الرؤية و كتّابها

صالح البلوشي

أن تُكَرٍمْ جريدة الرؤية كُتاًبَها قبل عدة أيام، في حفل كبير أقيم في النادي الدبلوماسي بالخوير، للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر فقط؛ فهذا يعني حرص هذه المؤسسة الإعلامية الفتية، التي لا يتجاوز عمرها الخمس السنوات؛ على نشر رسالتها التنويرية في المجتمع، التي تتمثل في نشر الفكر بتياراته ومدارسه المختلفة، والمعرفة بأطيافها الأدبية والثقافية والسياسية. ولعل "الرؤية" الجريدة الوحيدة في السلطنة وربما الخليج بأسره، التي يجتمع في صفحات الرأي فيها أقلام ينتمون إلى مدارس فكرية مختلفة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولذلك فلا عجب أن يقرأ القارىء في هذه الجريدة مقالا يؤيد الجماعات المسلحة التي تقاتل في سورية من أجل إسقاط نظام الحكم هناك، وآخر يصف هذه الجماعات بالإرهابية، ويُذَكّر القراء بدعم الحكومة السورية لأحزاب المقاومة في فلسطين ولبنان سنوات طويلة، مما جعل هذا البلد هدفا للتآمر الغربي /الأمريكي/ الإسرائيلي من أجل إسقاط نظامه السياسي وتقسيمه إلى دويلات طائفية متناحرة. وبين هذا المقال وذاك قد نجد مقالا آخر يدعو إلى حل سلمي للقضيّة السورية، ويرى أنّ المعارضة السوريّة المسلحة والحكوميّة السوريّة تتحملان معا مسؤولية ما يحدث هناك؛ من مأساة إنسانية يدفع ثمنها الشعب السوري وحده بجميع طوائفه.

في تلك الليلة الاستثنائية في النادي الدبلوماسي بالخوير، اجتمع أغلب هؤلاء الكُتّاب - لاعتذار بعضهم لأسباب خارجة عن إرادتهم- وتبادلوا الآراء والأفكار في القضايا الفكرية المختلفة. ولعل هذه الحوارات التي لم تكن حسب البرنامج، أتاحت الفرصة لهم للإطلاع على الآراء المختلفة عن قرب.

وبالإضافة إلى كُتّاب الرؤية وصحفييها وطاقم إدارتها، فقد تميزت الأمسية بوجود الأديب العماني الكبير أحمد الفلاحي، الذي حرص على حضور الحفل رغم مشاغله المتعددة، بالإضافة إلى أحد أقطاب اليسار في منطقة الخليج والجزيرة العربية في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم؛ وهو المفكر البحريني عبدالنبي العكري صاحب كتاب "التنظيمات اليسارية في الخليج والجزيرة العربية" وكتاب "ذاكرة الوطن والمنفى" الذي يحمل سيرته الذاتية والنضالية. وقد ألقى العكري ضمن الحوار كلمة قصيرة قال فيها إنّ المجتمعات العربية قد مَلًتْ من الأنظمة الاستبدادية بعناوينها المختلفة، القومية، والعروبيّة، واليسارية، وإنّها الآن تريد حكما مدنيا ديمقراطيا تستطيع العيش فيه بكرامتها وإنسانيتها، بغض النظر عن العنوان الذي يحمله. بالإضافة إلى الكاتب البحريني عبيدلي العبيدلي المعروف بمقالاته اليومية المختلفة في الفكر والسياسة، التي تتميز دائما بالقوة، ووضوح الفكرة، وسلاسة الأسلوب والطرح. ومن المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية حضر الكاتب جعفر الشايب المعروف بكتاباته التنويرية المختلفة، التي تدعو إلى التعددية والتسامح والدولة المدنية الحديثة. ومن مفاجآت الحفل اللقاء مع الكاتب عبدالله العليان الذي ورغم محاوراتنا العديدة في قضايا فكرية مختلفة، سواء في جريدة عمان، أو موقع سبلة عمان الإلكتروني، أو بالاتصالات الهاتفية منذ عدة سنوات، إلا أنّه للمرة الأولى يحدث أن ألتقي معه شخصيًا. وكانت فرصة أيضا أن ألتقي ببعض الأقلام الأخرى التي تتزين بها صفحتي الرآي ورؤى في هذه الجريدة، أمثال الدكتور سيف المعمري، وزينب الغريبية، وعلي المطاعني، وسلمى اللواتية، والدكتور محمد العريمي، وأسماء أخرى، ربما لا أذكرها الآن؛ ولكن أوجه لها تحية تقدير واحترام.

ولعل من المُلاحظ في الحفل؛ الحضور النسائي المميز؛ الذي أعطى للفعالية نكهة مميزة ورونقًا خاصًا. فقد استطاعت المرأة العمانية في السنوات الأخيرة أن تحقق نقلة نوعية وحضارية بالانتقال من مجرد الكتابة؛ إلى الحضور الشخصي، وإبداء رأيها في مختلف المواضيع بكل جرأة وشجاعة، ربما يعجز عنه أحيانًا بعض الرجال. الغائب الأكبر عن ذلك الحفل التنويري/ التعارفي كان الكاتب زاهر المحروقي، الذي ورغم لقائي به مرات متعددة؛ إلا أنّه من الأفراد النادرين الذي يتمنى المرء الالتقاء بهم باستمرار، فهو وبكل أمانة مدرسة في الكتابة بحد ذاتها، ولعلّ مقالاته التي يحرص الجميع على متابعتها، أبرز شاهد على ذلك.

ولا يسعني في خاتمة هذا المقال سوى تجديد الشكر والمحبة لحاتم الطائي وإدارة تحرير الجريدة، والكاتب والسينمائي عبدالله خميس على هذا الحفل الكريم الذي جمعنا جميعًا تحت سقف واحد وهدف واحد وهو عمان.

تعليق عبر الفيس بوك