويل المبالغ إلكترونيًا، وشحن المطبوعات إلى هنا، وتسليمي إياها في منزلي، هكذا بكل بساطة..
كانت تتواصل معي في كل صغيرة وكبيرة، تخبرني بكل المستجدات، اعتنت بي، وراعت ضيق الوقت الذي كنت فيه، فأنجزت لي العمل في وقت قياسي، أكنت أنا الزبونة الوحيدة لدى سمر، لتقدم لي كل تلك العناية؟ أم أنها تحتاج إلى معاملتي تلك لتربح مؤسستها فلا يوجد لديها عمل يغطي تكلفة تشغيلها؟ أم أنّ سمر تعمل في قانون سوق غير الذي يحكمنا؟ هل هي المختلفة؟ أم أنها هي الطبيعية، والمختلف هو ما يوجد لدينا؟ هل نضطر لنبحث عن هذا خارج حدودنا لنجد الاهتمام واعتبارنا زبائن من حقنا أن نشعر بأننا ندفع من أجل الحصول على الخدمة؟ فمن حقنا العناية والاحترام.
حتى عندما وصلت مطبوعاتي للمنزل، اتصلت بي لتتأكد من أنني قد استلمتها، وتسألني عما إن كان كل شيء على ما يرام، وأنني راضية عن المنتج والخدمة، فتابعتني العناية حتى بعد أن استلمت وانتهت مهمتها، أ يصعب علينا أن نحصل على سمر في مؤسساتنا وشركاتنا، ألا يمكن أن تقوم فكرة سوقنا على وجود سمر بيننا، في كل خدمة تقدم لنا، فعندما انقطعت خدمة "الواي فاي" المنزلي بدون سبب، اتصلنا أكثر من أربعين مرة خلال شهر ونصف وتلقينا كثيرًا من الوعود للنظر في الموضوع دون جدوى، ولم تنته المشكلة إلا بمقابلة مسؤول وتقديم شكوى لإعادة الخدمة لنا، لم يكن بيدنا إلا القبول، والاستمرار فلا منافس في الساحة، فالشركة الثانية الموجودة لا تملك تغطية في منطقتنا، فما العمل إذن؟ عندما يجتمع سوء الخدمة مع عدم الاهتمام بالمستهلك؟ تتعطل كثير من أعمال المستخدمين لأجل خطأ من الشبكة، ويمر المستهلك بظروف في فترات الانقطاع تلك يحتاج إلى الخدمة لاستكمال معاملات مهمة، ومع ذلك لا يجد من يعوضه عن تلك الأضرار، فحتى في حماية المستهلك لا يوجد ما يحمي المستهلك في تلك الحالات. فما أحوجنا إلى سمر في مثل هذه المؤسسات، والقانون الذي يحكم سمر.
رغم حجم الانشغالات لم تأل سمر جهداً في الرد على أي مكالمة أو رسالة نصية مني للاستفسار عن أي شيء، في حين عندما كنت أتواصل مع شركة من داخل حدود البلد لشحن المطبوعات من مطابع سمر، كنت أضطر للاتصال عشرات المرات، وقد أجد إجابات جافة وكأنني مضطرة للتعامل معهم، وبتعامل سيئ، ألا يوجد موجه لك لكيفية التعامل مع المستهلك؟ أم أنه القانون الوضعي من صنعهم في التعامل مع المستهلك وقد أصبح يحكم البلد؟.
وفوق كل هذا، لن أنسى الأمانة التي تعاملت بها سمر معي رغم أنها لو استمرت لمضى الموضوع دون أن أشعر، فقد أعطتني سعر طباعة لأحد المطبوعات، وتمت الموافقة من جهتي على السعر، فقد اعتبرته مناسبًا لي، وفي اليوم التالي تفاجأت بأن أرسلت لي سعرًا آخر في رسالة ودية تقدم فيها اعتذارها بسبب خطأ حصل في قراءة حجم الكتاب، وقد انخفض السعر إلى نصف القيمة تقريبًا، كان بإمكانها الاستمرار فقد تمت موافقتي على السعر السابق، وبذلك فهي ستحقق ربحاً أكبر وبموافقتي، إلا أنّ الأمانة حتمت عليها ذلك، في المقابل لم تكن سمر موجودة في شركة الشحن المختارة من قبلي من داخل البلد، فقد أحضر لي مدير الشركة أوراقاً عند تسليمي جزءًا من المطبوعات، لم تكن من ضمن اتفاقنا المسبق، بحجة أنها معاملات قد أنجزتها الشركة خارج الحدود ويجب أن أدفعها، وقد دفعت فيها مبلغًا ليس بالهين، لأكتشف فيما بعد أن تلك الأوراق تم إنجازها من قبل المطابع وأن المطابع هي من دفعت. لتقدم لي سمر بعدها شركة أخرى للتعامل معها لإيصال ما تبقى من مطبوعات.
وإن كانت الأمانة شيء لا يقاس به أناس في بلد دون آخر، ولكن الصورة اكتملت وترابطت في ذهني لتكفيني في تكوين حكم ما ليس وليد لحظة بقدر ما هو تراكم لخبرات عدة من تعاملات طيلة مسيرة حياتي هنا، فما أحوجنا لوجود سمر في كل مؤسساتنا، لنشعر بأننا مستهلكون من حقنا العناية مقابل ما ندفع، فالخدمات ليست مجانية، وندفع لها قدر ما يطلب منّا، ونحن لا نطلب سوى المعاملة الجيدة، الإنجاز في الوقت المحدد، فقانون سمر لابد أن يعمم على جميع المؤسسات، ليعم رضا المستهلكين، شكرًا لك سمر.. أيتها النموذج في العطاء..
zainabalgharibi@yahoo.com