"صحفيون في بلاط صاحب الجلالة" يستعرض محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام

مسقط - العمانية

صدر عن دار كنوز المعرفة كتاب "صحفيون في بلاط صاحب الجلالة.. محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية" للباحث ناصر أبوعون، ويتضمن دراسة حول الصورة الإعلامية والذهنية للسلطنة وحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه خطة إعلامية لتطوير وتحديث الصورة الذهنية والإعلامية تضطلع بها وسائل الإعلام في السلطنة والملحقيات الإعلامية في الخارج وتقوم على تنفيذها.

واستشهد الباحث في دراسته بنماذج واقعية مستندًا إلى حوارات جلالته أيده الله مع وسائل الإعلام وقام بتدوين كافة الحوارات التي وصل عددها إلى 67 حواراً و3 مؤتمرات صحفية وتصريحات عديدة لوكالات الأنباء وقنوات فضائية. وعمل الباحث على تحليل حوارات ومقابلات وتصريحات جلالته الصحفية وإجراء مقارنة بين المبادئ العامة للسياسة العُمانية الحديثة في الداخل والخارج التي وضع جلالته خطوطها العريضة منذ البدايات الأولى لبناء الدولة الحديثة في سبعينيات القرن العشرين .

وتحدّث الباحث عن نظرية الحكم وتوصل إلى أنَّ منظومة الحكم في السلطنة تنطلق من جذور تاريخية ضاربة في القدم وتتكئ على ثوابت النموذج السياسي الذي قدمه فقهاء الإسلام التنويريون لنظرية الحكم من شورى وإجماع وعقد وبيعة وحرية المعتقد وأكدت على العديد من الثوابت منها توحّد الوطن كدولة سياسية تحت قيادة موحدة واعتراف الدولة بحرية المعتقد للمذاهب المختلفة والقبول بالواقع القبلي والعشائري .

وذهب ناصر أبوعون إلى أنّ الخطوط العريضة لرؤية جلالة السلطان المفدى السياسية ومبادئ سياسته في قيادة الدولة تستند إلى العديد من المبادئ وهي أن هدف السياسة في الإسلام هو إقامة الدين وتدبير سياسة المحكومين وأنه ليس للإسلام صورة واحدة في النظام السياسي ونظام الحكم في الإسلام ليس وراثياً ولا ثيوقراطيا يستغل به رجال الدين سيطرتهم على العباد إنما هو نظام حياتي مستمد من الوحي ومعايش للواقع المستجد في ظل أهل الحل والعقد. كما أنّ نظام السياسة في الإسلام لا يحجم عن الغير بل يستفيد من تجاربهم وأن في السياسة الإسلامية القدوة قبل السلطة والتوجيه قبل التشريع إضافة إلى أنّ السياسة في الإسلام تتسم بالثبات لا الجمود والتوازن، والعدل وهي سياسة هادفة إلى العزة والكرامة الإنسانية والخيرية والعدل المطلق، ونفي العنصرية والبرِّ، والقسط والرحمة وقدسية المعاملات والمواثيق الدولية لكونها سياسة مقاصد توصف بالإيجابية والتسامح والصالح العام والعمل مع الفطرة لا ضدها .

ويتحدث الباحث عن بناء المجتمع الأفضل قائلاً إن جلالة السلطان المعظم ركّز في جُلّ أحاديثه وتصريحاته ومحاوراته للصحفيين العرب والأجانب على سعيه الدؤوب نحو بناء مجتمع أفضل ينطلق من بنية فكرية وعلمية تقوم على بناء البشر قبل الحجر، مستنداً إلى ثلاثة محاور تتمثل في أن المنظور القرآني والمنظور المدني يتطابقان في الاهتمام بدور العقل الرائد في فهم الكون وتسيير شؤون الناس ومجتمعاتهم وأنه على الرغم من إشكالية الصحة والزلل التي تتصف بها المعرفة البشرية فإنّ ذلك لا يجب أن يؤدي إلى تهميشها اقتناعًا بأن التفكير العقلي هو أهم صفة ميّز بها القرآنُ الإنسانَ على بقية الكائنات الأخرى .

ويتوصل الكاتب إلى أن المعرفة العقلية مهما تكثفت مصادرها وفروعها وتكاملت، فإنها تبقى معرفة تتسم بإمكانية الخطأ والصواب وهي ظاهرة دائبة الحركية والاجتهادات والتأزم والصراعات الجدلية المستمرة من دون الظفر المؤكد بتاج المصداقية المطلقة وتظل دائما مزيجا من الشك واليقين.

وتناول الباحث ما يتصل بمشروع بناء الهوية الوطنية وقال إن جلالة السلطان قابوس المعظم أيقن - مبكرًا ومنذ اللحظة الأولى التي قاد فيها مسيرة النهضة في السلطنة بحتمية إنجاز مشروع لبناء الهوية الوطنية الواحدة والجامعة لكافة مكونات المجتمع كأساس وخطوة أولى في بناء الدولة الحديثة وإن عبقرية الهوية الوطنية الواحدة الجامعة تتمثل أيضًا في قدرتها الكامنة على تحويل التعدد والتنوع الطبيعي للمجتمع إلى ثروة وطنية لتنمية ونهضة المجتمع ونزع فتيل المفجر النفسي والذهني الخاص بالخوف لدى كل فصيل على حاضره ومستقبله خشية الإقصاء والحرمان من حقوقه الخاصة والعامة وبيّن أنّ عملية التكامل لبناء وتنمية الوطن تستند إلى منظومة متكاملة من المبادئ والمرتكزات تأتي في مقدمتها الهوية الوطنية للمجتمع والاعتراف الكامل بكل المكونات الطائفية الموجودة فيه والاستناد إلى الوجود التاريخي كأحد المكونات التاريخية لهذا المجتمع وليس الأكثرية العددية والاستناد إلى منظومة القيم الإنسانية العالمية المتعارف عليها عالميًا بالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة والتراحم التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي ومراعاة القيم المشتركة لكافة مكونات المجتمع الواحد ومنظومة القيم الفرعية التفصيلية لقيمة المواطنة ومجموعة قيم الرقابة الشعبية

ويفسر الباحث نظرية الأدوار المتكاملة من خلال دراسة التغطية الإخبارية لمشاريع التنمية الوطنية في السلطنة على صفحات جريدة عُمان وإشارات جلالته أعزه الله إليها في أحاديثه الصحفية مبينا أنّ جلالته وضع لنفسه وبلاده هدفًا استراتيجياً منذ اللحظات الأولى لمجيئه للحكم تمثّل في بناء دولة حديثة يشارك فيها العمانيون كلٌ على قدر طاقته ومهارته ووضع خططاً تنموية على أسس علمية تسعى في وقت قياسي إلى إعادة إعمار الدولة وإعادتها إلى الواجهة الحضارية بعد عزلة طويلة وشغل نفسه أبقاه الله بشعبه وابتعد عن أضواء البهرجة الإعلامية إدراكًا منه واقتناعًا بأنّ عصر الزعامات قد انتهى وأنّ القائد الحقيقي لا يبحث عن دور خارج حدود بلاده بل هو من يشغل نفسه بقضية تنمية بلاده والنهوض بأمته وشعبه .. وقد حاول تصدير النموذج عربياً عندما دعا إلى انتهاج سياسة عربية جديدة تقوم على التكامل بين الأدوار وترك الزعامة خلف الظهور بعد أن صارت شيئا من الماضي.

وأورد الباحث قراءة تفسيرية للخطاب الإعلامي انطلاقًا من الدراسة النسقية للعلامات السيمولوجية داخل المقابلات الصحفية التي قامت بها كبريات الصحف العالمية العربية والأجنبية مع جلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه- ودراسة آلية إنتاجها وتوصيلها وتصنيفها في لغة خاصة تفرّدت بها المحاورات وتوصل من خلال دراسة محاورات السلطان قابوس مع كبار محرري الصحف العالمية والعربية إلى العديد من النتائج.

وتتمثل النتائج في استخدام بعض المحررين في مقدمة مقابلتهم الصحفية مع السلطان قابوس أسلوب (الصورة الأدبية الدقيقة المختصرة) وأن حوارات جلالته كانت عفوية ولم يعد لها مسبقاً كما جاءت الإجابات ليست سابقة التجهيز ويمكن توصيفها اصطلاحاً بأنها ذات نمط حواري اتسمت بصفة التفاعل والاستجابة المتبادلة وابتعدت عن النمط الأحادي الصوت أو المنولوج.

ويذهب الباحث إلى أن إجابات جلالة السلطان المفدى كشفت عن قبولٍ من جانبه أيده الله للعقل باعتباره السلطة العليا في مسائل الاعتقاد والسلوك والرأي واعتماده النزعة العقلية واتكائه على مذهب فلسفي يقول إنّ العقل هو مصدر المعرفة والخبرة والتجربة مكملة له لأن المبادئ العقلية فطرية في الذهن والنزعة العقلية، بإعلائها من قيمة العقل.

وأظهرت الإجابات سرعة البديهة من جانب جلالته أبقاه الله والإدراك اللماح والتعبير المبتكر الملائم للفكرة بحيث يثير الدهشة والابتهاج على غير توقع وتعتمد سرعة البديهة على حيوية التعبير وملاءمته .

وتوصل الكاتب إلى أنّ جلالة السلطان المعظم اعتمد في جميع حواراته ومقابلاته الصحفية على عملية الاستدلال العقلي في التدليل المنطقي.. وهو منهج نسقي في التفكير يقوم على الترتيب المنتظم والدقة يبدأ من الاختبار المستقصي للمواد وصولاً إلى النتيجة ذات الصياغة اللغوية الدقيقة.. كما استند جلالته في نقاشه على مبدأ العلة والمعلول السبب والنتيجة مؤكداً أن الكثير مما نقرأه في حواراته هو نتاج لعلاقات السببية.

وتوصل كتاب صحفيون في بلاط صاحب الجلالة.. حوارات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية للباحث ناصر أبوعون إلى أنّ معظم الأسئلة الموجهة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- من قبل المحاورين الصحفيين كانت تنحصر في صيغة (السؤال الخطابي) وهو السؤال الذي يُسأل لإحداث تأثير أو لتقرير حقيقة والغرض من مثل هذا السؤال الذي تكون إجابته واضحة إحداث تأثير في السامعين أو القراء أعمق من تأثير العبارة التقريرية المباشرة.

تعليق عبر الفيس بوك