مجلس الشورى والحلقة المفقودة

سلطان الخروصي

 

يبدو أنّ الحديث في الشارع العُماني حول كثيرٍ

مما أفاضت به الجلسة الحوارية الأولى بمجلس عُمان بمعيَّةِ سعادة رئيس مجلس الشورى وعدد من المسؤولين بالدولة والضيوف الكرام والتي جاءت بعنوان "مجلس الشورى والتجربة الديمقراطية بسلطنة عمان" لا تزال تفاصيلها جاثمة في سيناريوهات التحليلات الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ فلا يكادُ يخفت نهار يوم إلا وتنهال علينا (هاشتاقات) ساخنة تنبشُ في جنباتِ المجلس لتُفَصِّلَ لنا الواقع بدقةٍ مُتناهية لتَتَبصَّر بمستقبله ومدى الجدِّية على أن يكون رقماً برلمانياً صعباً له اعتباره السيادي في الشراكة مع الحكومة لاتخاذ القرارات التي تخدمُ الصالح العام، وقبل أن أُسدِل مِداد قلمي في ماهية ودلالات تلك الجلسة الحوارية وما يُمكن أن يصفه القارئ بتحليل المواقف والتصريحات - إن صح التعبير- لابد أن نُنصِف المجلس في بصمته الرائدة نحو إذكاء روح التفاهم والتلاحم الوطني إثر أحداث فبراير 2011 والتي كادت تعصف بالبلاد إلى أنفاق مُظلمة لا يعلم كُنهها إلا رب العالمين، أضف إلى ذلك تفعيل بعض الأدوات الرقابية التي كانت شبه مُحرَّمة عليه قبل ذلك فبدأنا نُشاهدها - ولو على استحياء- وعلى رأسها المحاولات الجادة لاستجواب عدد من الوزراء والمسؤولين بالدولة، علاوة على قناعة المجلس بأنّ المثقفين والصحفيين والمؤسسات المختصة بخدمة المجتمع جزء لا يتجزأ من المنظومة التكوينية للمجلس من خلال الحوارات والنقاشات والملتقيات التي تُطرح فيها رؤاهم وتصوراتهم وملاحظاتهم وتقييمهم لإنجازات المجلس خلال دورته الحالية وتلك سابقة يُشكر عليها المجلس رئيسًا وأعضاء وموظفين.

قد لا يختلف اثنان أن القوة البرلمانية في أيِّ أُمَّةٍ لا يُمكن أن يُعوِّل عليها المواطن في الذَّودِ عن حقوقه وروافد التنمية الوطنية إلا إن تُرجمت إلى واقعٍ يُلامس تفاصيله في حياته اليومية بمنطلقات خدمية وتشريعية ورقابية؛ فيشعر أنه يملكُ سنداً عتيداً ضد أيّ مُتربِّص للنيل من حقوقه، أوفسادٍ أزكمت شراهة مصالحه الشخصية أنوف الشُرفاء، أو مُتسيِّبٍ في نفوذ يدفعه هوى نفسه لاغتيال الاستراتيجيات الوطنية التي تسعى لتحقيقها الحكومة الرشيدة في سبيل التطوير وبما يكفل النماء للصالح العام، وعلى ضوء ما سبق كُنتُ أتساءل وأنا في عمق الحوار حيث كان سعادة الرئيس يُمطرنا بالإنجازات التشريعية والقوانين وشذرا من الإحصائيات والأرقام - وهنا أرفع العِمامة للرئيس في جرأته وصراحته وشفافيته وخُلقه النبيل- وفي معمعة الاستعراض وُلِدَ في نفسي سؤال مُشرَّد: هل هذه الإنجازات التي تتواتر أمامي لامسها المواطن خلال الأربع سنوات الماضية؟ فإن كان الجواب بـ(نعم) فلماذا إذًا يُلقي الشعب أطناناً من التذمُّر حيال أداء المجلس ولجانه المختلفة؟!، وإن كان بـ(لا) فمن المسؤول عن غياب هذه الإنجازات عن أعين المواطن؟!، وبعد انتهاء البيان المُفصَّل من سعادة الرئيس فُتح باب الحوار والذي وضع النقاط على الحروف بالنسبة لي ولكثيرٍ من المُراقبين للواقع البرلماني في السلطنة؛ إذ سطَّر قلمي مقالات سابقة قدمت رؤية شبه انتقادية للمجلس تضعه في حيِّزٍ ضيقٍ قوامه السِّمة الاستشارية عبر مراجعات غفيرة للقوانين والتشريعات دون أن تكون تلك الرُؤى مُلزِمة للحكومة ومن تلك المقالات: "مجلس الشورى زوبعة في عمق فنجان"، و"سؤال في إيوان مجلس الشورى" وغيرها؛ إذ كُنتُ أتساءل عن الأجزاء المُكمِّلة لمنظومة الصلاحيات الرقابية والتشريعية للمجلس بعيداً عن ديباجية الاستشارية التي سَئمَ المواطنون منها، وقد طرحت هذا السؤال على عدد ليس بالقليل من الأعضاء إلا أنني لم أجد جواباً(جريئا)إلى أن سمعتها من أعلى سُلطة مُمثلة للمجلس وهو سعادة الرئيس.

 

فأمام تلك الأرقام والشرائح المتوالية استوقفني أمران أساسيان أجدهما العمود الفقري لتلك الجلسة الحوارية وهي بمثابة نصيب الأسد للمواطن في أن يَتَبَصَّر به ويعرفه، فالأول يتصل بالأدوات الرقابية والتي كانت أعلاهنَّ من بين الثمان الواردة في اللائحة الاستجواب، وطُرحت أسئلة كثيرة حول الدور الرقابي للمجلس إذ لم تشهد الساحة العُمانية استجوابا لأيِّ وزير، وكانت تفاصيل مسار الاستجواب والذي يعدُّهُ المجلس أقوى أدواته أن نهايته تكون من خلال رفع تقريرٍ يضم بين جنباته تفاصيل مخالفات الوزير أو المسؤول لمجلس الوزراء والذي بدوره يرفعه للمقام السامي للبّتِّ فيه، وكان تصريح سعادة الرئيس بأننا نملك كل الصلاحيات التشريعية لكن لا نملك كل الصلاحيات الرقابية!، وهنا يُمكن أن يجد سعادته جواباً لسؤاله لماذا لا يُبادلنا المواطن الثقة أمام كل هذه الإنجازات التي نُقدِّمها له وللوطن؟!؛ والشارع يفيضُ بما في جعبته -سيدي الرئيس- إنّ المواطن لا تهمه تفاصيل أغلب القوانين التنظيمية واللقاءات الحوارية بين أجنحة مجلس الدولة وشذرٌ من الأسئلة البرلمانية المُوجَّهة لأصحاب المعالي والمسؤولين والتي لم تتجاوز (72) سؤالاً برلمانياً - كما جاء في البيان- خلال دورة كاملة عمرها (4) سنوات وقوامها (84) عضواً بقدر اهتمامه بالإجراءات التطبيقية نحو محاسبة المُقصِّرين، وحتى لا نُغرِّد خارج السرب نطرح نماذج من التساؤلات المشروعة والتي أضحت رأياً عامًا في الوسط العُماني: فما هي إجراءات المجلس أمام تجاوزات التعليم العالي؟، وأين الموقف الشوري من الصفقات العنكبوتية في بيع الغاز والثروات البيئية الأخرى؟، وما هو دور المجلس في محاسبة المسؤولين عن النزيف الحاد للتعليم وتراجع مستوياته محليًا وعالميًا وتردي مكانة المعلم في المجتمع والانهزامية الوظيفية لكثير ممن يكافحون في الحقل التعليمي؟، أين موقع المجلس في قضايا المجتمع الأخرى المتعلقة بصندوق الزواج وتنوير الأفراد بالمواطنة المسؤولة وغرس قيم المبادئ الشوروية من خلال ثقافة الانتخاب والترشح واستيعاب الواجبات والمسؤوليات البرلمانية للأعضاء؟، وأخيرًا أين موقف المجلس من محاسبة المسؤولين الذين طالما أكدوا أنّ عُمان في مأمنٍ من الأزمات الاقتصادية من خلال الخطط والاستراتيجيات الأصيلة المُعدَّة لمثل هذه المواقف، وإذا بنا نجد أن كُل ذلك ما هو إلا كنافخٍ في القربة المخروقة!؛ فترقيات المواطنين لا تزال في غياهب الجُبِّ، وتطبيق الأوامر السامية حول توحيد الرواتب والعلاوات والتقاعد لم يبدأ مخاضه بعد؛ وذلك ما أوجد شريحة كبيرة من المُغرِّدين الغاضبين على سياسة الحكومة والامتعاض من الاستراتيجيات الإرتجالية، فكل ذلك يزيدُ الحمل والمسؤولية على المجلس بضرورة أن يكون بوقاً رخيماً ينطق باسم المواطن، فدوره ينصب بصورة مباشرة على تحجيم الترهُّل الموجود لدى بعض المؤسسات ومتابعتها وإظهار المفاسد أينما وجدت دون اتباع سياسة السِّرية والكتمان والتي علَّق سعادته على أنها (قد) تُثير البلبلة والفتن في بعض الأحيان؛ فعاهل البلاد المفدَّى على ثقة تامة بأنّ الشعب أضحى على قدرٍ كبيرٍ من الوعي والبصِيرة بما يدور حوله، فليس من الوارد أن يُلقي الحراك الوطني الإصلاحي الذي بدأت تشهده عُمان بظلاله نحو الرجعية والظلامية كما هو الحال في كثير من أقطار العالم العربي؛ لأنّه وبكل بساطة يقوم على ثوابت أصيلة قوامها التآلف والمحبة والتطوير والذي طالما ألِفناه من خطابات الوالد القائد حفظه الله، إذًا فنحن بحاجة لجُرعة من جُرأة حقيقية تعطي المجلس الثقة في مُحاسبة المقصر وتقوِّمه وتأخذ بيد المُخلص وتُعزِّزه، ليمخر الجميع في عباب مسيرة التنمية والتطوير بثقة تامة.

أما الأمر الثاني فهو يتصل بالعلاقة بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء حيث أشار سعادته إلى أن نسبة استجابة الأخير لتوصيات وقرارات الشورى تصل بين (60-70%) وهي نسبة لا تشي بالاطمئنان ومستوى الطموح؛ فغياب (30- 40%) من التوافق مع الشورى هو خسارة كبيرة لتطلعات المواطن وليس ببعيدٍ عنّا الجدل الذي دار بين المجلسين حول قانون "حماية المستهلك"، ثم كيف يُمكن أن يُحاسب الوزير عن تقصيره حين يُرفع التقرير عن مخالفاته إلى مجلس الوزراء وهو عضوٌ فيه؛ وذلك ما يُفسِّرُ غياب القرارات الرادعة للمسؤول وهنا أتفق مع ما ذهب إليه سعادة الرئيس عن أنّ غياب المحكمة الدستورية للبتِّ في القضايا التي تكون محل خلافٍ بين المجلسين يُشكل تحدياً وضغطاً كبيراً لمجلس الشورى؛ إذ إنّه في كثيرٍ من دول العالم يتناصف المجلسان أمر البتِّ في القوانين والتشريعات، أضف إلى ذلك أنّ الكثير من القرارات والتوصيات والدراسات التي تُرفع من الشورى إلى مجلس الوزراء لوضع المرئيات والملاحظات تأخذ وقتاً غير مُحدد وقد يستهلك العُمر الافتراضي "أربع سنوات" للشورى دون الرد على عكس ما يُقدِّمه مجلس الوزراء للشورى وذلك يضع الأخير تحت ضغطٍ كبيرٍ من المواطنين وامتعاضهم من (سلحفائية) اتخاذ القرارات فيما يمسُّ حياتهم ومستوى معيشتهم، إذًا هناك حلقة مفقودة بين المجلسين نتيجتها فقد ثقة المواطن وضريبتها ضياع مصالح الوطن والمواطن.

ختاماً.. كثيرةٌ هي الأقلام التي سال مدادها في تحليل ما دار بين أروقة المجلس في هذه الجلسة الحوارية، فبعضها حاول أن يتسلَّق على ظهر المجلس بمانيشتات عريضة لإحداث بهرجة وتقزيم القيمة الوطنية له في نفوس المواطنين، بينما سعى البعض الآخر إلى تِبيان الحقائق وتجميع أجزاء الصورة لتظهر معالمها الكاملة للمواطن، وليس من الحقِّ في شيء أن يُنال من المجلس في ظل خطابه البَيِّنِ أننا لا نملك الصلاحيات الرقابية (المُطلقة) فلا تُحمِّلُونا ما لا طاقة لنا، وأمام ذلك نتمنى أن يعكف فريق من المختصين بالمجلس لرفع مطلب الرقابة المُطلقة من عاهل البلاد الذي لا يرضى فساداً ولا استغلالاً على حساب الوطن والمواطن.

 

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك